\r\n تأسست الأممالمتحدة في مرحلة زمنية لم يكن فيها معظم أعضائها الحاليين دولاً مستقلة، وحتى عدد أقل من ذلك كان من الدول الصناعية. جميع الأعضاء الدائمين تقريباً وصلوا اليها لأنهم كانوا المنتصرين في الحرب العالمية الثانية. وحتى يومنا هذا، لم تتخط ألمانيا واليابان حاجز استبعادهما الأولي باعتبارهما الطرف الخاسر، والعمالقة الصناعيون الجدد مثل البرازيل واليابان مازالوا في غرفة الانتظار. \r\n \r\n \r\n لا توجد دولة في الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن تمثل العالم الإسلامي، مع أن تطوير علاقة إيجابية متسامحة بين الغرب والإسلام يعتبر إحدى القضايا الأمنية الأكثر إلحاحا في عصرنا. والحل الواضح يكمن في حصول مصر أو اندونيسيا على أحد المقاعد الدائمة الأربعة الجديدة التي تقترحها خطة عنان لأفريقيا وآسيا. \r\n \r\n \r\n لن يكون الأعضاء الدائمون الجدد مؤهلين لاستخدام حق النقض (الفيتو)، الأمر الذي يستدعي طرح السؤال التالي: ما الذي سيحدث لحق النقض الذي تتمتع به الدول الخمس الحالية؟ في الحقيقة ان حق النقض البريطاني يعتبر غير مستخدم بالفعل. \r\n \r\n \r\n عندما ذهبت إلى الأممالمتحدة للمرة الأولى أثرت الذعر بسؤال متى كانت آخر مرة استخدمنا فيها حق النقض البريطاني. وبعد وقت طويل من التكلم مع دبلوماسيين متقاعدين عبر الهاتف، اتضح اننا استخدمنا حق النقض الخاص بنا آخر مرة قبل ذلك باثني عشر عاماً، وكان ذلك على نحو يثير العجب حول مسألة تتعلق بقناة بنما، مع انني لم أجد أي شخص يمكنه أن يتذكر ما الذي كان بالضبط إلى هذه الدرجة من الأهمية في بنما بحيث يستحق استخدام حق النقض البريطاني. \r\n \r\n \r\n المشكلة هي انه بالنسبة للأميركيين يشغل «الفيتو» الخاص بهم في الأممالمتحدة الدور الطلسمي نفسه الذي يشغله «الفيتو» الذي نتمتع به في الاتحاد الأوروبي. والأمل الأفضل هو التزام ينفي الأنانية من قبل الأعضاء الخمسة دائمي العضوية بأن يستخدم كل منهم حق الفيتو فقط على مسائل تتعلق بمصلحة قومية مباشرة. \r\n \r\n \r\n ويمكن أن تكون بريطانيا المبادرة إلى هذا الأمر من خلال الإدلاء بتصريح أحادي من تلقاء نفسها، الأمر الذي لا ينبغي أن يكون صعباً نظراً لأننا لا نستخدم الآن الفيتو الخاص بنا على الإطلاق. \r\n \r\n \r\n لم يبلغ المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة أبداً المكانة نفسها التي بلغها مجلس الأمن. ويبرز تقرير عنان بصورة مقنعة فساد هذا اللاتوازن، حيث إن الجزء الأعظم من أجندة مجلس الأمن تشغله الصراعات العنيفة التي تكمن جذورها في الفشل في تعزيز التنمية السلمية. \r\n \r\n \r\n وهذا الغياب في السلطة من جانب المجلس الاقتصادي والاجتماعي ينتج فشلاً في تنسيق عمل وكالات الأممالمتحدة المتنافسة ضد بعضها البعض في المجال نفسه. \r\n \r\n \r\n فهو دليل دامغ على الصعوبة في الأممالمتحدة في ممارسة القيادة على التنمية لدرجة انه في الجدل الدائر حول تعيين بول وولفويتز نادراً ما يذكر أن البنك الدولي هو هيئة تابعة للأمم المتحدة، من الناحية الفنية، لا أحد يطالب بأن يمنح كوفي عنان حق النقض حول ما إذا كان سيحصل وولفويتز على هذا المنصب أم لا، ولكن لا يبدو من غير المعقول المطالبة بتنسيق أقوى في المركز لمنع البنك الدولي من انتهاج سياسات ليبرالية جديدة تتعارض تماماً مع برامج التنمية الخاصة بوكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة. \r\n \r\n \r\n هذا ينقلنا إلى الحاجز الاسمنتي الصلب في طريق إصلاحات عنان. فالعالم يواجه خياراً بين نموذجين متنافسين للسيطرة العالمية. الاتجاه الذي يحمل بصمة كوفي عنان يتمثل في أمم متحدة يعاد تشكيلها بسلطة جديدة لقراراتها الجماعية. غير أن عملية صنع القرار الجماعي لا تكون ممكنة إلا إذا كان هناك تكافؤ واسع في أوساط المشاركين فيها. \r\n \r\n \r\n وهناك تكمن المشكلة. فالمحافظون الجدد الذين يديرون الإدارة الأميركية يريدون التفوّق، لا المساواة، لأميركا ويتوقون لفرض نموذج بديل للسيطرة العالمية يتم فيه تنظيم أوضاع العالم لا من خلال عملية بناء الإجماع الدولي المملة، وإنما من خلال الممارسة المباشرة للقوة الأميركية. \r\n \r\n \r\n هناك طرق يمكن اظهار هذه القوة من خلالها بصورة اكثر خبثاً من ارسال حاملة للطائرات. فخلال الأشهر الستة الماضية تجسد نفوذهم في مقالات صحافية شديدة ضد كوفي عنان، التقطتها بأمانة مخزية الجهات اليمينية في الصحافة البريطانية. \r\n \r\n \r\n هناك نفاق يحبس الانفاس فيما يتعلق باتهام كوفي عنان حول برنامج النفط مقابل الغذاء الخاص بالعراق. \r\n \r\n \r\n لقد كانت الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة هما اللتان صاغتا هذا البرنامج، ووجهتا قرارات الأممالمتحدة التي منحته الصلاحية، وجلستا في اللجنة التي كلفت بادارته، وادارت الحصار لفرضه. إنني اعرف ذلك لانني قضيت جانباً كبيرا من الوقت الذي أمضيته في وزارة الخارجية محاولاً إنجاحه. وإذا كانت هناك مشكلات مع البرنامج، فانه يتعين على واشنطن ولندن أن تكونا هناك في قفص الاتهام الى جوار قليل الحظ كوفي عنان، الذي شاءت الاقدار أن يكون أمينا عاماً في ذلك الوقت. \r\n \r\n \r\n ولكن هناك مستوى أعمق من العناد في تشويه سمعة عنان من قبل الجناح اليميني الأميركي. لقد طالبوا منذ أمد بعيد باصلاح الأممالمتحدة. وقد اقترح كوفي عنان أشمل عملية اصلاح للأمم المتحدة في تاريخها وهو الأمين العام الأكثر أرجحية في تقديم الدعم لها. \r\n \r\n \r\n واذا أصروا على تقويضه، فانهم من المحتمل ان يخرجوا خطته الاصلاحية على مسارها. ولابد من الشك بأنهم يفضلون وجود أمم متحدة غير فاعلة ليعاملوها ككيان عاجز عن العمل بدلا من منبر حديث تمثيلي من شأنه ان يجبرهم على احترام القرارات الجماعية. \r\n \r\n \r\n الاختيار المستهجن لجون بولتون في منصب مندوب بوش لدى الاممالمتحدة مرتبط باستراتيجية التخريب، وليس الاصلاح. فعداؤه لأي قيود تفرض على التوجه الاحادي الأميركي عميق للغاية (وحياته حزينة جداً) بحيث انه وصف «أسعد لحظة» مرّ بها عندما وقع رسالة الى كوفي عنان يخبره فيها بأن الولاياتالمتحدة لن تكون لها أي علاقة بمحكمة الجنايات الدولية. وتعتبر نكهته في هذه اللفتة واضحة تماماً، حيث ان المسألة لم تكن ضمن نطاق عمله، وتوسل لكي يسمح له بالتوقيع كمعروف خاص. \r\n \r\n \r\n الأمر الذي يثير السخرية هو أن أول مواجهة للولايات المتحدة منذ تعيينه كانت التصويت الأخير على الاقتراح باحالة جرائم الحرب في دارفور الى محكمة الجنايات الدولية. إن مشكلة انصار التوجه الاحادي في واشنطن في محاولتهم لوقف الجرائم هي ان الوحشية والابادة في دارفور يعتبران حالة كلاسيكية بالنسبة لفرض القانون الدولي عبر عملية متعددة الأطراف. \r\n \r\n \r\n ويحسب للحكومة البريطانية أنها أوضحت منذ أمد بعيد انه بصرف النظر عما فعلته الولاياتالمتحدة، فانها ستدعم مشروع القرار الفرنسي الذي يستحضر محكمة الجنايات الدولية. وهذا الموقف مرحب به ليس فقط لأنه يمثل السياسة الصحيحة ازاء دارفور، وانما كإثبات لكون بريطانيا تدعم نموذج عنان لنظام سيطرة عالمية حديث ومتعدد الاطراف وأنها في هذه المرة على الأقل امتنعت عن قبول التفوق الأميركي. \r\n \r\n