وفوق ذلك فإن الحبر الأعظم الجديد، بشخصيته وأفكاره سوف يؤثر أيضاً حتى في أولئك الأشخاص من الكاثوليك.ان البابا ليس مديراً تنفيذياً يعمل بمشيئة مجلس إدارته، وهو أيضاً ليس كالرئيس أو رئيس الوزراء الذي عليه الاستعداد لحملة إعادة انتخابه بعد انتهاء فترته الأولى. \r\n \r\n \r\n والبابا في العصر الحديث لا يُحاكم بتهمة التقصير أو الخيانة كما يحدث مع القضاة المنحرفين لانقاذ سمعة النظام القضائي، وفي مختلف الأحوال والظروف يبقى البابا دائماً رمزاً مرادفاً للكنيسة الكاثوليكية لا يمكن فصله عنها، وبوجود اتباع يقدر عددهم بالمليار، فإن فكرة الكاثوليكية، أو المسيحية نفسها تتعاظم أو تتضاءل مع البابا. \r\n \r\n \r\n ان حبراً ذا شخصية فاتنة قد يثير الاضطراب، لكن حبراً بيروقراطياً عديم اللون أو متطرفاً يمينياً أو يسارياً لن يؤد إلى تناقض المؤمنين في عهده فحسب، وإنما قد يقود خلال بضع سنين إلى نهاية الكنيسة الكاثوليكية في صورتها التي نعرفها اليوم. \r\n \r\n \r\n ربما يظن منتقدو الكاثوليكية أنه، في عالم معولم من 6 مليارات نسمة، من غير الملائم تعليق كل هذه الأهمية على رجل مسن مكتسي بثوب تقليدي، لكن لماذا إذن عند موت البابا عام 2005 خرجت له أكبر جنازة في التاريخ الغربي الموثق؟ \r\n \r\n \r\n كان البابا يوحنا بولس الثاني قائداً بارعاً بطرق تجاوزت جاذبيته الشخصية وسلطته المؤسساتية. فلقد ظل وفيّاً لألفي سنة من التقاليد برفضه التزحزح عن الموقف الحازم من الاجهاض وزواج المثليين، وبهذه الطريقة أبقى على المسيحيين الكاثوليك المحافظين داخل الحظيرة، مع ان هؤلاء ربما حيّرتهم معارضته الصلبة لغزو العراق وعقوبة الإعدام والثقافة الاستهلاكية الغربية. \r\n \r\n \r\n وفي الوقت ذاته، فإن الليبراليين الذين ربما أصيبوا بالكآبة من جراء امتناع البابا حتى عن اجازة استخدام وسائل منع الحمل، أعجبوا باهتمامه بالفقر العالمي وشطب ديون العالم الثالث ومد الجسور بين ثقافات العالم.وفي غضون ذلك ساعدت شخصية يوحنا بولس الثاني الرجولية الأصيلة في انقاذ الكنيسة من سلسلة فضائح القساوسة الجنسية التي هددت بإفلاس العديد من الابرشيات الأميركية واستنزاف المناصب الكهنوتية من المؤهلين الجدد. \r\n \r\n \r\n أحياناً تكون أهمية فرد واحد أكبر من حدود تصورنا. فبعد إفشاء معلومات محرجة عن الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كورت فالدهايم، لم تعمل الأممالمتحدة على ترميم سمعتها بشخصية مثل البابا يوحنا بولس الثاني بل عينت أشخاصاً من أمثال بطرس غالي وكوفي عنان. \r\n \r\n \r\n وهذان الشخصان المشوبان بالعيوب لم يفعلاً شيئاً سوى تعزيز صورة البيروقراطية الفاسدة في أوساط الأممالمتحدة.ولو كان الأمير تشارلز شبه والدته لا شبه عمته مارغريت، لما فقدت الملكية البريطانية سمعتها الحسنة.كما ان البابا ليس مجرد رأس للكنيسة الكاثوليكية فحسب. \r\n \r\n \r\n \r\n فهو، بخلاف أمثال بيلي غراهام، أميل إلى نهج التعاون الدولي وتجسيد الغرب نفسه، بالنظر إلى تاريخ مؤسسات الكنيسة الذي يعود إلى ربيع حضارتنا خلال الامبراطورية الرومانية فاللاتينية، التي تمثل هيكل الكاتدرائية، والأفلاطونية الجديدة و2000 عام من التاريخ الأوروبي الفكري والسياسي كل هذه الأمور وأكثر مزروعة في «هيكلية الكنيسة». \r\n \r\n \r\n ان الأزمة الراهنة في الثقافة الغربية ليست حول المجاعة أو الطاعون، كما حدث في الماضي، وانما هي حول ضجر عامة الناس الأغنياء والمترفين والذين يتوقون للتسامي فوق عالمهم المادي غير المقنع برغم ثرائه، لكنهم في الوقت ذاته ينظرون بعين الشك إلى أي شيء غير قابل للتفسير بالعقل الصرف. \r\n \r\n \r\n الذي هو مصدر كل ملذاتهم الدنيوية، وفي هذا السياق فإن البابا الملهم هو ذاك الذي يتحدى الإنسان الغربي الحديث لإعادة التفكير في رؤيته بأن العالم هو فقط ما يراه ويسمعه، أما البابا غير الملائم فهو ذاك الذي يثبت ظنون المشككين بأن الدين عقيدة خرافية غير ضرورية. \r\n \r\n \r\n \r\n ومن أوروبا، الموطن الأصلي للبابوية ومهد الحضارة الغربية، نشأت أيضاً اسوأ أفكار القرن العشرين، من الفاشية والنازية إلى الماركسية والشيوعية، والآن تواجه هذه القارة أزمة ديمغرافية وأقليات غير مندمجة في محيطها واستحقاقات مسرفة سوف يثبت قريباً انها غير قابلة للديمومة. \r\n \r\n \r\n ان البابا القوي كما في حالة يوحنا بولس الثاني الذي عارضه الاستبداد السوفييتي بجسارة يستطيع توفير حصن يقي الثقافة الغربية المستسلمة للجهل بالأمور الكونية والتي تتقاذفها الرياح على غير هدى.أما البابا الذي يكتفي بدور الناظر أو الوكيل فلن يفعل شيئاً سوى مفاقمة مشكلة افتقار القارة الأوروبية للثقة في أصولها وقيمها التي كانت في يوم من الأيام مقدسة. \r\n \r\n \r\n وبعيداً عن مهاراته السياسية وحيويته وطلاقته اللغوية، فلقد كان البابا أديباً يؤمن حتى بالأشياء التي لا يستطيع اثباتها بالدليل المادي، وبذلك ذكّرنا جميعاً بأن العقل والإيمان ليسا نقيضين غير قابلين للتوافق، وانما هما قيمتان متكافلتان كانتا متعايشتين دائماً في صميم ثقافتنا. \r\n \r\n \r\n وهكذا كان البابا يوحنا بولس الثاني بمثابة رسالة تذكير قوية بأنه باستطاعة المفكرين ان يصلّوا ويجب على رواد الكنائس المنتظمين ان يصقلوا عقولهم أيضاً.وفي عصرنا المتأخر المليء، بالمتاعب كان البابا هدية نادرة من الماضي البعيد إلى الغرب المرتاب في نفسه. \r\n \r\n \r\n خدمة «لوس أنجلوس تايمز» \r\n \r\n خاص ل «البيان» \r\n \r\n