وهذا العنصر بالذات يلقى ترحيبا، وعلى الخصوص من قبل الهند التي رأت، أو عانت – حسبما يقول البعض- من التحيز الأميركي لباكستان في أوقات ومناسبات مختلفة في الماضي. وكان هذا تحديدا هو السبب في الحساسية التي كانت الهند تشعر بها تجاه الدور الأميركي في المنطقة، والذي كان يميل عادة إلى تأجيل إجراءات بناء الثقة المتبادلة بين الدولتين، حتى بعد أن شرعتا في إعادة بناء العلاقات بينهما خلال العقد الأخير. \r\n \r\n والأسباب التي دعت الولاياتالمتحدة إلى تبني هذه السياسة في الماضي معروفة جيدا... بيد أن الشيء الذي بدأ يطاله التغيير، هو أن الإدارة الأميركية قد أدركت أن نهجها القائم على أن أي تحسين في العلاقات مع واحد من الجانبين يعني الانتقاص من نصيب الجانب الآخر في هذه العلاقة، قد أدى إلى تقليص الخيارات المتاحة أمامها في التعامل مع الدولتين، اللتين كانت كل منهما تعتبر ذات أهمية استراتيجية بالنسبة للمصالح الأميركية. وأهمية باكستان بالنسبة للولايات المتحدة تزايدت منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، وخاصة فيما يتعلق بمساعدة واشنطن في السيطرة على أفغانستان، وإبعادها عن دائرة النفوذ السوفيتي، واستخدامها كنقطة وُثوب لآسيا الوسطى، بما تحتوي عليه من احتياطيات هائلة من الطاقة، وهو ما جعل الولاياتالمتحدة تعتبر باكستان دولة \"خط أمامي\". ولكن هذه السياسة في نهاية المطاف غدت تحقق نتائج عكس المأمول منها، وخصوصا بعد أن تم تأسيس \"طالبان\"، وبعد أن أصبحت باكستانوأفغانستان تمثلان مركزا للجهاد الإسلامي العالمي. \r\n \r\n ومن المفارقات أن هذه الحقيقة، وخصوصا بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هي التي أدت تحديدا إلى زيادة أهمية باكستان التي عادت مرة أخرى إلى القيام بدور دولة \"الخط الأمامي\" بالنسبة لأميركا، بل إن هذه الأهمية تزايدت إلى درجة أن أميركا اعتبرتها \"حليفاً رئيسياً خارج الناتو\"، وقد أدى ذلك إلى فتح خطوط تصدير السلاح إلى باكستان، والتي كانت قد أغلقت عام 1990، عندما أخلت إسلام أباد بوعودها لواشنطن بشأن برنامجها النووي. \r\n \r\n وعرض رايس بتزويد باكستان بطائرات مقاتلة من طراز إف- 16، يعتبر كما هو واضح، الخطوة التالية الطبيعية في هذا الاتجاه. وقد تزامنت هذه الخطوة - بالصدفة – مع حصول وزيرة الخارجية الأميركية، على تعهد من الجنرال برويز مشرف بوضع أجهزة الطرد المركزي، من النوعية التي تم توريدها لإيران (من أجل برنامجها النووي) تحت تصرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو مطلب كانت إسلام أباد ترفضه على الدوام. \r\n \r\n أما المصالح الأميركية مع الهند فقد كانت أوسع نطاقا من ذلك، حيث كانت تهتم في معظمها بالنمو التقني- الاقتصادي للهند، وما يعنيه ذلك بالنسبة للمستقبل. والمبادرات الهندية للبدء في عملية سلام أخرى مع باكستان، بالإضافة إلى قيامها بإجراءات لكسب العقول والقلوب، كاستكمال الانتخابات التي جرت في جامو وكشمير، والتي أدت كلها إلى تحسين المناخ الإيجابي، الذي بدأ يسود المنطقة بأسرها. علاوة على ذلك تمضي المفاوضات الخاصة ب\"الخطوة التالية في الشراكة الاستراتيجية\"، والتي تدور بين واشنطن ونيودلهي، بشكل جيد حتى الآن. علاوة على ذلك، قامت العديد من الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات بإنشاء قواعد أبحاث للتقنية الفائقة في الهند. كما تدور في الوقت الراهن مناقشات جدية بشأن إقامة نظام للدفاع الصاروخي في الهند بمساعدة أميركية، من خلال تقديم منظومة صواريخ باتريوت مضادة للصواريخ. \r\n \r\n من حيث الجوهر، يمكن القول إن واشنطن قد قامت بالتخلي عن سياساتها التقليدية في المنطقة، التي كانت تقوم على الانحياز لأطراف أو (لطرف واحد في الحقيقة)، وشرعت بدلا من ذلك، في التعامل مع كل دولة كحالة قائمة بذاتها. ولعل هذا هو أكثر ما يلفت النظر في موضوع الموافقة على بيع طائرات إف – 16 لباكستان، كما أنه يقدم وعدا من ناحية أخرى، بأن واشنطن ستضمن مصداقية واستمرارية الإمدادات إذا ما أرادت الهند شراء أسلحة ومعدات أميركية، وهو تطور، لو تم، فسيكون فريدا من نوعه، لأن الهند لم تستطع الحصول على أسلحة أميركية خلال العقود الخمسة الأخيرة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، لأن الأسلحة البريطانية التي كانت الهند تحصل عليها من بريطانيا بصعوبة بالغة، وتحت إلحاح شديد، خصوصا خلال السنوات الأخيرة، كانت تحتوي على قطع أميركية، وبالتالي كانت تخضع لقرارات حظر تصدير الأسلحة الأميركية إلى الهند. \r\n \r\n ولكن بعد أن أصبحت الهند في وضع يمكنها من شراء ما قيمته 5 مليارات دولار سنويا من منظومات الأسلحة من الخارج خلال السنوات الخمس التالية، وقيامها ببحث مسألة شراء طائرات مدنية، ومشتريات بنية أساسية بقيمة 21 مليار دولار، وتطلعها بشكل جدي إلى شراء 125 طائرة مقاتلة من طراز إف-16 وإف-18 من الولاياتالمتحدة، فإنه ليس هناك ما يدعو للدهشة عندما نرى أن عمالقة الصناعة الأميركية الرئيسيين، الذين كان غيابهم ملحوظا عن معرض الطيران في باريس عام 2003، قد تدفقوا جميعا على استعراض الطيران الهندي \"ايرو أنديا\" الذي عقد في بنجالور، في شهر فبراير الماضي. \r\n \r\n وإذا ما سارت الأمور على هذه الوتيرة، فإن الشيء الواضح هو أن هناك وضعا مغايرا، سينشأ عندما تمتلك كل من الهند وباكستان في مستودعاتها، منظومات أسلحة أميركية تعتبر هي الأكثر تقدما في العالم. وليس هذا فحسب، بل إنهما قد تقومان بإطلاق النار على بعضهما بعضاً، باستخدام منظومات أسلحة رئيسية مستوردة من نفس المصدر (أميركا). من المحتم أن تكون هناك دواعٍ للقلق بين الطرفين بشأن مدى إمكانية الاعتماد على الولاياتالمتحدة، ومدى قدرتها على الضغط عليهما باعتبارهما مستوردين للأسلحة منها، إلا أن الشيء الذي لم يعد هناك شك فيه هو أن الزمن قد تغير، وأنه من غير المرجح أن ينجح مثل هذا الضغط، أو حتى يتم اللجوء إليه في الأساس، خصوصا عندما يتعارض مع مصالح الدولتين (الهند وباكستان). \r\n \r\n والهند ستحصل على ميزة طبيعية، بسبب قدرتها على تصنيع الأسلحة في مصانعها، بل وقدرتها على إنتاج مكونات رئيسية، ومنظومات أسلحة للقوات المسلحة الأميركية ذاتها، ولصناعة الطيران المدني فيها من خلال برامج المبادلة (أوفست) التي ستعقدها مع الشركات الأميركية، التي تتعامل معها في مجال السلاح. \r\n \r\n والاعتماد \"الضمني\" على الولاياتالمتحدة، وهو موضوع يثير حساسية الأحزاب الهندية اليسارية بالمناسبة، هو اعتماد نظري، بل ومرغوب فيه في الواقع، لأنه سيساهم في إنشاء علاقات وثيقة بين حملة الأسهم في الشركات الأميركية، وأجهزتها التشريعية من ناحية وبين الهند من ناحية أخرى. \r\n \r\n في الوقت الراهن تستورد الهند ما بين 75-80 في المئة من منظومات الأسلحة من دول الاتحاد السوفيتي السابق- روسيا على وجه الخصوص- في حين تقوم باستيراد النسبة الباقية من أوروبا. وقيام الهند باستيراد 20 في المئة من أسلحتها من أميركا، سيؤدي في الحقيقة إلى زيادة درجة اعتمادها على نفسها، من خلال قيامها بتنويع مصادر السلاح. وفي مقابل ذلك فإن فرص السلام بين باكستان والهند، ستتزايد أيضا، نتيجة لزيادة اهتمام الولاياتالمتحدة بتحقيق ذلك السلام، كي تتمكن من متابعة تحقيق مصالحها الأوسع نطاقا، والتي كان التوتر الهندي الباكستاني يقف دائما حائلا دونها.