ان اغتيال ضابط المخابرات الايطالي كاليباري في نقطة تفتيش في بغداد على يد القوات الأميركية يؤدي إلى نتائج مماثلة ويطيح بحليف شخصي آخر لبوش وهو رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني‚ نعم‚ ولحسن حظه لا توجد انتخابات قريبة في ايطاليا ولكن قريبا سيكون على البرلمان الايطالي ان يصوت لتمويل 000‚3 جندي في العراق في ظل سخط شعبي كبير على مقتل رئيس الاستخبارات الايطالية المحترم في العراق وجرح الصحفية المختطفة جوليانا سجرينا التي لم تنعم بحريتها أو تضحيات كاليباري لإنقاذها بعد شهر من الاختطاف‚ \r\n \r\n قال رجال المخابرات الايطالية الذين كانوا يرافقون كاليباري ان سيارتهم كانت تسير بتمهل وأنهم لم يتلقوا أي انذار من نقطة التفتيش حتى لحظة توجيه الكشافات على سيارتهم وبدء اطلاق النار‚ واعلنت الحكومة الايطالية عدم اقتناعها بالاعتذارات الأميركية ووصف البيت الأبيض للأمر بانه «حادث مروع»‚ ولقد صرح وزير الخارجية الايطالي جيانفراكو فيني بان الرواية الأميركية مخالفة لرواية الناخبين الايطاليين‚ وهذا يجعلنا نطالب بتوضيح النقاط التي ما زالت مبهمة وتحديد المسؤولين وادانتهم‚ \r\n \r\n الموقف الأميركي ما زال مصرا على ان القوات الأميركية تصرفت بشكل سليم ووفق الأوامر الثابتة وان السيارة الايطالية التي كانت متجهة بسرعة عالية بدأت كمن يريد ان يجتاز نقطة التفتيش‚ \r\n \r\n على الجانب الآخر مازال برلسكوني يردد ان مشاركة الجيش والشرطة الايطالية في العراق جعل من ايطاليا اقرب حليف لأميركا في القارة الأوروبية وان هذا سيؤهل إيطاليا لتصبح الجسر الذي يربط بين أميركا وأوروبا ودول الشرق الأوسط‚ \r\n \r\n لقد كانت السياسة الايطالية منذ الحرب العالمية الثانية بسيطة وواضحة وتعتمد على قاعدتين اساسيتين: دعم مساعي الوحدة الأوروبية وحلف شمال الاطلسي‚ وحتى بعد انهيار الشيوعية لم تتغير هذه السياسة ولم يتغير الاجماع عليها وذلك لسبب بسيط‚ هو ان ايطاليا لا تبحث أو تطمع في لعب دور سياسي عالمي نشط‚ \r\n \r\n لقد أربك مجيء برلسكوني الموقف الايطالي بكامله وذلك بتركيزه على العلاقات الأميركية خاصة بعد احداث 11/9 وقراره بمشاركة واشنطن في احتلال العراق‚ اضافة إلى ان محاولاته لخلق علاقة متميزة بين أميركا وايطاليا قد تسببت في اهتزاز علاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى‚ \r\n \r\n ولقد وافقت معظم قوى المعارضة الايطالية على مشاركة القوات في العراق لكن بشرط ان تكون تحت مظلة الأممالمتحدة وقيادتها‚ وحتى الحكومة كانت تأمل في سحب القوات بعد اجراء الانتخابات العراقية في يناير ولقد ارجئ ذلك بطلب من رئيس السلطة العراقية اياد علاوي في نوفمبر الماضي رغم إصرار الرأي العام الايطالي على سحب القوات‚ \r\n \r\n برلسكوني لم يستطع مقاومة الضغط الشعبي والسياسي الايطالي المطالب بانسحاب ايطاليا من العراق مع فشل أميركا في تقديم مبررات مقنعة حول هذا الحادث المؤسف لان الرأي العام قد ملّ الاهمال العسكري الأميركي وما زال حادث 1998 راسخا في اذهان الايطاليين عندما كان بعض الطيارين الأميركيين يستعرضون مهارتهم مما تسبب في قطع أحد اسلاك العربات الجبلية (التليفريك) مما أدى إلى إزهاق أرواح الذين كانوا على متن إحدى تلك العربات‚ \r\n \r\n وبعد محاولة للتغطية على الأدلة قدم الطيارون إلى محكمة عسكرية‚ وقد أطلق سراحهم دون عقاب! \r\n \r\n اتفقت الحكومة الايطالية والبيت الأبيض على شيء واحد فقط: مقتل الضابط كاليباري وجرح الصحفية جوليانا في «حادث مأساوي»‚ أما ما تبقى من ملابسات وظروف هذا «الحادث المأساوي» فلا يوجد اتفاق عليها بالمرة‚ \r\n \r\n الايطاليون يقولون انهم ابلغوا الأميركيين بان السيارة في طريقها إلى المطار والأميركيون ينكرون ذلك تماما‚ شخصيا أميل إلى تصديق زعم الصحفية جوليانا بأنها كانت المستهدفة‚ وهذا يذكرني باجبار الصحفي ايسون جوردان (CNN) على تقديم استقالته لا لشيء إلا لأنه قال ان العسكريين في العراق يستهدفون الصحفيين‚ \r\n \r\n بالنسبة للصحفيين وبكل بساطة لا توجد مهمة أكثر خطورة من تغطية احداث العراق‚ وحسب احصائيات لجنة حماية الصحفيين فان عدد الصحفيين الذين قتلوا في سنتين فقط في العراق بلغ 37 صحفيا لكن الأكثر ايلاما في الأمر ان نعرف ان ثلاثة فقط من هذا العدد قتلوا اثناء الغزو وان بقية القتلى سقطوا بعد ان اعلن الرئيس بوش انتهاء المهمة‚ دعنا نقارن هذا العدد بعدد القتلى من الصحفيين في حرب فيتنام الذي وصل إلى 66 صحفيا‚ لكن‚ في حرب امتدت من 1955 إلى 1975 أي عشرين سنة كاملة! \r\n \r\n اضافة إلى القتل فهناك محنة الاختطاف التي ابتلي بها الصحفيون في العراق ففي عام 2004 تم اختطاف 27 صحفيا افرج عن 24 منهم وقتل اثنان وما زالت الصحفية الفرنسية فلورنس أوبيناس بأيدي المختطفين حتى هذه اللحظة‚ معظم الصحفيين الذين قتلوا في العراق كانوا من العراقيين أنفسهم (19) وهم الابطال الذين لم يتغن أحد ببطولاتهم‚ فعندما زادت خطورة الاوضاع وأصبح الصحفيون الأوروبيون جلساء جدران قناواتهم وذلك لاختلاف ألوانهم وسرعة تميزهم بين الجماهير واستهدافهم أخذ الصحفيون العراقيون المهمة بكل جدارة وذهبوا لمواقع الاحداث وقاموا بالتغطية الكاملة لكل حدث في موقعه ووقته وبفضلهم تمكن العالم من رؤية ما يحدث في العراق‚ \r\n \r\n اضافة إلى استهداف الصحفيين انفسهم فلقد واجهت الصحافة في العراق عاملا مأساويا آخر تمثل في استهداف الموظفين والعمال الذين يعملون لمساعدة وسائل الاعلام فلقد قتل 18 عراقيا ولبناني واحد ممن يعملون سائقين أو مترجمين أو في مهن تتصل بمهنة الاعلام‚ ولقد تم اختطاف مترجم الصحفية الفرنسية أوبيناس‚ حسين السعدي معها ايضا‚ ما يعني في هذا الموضوع ان اسلط الضوء على هذه الأرقام لنرى ما يمكن ان تعنيه‚ \r\n \r\n قيل ان 20 صحفيا من القتلى قتلوا اثناء تبادل النيران أو التفجيرات أو تم استهدافهم مباشرة‚ أما البقية 9 صحفيين فقد قتلهم الجيش الأميركي فيما يعرف بفن التلاعب باللغة «النيران الصديقة»‚ وهي نفس النيران الصديقة التي شرخت العلاقة بين ايطاليا وأميركا وهي نفس النيران التي قتلت الرقيب البلغاري وحصدت أعدادا غير معروفة من العراقيين على نقاط التفتيش والحواجز العسكرية على الطرقات‚ وحول هذا الموضوع كتب المراسل الصحفي في بغداد جوف ف‚ بيرنز في صحيفة نيويورك تايمز إذا اعتبرنا ان من أهم الأمور التي ارتبطت بالوجود العسكري الأميركي في العراق هي فضائح سجن أبوغريب التي اثارت غضب الشعب العراقي واستياءه إلى درجة تستعصي على الوصف فان قتل الصحفيين والعراقيين الابرياء عند نقاط التفتيش وعلى الحواجز العسكرية قد اثار الكثير من مشاعر العداء في الشارع العراقي مما لا يمكن اعتباره اقل تأثيرا داخليا وخارجيا من فضائح سجن أبوغريب‚ \r\n \r\n قد ارثي لحال هؤلاء الصبية الأميركيين المفوضين باتخاذ القرار في جزء من الثانية حول هوية السيارة القادمة وهل هي مليئة بالاطفال‚ الصحفيين أم هي سيارة انتحارية في ظل اوضاع باتت معروفة‚ للجميع‚ ان هذه التصرفات من قبل الجنود الأميركيين تعكس حقيقة واضحة وهي انه بعد سنتين من غزو العراق «ما زال الأمن مفقودا في العراق»‚ بعد كل هذه الاحداث المؤسفة اصدر الجنرال الأميركي في العراق جورج كيسي قرارا بمراجعة الحوادث التي وقعت على نقاط التفتيش وللحواجز العسكرية خلال الشهور الستة الماضية فقط 6 أشهر لا غير واظنه سيجد أمامه سجلا مطولا من الحوادث المؤسفة التي ما كان يفترض ان تحدث‚ \r\n