وإذا ما كانت منطقة الشرق الأوسط، مسرحاً اليوم لعمل هذا القانون الاستثنائي وفعله، فألا ما أبهى التجليات والنتائج! هب أن تنظيم \"القاعدة\" لم يدمر برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، فهل كان الشرق الأوسط، سيتحول إلى مرجل للثورة الديمقراطية التي تغلي فيه الآن وتزلزل أركانه؟ وما لم يفعل تنظيم \"القاعدة\" ما فعله في الحادي عشر من سبتمبر، فهل كانت ستقوم قيامة للمظاهرات اللبنانية الداعية إلى تحرر لبنان، وهل كانت بيروت ستشهد، تخصيص ميدان بعينه لتلك المظاهرات، بات يعرف سلفاً ب \"ميدان التحرير\"؟ وبالمثل، هل كانت فلسطين ستشهد هذه البداية الجادة لحل أزمتها المستمرة لعدة عقود؟ أم كان العراق سيحلم يوماً بانتخابات مثل تلك التي شهدها مؤخراً، على رغم ما اعتراها من عيوب ونقائص؟ ثم إليك ما جرى في كل من مصر والمملكة العربية السعودية، اللتين هبت عليهما نسمات الحرية ورياح التغيير! وبهذا نختتم الأسئلة المترتبة على تداعيات الحادي عشر من سبتمبر، وفقاًَ لقانون العواقب العكسية: هل كانت أميركا وأوروبا، ستنشغلان كل هذا الانشغال، بمهمة التحول الديمقراطي الشامل لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها؟. \r\n \r\n مع أنه يصعب علينا بالطبع، تأكيد كل الإجابات والنتائج المترتبة على سؤال الشرط \"ماذا لو؟\"، إلا أننا نستطيع أن نؤكد دون صعوبة، ما كانت عليه سياسات الرئيس بوش قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ وفحوى تلك السياسات هو: فلنتابع بناء القوة العسكرية الأميركية، مع تجنب التدخلات الخارجية التي تورطت فيها إدارة \"كلينتون\". كما كانت تلك السياسات تنص أيضاً، على مواصلة بناء علاقات القوة مع بقية الدول الأخرى، لا سيما مع الصين، المنافسة للولايات المتحدة. ولم يكن ليرد ما يذكر في سياسات بوش قبل الحادي عشر من سبتمبر، عن نشر الحرية والديمقراطية على الصعيد العالمي. وقبلها ظل الحديث عن نشر الديمقراطية، نبرة ونزعة \"كلينتونية\" بحتة، لا تتردد أصداؤها إلا في دوائر محدودة بين المحافظين الجدد، دون أن تجد لها أذناً صاغية من الرئيس بوش. \r\n \r\n وكما نعلم جيداً وفي المقابل، ما كان عليه الشرق الأوسط، قبيل هجمات الحادي عشر من سبتمبر: مستنقع لأنظمة وحكومات مستبدة، يتسامح معها الغرب أو حتى يدعمها، بسبب النفط أو انعدام الهمة أو الخوف. وإلى جانب ذلك، لم يكن ثمة سوى المأزق السياسي وحمامات الدم المتبادلة بين الخصمين الإسرائيلي والفلسطيني. أن نقول هذا، فإنه لا يعني البتة، أن العراق كان على صواب ومنزهاً من الخطايا. بل من الواجب القول إن هناك نبرة مغالاة تصدر عن واشنطن، في تقييم ما جرى وتحقق حتى الآن في العراق، مما يجب مناهضته وإشهار خطئه، والاعتراف بلا جدواه. لنذكر لهذا مثالاً، ما جاء على لسان \"باولا دوبرينسكي\"، وكيلة وزير الخارجية للشؤون الدولية في حديثها يوم الاثنين الماضي:\"وكما لاحظ الرئيس أثناء حديثه في براتبسلافا الأسبوع الماضي، فإن هناك ثورة وردية في جورجيا، وأخرى برتقالية في أوكرانيا، ثم أخيراً ثورة أرجوانية في العراق. أما لبنان، فيشهد هو الآخر، نمو ثورة أرزية، نراها توحد صفوف اللبنانيين جميعاً، وتحفزهم على المطالبة بالديمقراطية والتحرر الحقيقي من نير التدخل الأجنبي في شؤون بلادهم\". \r\n \r\n ولنا أن نقف هنا على عبارة \"ثورة أرجوانية\" في العراق، فهل هي أرجوانية بلون الدم؟ وشتان ما بين ثورة ديمقراطية سلمية، تنبع بين صفوف الجماهير، وتنبت من تراب البلد نفسه، وثورة ديمقراطية تأتي مفروضة على الشعوب من الخارج، أو تجيء محمولة على دبابات وآليات الغزو العسكري! ولكي لا نخطئ التحليل، فإن من الضرورة بمكان، أن يحظى النوع الأول من الثورات بالدعم والتشجيع الخارجيين. \r\n \r\n والصحيح أن ما تشهده شوارع بيروت اليوم، لا علاقة له بما يقال عن أصداء سياسية لما جرى في العراق، ولا هو بالضرورة تبرير للغزو الأجنبي الذي تعرض له العراق، بأثر رجعي. بيد أن للتطورات السياسية التي يشهدها لبنان، علاقة قوية فيما يبدو، بمستجدات السياسات الخارجية الأميركية. والشاهد أن واشنطن، ومنذ الصدمة التي تعرضت لها في الحادي عشر من سبتمبر، قد شرعت في تلمس خطواتها على طريق الخطأ والصواب، وهي تمضي باتجاه استراتيجية، ربما توفر احتمالاً لتجاوب أنصار الديمقراطية في كل من أوروبا والعالم العربي، للتحولات السياسية التي تعد بها. لكن لا يزال من الضروري إدراك أن تلمس هذه الطريق، يبدأ بالاعتراف بأنه في وسع الآلية الحربية الأميركية، أن تكسب الحرب منفردة كيفما ووقتما تشاء - مثلما فعلت في العراق- غير أنه ليس في وسعها أن تكسب معركة بناء الديمقراطية منفردة، وبين ليلة وضحاها، مثلما تؤكد التجربة العراقية نفسها. ذلك أن الديمقراطية لمن تنبع يوماً من أفواه البنادق والدبابات، كما علمنا التاريخ. \r\n \r\n واليوم تحدث تطورات مهمة في تلمس الطريق إلى دمشق. والملاحظ أن واشنطن وباريس، تمشيان معاً وخطوة بخطوة في هذا الطريق. وفي مؤتمر لندن الأخير الذي عقد حول فلسطين، اتحد صوتا وزير الخارجية الفرنسية ونظيرته الأميركية، في المطالبة المشتركة ب\"الانسحاب الفوري لكافة القوات العسكرية والاستخباراتية السورية، المنتشرة الآن في لبنان\". وفي غضون ذلك، ارتفعت اللافتات في شوارع بيروت، وهي ترفرف عالياً بكلمة \"Indepedance\" مع ملاحظة أنه ليس ثمة خطأ إملائي في هذه الكلمة الأجنبية، إن علمنا أن المعارضة اللبنانية، إنما تنطق بلسان \"فرانكوفوني\". \r\n \r\n ومهما يكن، فإن ما يجري من تطورات في كل من سوريا ولبنان وفلسطين والمملكة العربية السعودية، كله يعبر عن تحولات إيجابية، كما بات على أوروبا، مغادرة موقفها السابق من غزو العراق، واقتراح الكيفية التي يمكن بها تصحيح مسار التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. \r\n \r\n \r\n تيموثي جارتن آش \r\n \r\n أستاذ الدراسات الأوروبية بجامعة أوكسفورد وزميل أول بمؤسسة \"هوفر\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\"