بعد ايام من هجمات سبتمبر اوضحت الادارة الاميركية بجلاء انها لم تعد تلتزم بالمعاهدات الدولية او بالقانون الاميركي او المعايير المعتمدة من قبل المؤسسة العسكرية الاميركية فيما يتعلق بالتعذيب ومعاملة السجناء‚ \r\n \r\n ومع نهاية 2001 كانت وزارة العدل قد اعدت مشروعات مذكرات حول «حماية» ضباط المخابرات والضباط والعسكريين من اي محاكمة محتملة بموجب القوانين الاميركية السارية على معاملتهم للافغان أو اي سجناء آخرين‚ \r\n \r\n في يناير 2002 نصح المستشار القانوني للبيت الابيض البرتو كونزاليز (سيصبح قريبا المدعي العام) الرئيس الاميركي بأن بالامكان ممارسة التعذيب ضد السجناء اذا اعلن الرئيس ان السجناء في افغانستان يعتبرون خارج ميثاق جنيف وخارج قانون جرائم الحرب الاميركي الصادر في عام 1996 الذي ينص على انزال عقوبة الاعدام لمن يتهم بخرق ميثاق جنيف‚ وتم تجاهل الذين رفعوا صوتهم بالاحتجاج وان كانت الادارة الاميركية قد اعلنت انها ستتقيد «بروح» تلك المواثيق‚ \r\n \r\n بعدها بوقت قصير طلبت «سي‚آي‚إيه» الحصول على ضمان رسمي بأن هذا ايضا ينطبق على عملائها بمعنى انها ارادت حماية العاملين لديها من اي ادانة محتملة‚ \r\n \r\n في مارس 2003 توصلت الادارة القانونية في وزارة العدل الى ان الرئيس لم يعد ملتزما بأي قانون دولي او فيدرالي له علاقة بالتعذيب‚ فكونه القائد الاعلى للقوات المسلحة فان لديه السلطة «لاقرار اي اسلوب هناك حاجة له من اجل حماية الامن القومي»‚ \r\n \r\n بعد ذلك صدرت مذكرات قانونية من المسؤولين المدنيين في البيت الابيض وفي البنتاغون تحتوي على التفاصيل الخاصة بالسماح باستخدام تقنيات التعذيب وكانت النتيجة السماح بفعل اي شيء لا يؤدي بصورة «متعمدة» الى قتل الضحية‚ واحتج الضباط القانونيون في «اف‚بي‚آي» وجماعات حقوق الانسان والضباط المتقاعدون ومسؤولو تطبيق القانون المدني على تلك المذكرات والممارسات‚ \r\n \r\n ولم يسبق للولايات المتحدة قبل ذلك ان لجأت لاستخدام التعذيب‚ فلم يبد التعذيب ضروريا لالحاق الهزيمة بألمانيا النازية او امبراطورية اليابان‚ فتكاليف التعذيب غير المباشرة كثيرة: فهي تؤثر سلبا على السمعة الوطنية وعلى اغتراب الرأي العام المحلي عن الرأي العام العالمي والحاق الفساد باخلاق ومعنويات الاجهزة الامنية والعسكرية‚ \r\n \r\n التعذيب ايضا لا ينجح كما يتوهم البعض ولا يؤدي الى تحقيق النتائج المرجوة منه‚ فضباط «اف‚بي‚آي» الذين زاروا سجن غوانتانامو ذكروا «ان تقنيات التحقيق البسيطة يمكن ان تعطي معلومات افضل من تلك التي يتم الحصول عليها عبر التعذيب»‚ \r\n \r\n ومن الصعب القفز فوق حقيقة ان ادارة بوش لا تعذب السجناء لان ذلك شيء مفيد بل من اجل رمزيته‚ فهي في الاساس بدأت تعد العدة لما سيجري لاحقا في العراق اي انها تعمدت الاخذ بسياسة التخويف للعراقيين قبل ان تصلهم‚ لقد كان لسان حال الادارة الاميركية يقول اننا سنفعل هذه الاشياء الفظيعة لاظهار انه ليس هناك اي شيء يمكن ان يوقفنا عن قهر وهزيمة اعدائنا واننا غير معنيين بالرأي العام العالمي ولا شيء سيوقفنا‚ \r\n \r\n هذا السياق يشبه ما جرى في الفلوجة الشهر الماضي حيث كانت العملية بكاملها عملية عسكرية رمزية‚ فلقد كان بامكان المقاومين الذين يرغبون في مغادرة المدينة فعل ذلك قبل بدء ذلك الهجوم الذي تم التطبيل والتزمير له طويلا‚ \r\n \r\n الهدف الحقيقي لعملية الفلوجة هو التدمير للمدينة وجعلها مثالا للآخرين ورسالة تقول لكل العراقيين ان هذا ما ستفعله الولاياتالمتحدة اذا ما استمررتم بالمقاومة‚ \r\n \r\n ان ما جرى لم يكن سوى عقاب جماعي لسكان المدينة على تسامحهم لقيام المقاومين باستخدام مدينتهم كقاعدة انطلاق ضد الاميركيين وحلفائهم في الحكومة العراقية المؤقتة‚ \r\n \r\n ان تصرفات هذه الادارة تأتي نتيجة لعدم قدرة الادارة على فهم الحرب التي تخوضها وهي حرب سياسية في الاساس وليست عسكرية‚ ان هذه المعضلة هي احدى اقدم المعضلات التي واجهت اميركا وما تزال تواجهها حتى اليوم‚ ما يحصل في العراق هو مقاومة لها طابع وطني وآخر طائفي‚ \r\n \r\n الجيوش التقليدية جيدة لقهر المدن التي يحتلها الاعداء ولكن العدو هنا ليس لديه رغبة في احتلال المدن‚ ان المقصود بشن هذه الحرب هو عقول المسلمين‚ \r\n \r\n ان تدمير المدن وتعذيب السجناء خطوات يتم الاقدام على فعلها عندما تحس القوات الغازية انها بدأت فعلا بخسارة الحرب وهي بالتأكيد اشارات على الافلاس‚ \r\n \r\n ان ما تقدم عليه اميركا في العراق يدمر ثقة واحترام اصدقائها لها وهو يقوي في نفس الوقت مصداقية العدو‚ \r\n