لكن هذه المشاعر النبيلة لم تكن سمة جميع المراقبين الذين تحدثوا عن »الثورة البرتقالية«. فبدلا من النظر الى ما يجري بصفته حركة ديمقراطية رأى البعض انها مؤامرة تتولى امريكا تنظيمها وتمويلها من اجل القضاء على السيادة الاوكرانية واضعاف منطقة النفوذ الروسية وتوسيع دائرة التأثير الامبريالي الامريكي. وقد ضمت دائرة المشككين فئات ومستويات مختلفة حول العالم كان بينهم رؤساء دول ومحللون وصحفيون من مختلف الاتجاهات. ولا بد من القول بان هذه الباقة المتناحرة من النقاد تملك شيئا من الحق والكثير من الباطل. \r\n \r\n \r\n السؤال الاول هو: هل تدخل الامريكيون في الشؤون الداخلية لاوكرانيا? والجواب: نعم. ربما كان وكلاء التأثير الامريكي يفضلون التعبير عن ذلك بلغة مختلفة كأن يصفون نشاطاتهم بانها »مساعدات ديمقراطية« او »عمليات تشجيع الديمقراطية« او »اسناد المجتمع المدني« وما الى ذلك من اوصاف. الا ان فعالياتهم, مهما كان الوصف الذي يمنحونه لها, قد استهدفت احداث التغيير السياسي في اوكرانيا. ومن بين الذين عملوا لتحقيق هذه الغاية الوكالة الامريكية الدولية, والمنحة الوطنية للديمقراطية ومؤسسات امريكية اخرى تولت رعاية منظمات مثل دار الحرية, والمعهد الجمهوري الدولي, والمعهد الديمقراطي الوطني, ومركز التضامن, ومؤسسة اوراسيا, ومنظمة انترفيوز وغيرها. وقد قدمت جميع هذه الجهات منحا وهبات مالية ومساعدات تقنية للمدنيين الاوكرانيين. كما قامت بالشيء نفسه مؤسسة النهضة الدولية التي يمولها الملياردير سوروس اضافة الى جهات تابعة للاتحاد الاوروبي والدول الاوروبية المنفردة. \r\n \r\n في فترة الاعداد للانتخابات الرئاسية في اوكرانيا, قامت هذه المؤسسات الامريكية والاوروبية بتركيز مواردها على ايجاد الشروط اللازمة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة. وقدمت المنظمات الغربية التدريب والمساعدات المباشرة للجنة الناخبين الاوكرانيين وهي المنظمة التي تتميز بمكانتها كجهة عليا للاشراف على الانتخابات. كما قدم الممولون الغربيون مساعداتهم المالية والتقنية للصحافة الاوكرانية المستقلة. وقدمت مؤسسة دار الحرية ومعها مجموعة من المنظمات الغربية الاموال والدعم لتحالف حرية الاختيار في اوكرانيا وتنظيم »زنايو« اللذين يضمان بين صفوفهما كبار رموز حركة »بورا« الطلابية. كما عملت هذه المنظمات الامريكية من خلال المؤتمرات التي عقدتها والمطبوعات التي اصدرتها على دعم حركة تدفق المعلومات وادامة الاتصالات بين الديمقراطيين الاوكرانيين ونظرائهم في كل من سلوفاكيا وكرواتيا ورومانيا وصربيا. \r\n \r\n وقد تولت منظمة الامن والتعاون في اوروبا التنسيق مع عدد من المنظمات الاوروبية والامريكية والكندية بهدف تشكيل مجهود دولي ضخم لمراقبة عملية الانتخاب. رسميا, كانت هذه المساعدات حرة ولم توجه لاسناد حزب ما لان الهدف المعلن لها ان المساعدة في اسناد العملية الانتخابية. الا ان معظم هذه المؤسسات والمنظمات كانت تعتقد ان اجراء انتخابات حرة ونزيهة يعني فوز فيكتور يوشنكو, مرشح المعارضة. وكانت محقة في ذلك. \r\n \r\n ولكن اذا كان السؤال هو: هل مولت الحكومة الامريكية وعلى نحو مباشر حملة يوشنكو? فان الجواب, حسب علمي, هو: كلا. لكن هذا لا ينفي ان كلا من المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الديمقراطي الوطني نظما برامج تدريب للاحزاب السياسية الاوكرانية وان بعض تلك الاحزاب التحق فيما بعد بالائتلاف الذي ترأسه يوشنكو. وفي الوقت الذي شدد فيه السفراء الامريكيون الذين خدموا في اوكرانيا على عدم امكانية تقديم الاموال الحكومية الامريكية لاي من المرشحين لانتخابات الرئاسة الاوكرانية, فان الاموال الامريكية الخاصة والخبرات الامريكية وغير الامريكية ساهمت مساهمة مباشرة في حملة يوشنكو. ويرى البعض ان المسؤولين الاوكرانيين سيحاولون فرض المزيد من القيود على الاموال والموارد المتدفقة الى الحملات الانتخابية من خارج اوكرانيا. لكن هذا النوع من التنظيم الخصوصي مدفوع الاجر للحملات الانتخابية اصبح شائعا في مختلف انحاء العالم, ولم يعد الامريكيون الطرف الوحيد الذي يسيطر على اسواقه. \r\n \r\n نأتي الان الى السؤال الثالث وهو: هل كانت الاموال الامريكية هي التي احدثت الثورة البرتقالية? والجواب هو: كلا, ابدا. فقد عمل مزيج من فساد وضعف النظام السابق وحسن تنظيم المعارضة واتحاد صفوفها على احداث هذه الثغرة الديمقراطية في اوكرانيا. فالغرب لم يوجد الحركة الديمقراطية الاوكرانية ولم تكن له السيطرة عليها, لكنه دعمها ودعم اهدافها. فلو لم تكن الظروف المحلية ناضجة, لما وقع هذا الحدث مهما بلغت براعة المساعدة التقنية ومهما كان حجم المبالغ المستثمرة. \r\n \r\n اما السؤال التالي فهو: هل تنفذ جماعات المساعدة الامريكية للديمقراطية ارادة ادارة بوش? والجواب هو: في واقع الامر, كلا. اذ لا يوجد هناك مسؤول كبير في البيت الابيض يتولى رسم خطط المنحة الوطنية للديمقراطية او دار الحرية. وفي الوقت الذي غالبا ما يشترك فيه صناع السياسة الامريكية بالفكر والموقف مع برامج المساعدات الديمقراطية الامريكية, فانهم لا يتدخلون في الخطط التي تضعها المؤسسات المسؤولة عن تقديم تلك المساعدات. بل يحدث احيانا ان يتصادم الطرفان. وقد شهدت واحدة من تلك الحالات عندما كنت ممثلا للمعهد الديمقراطي الوطني الامريكي في موسكو في اواخر ايام الاتحاد السوفيتي. فقد كان صناع السياسة الامريكيون يدعمون ميخائيل غورباتشيف في حين كنا »نحن« مع مجموعة »روسيا الديمقراطية« التي مثلت خصم غورباتشيف. والشيء نفسه يحصل اليوم في دول كثيرة. \r\n \r\n والسؤال الاخير: هل ينتهك هذا النوع من التدخل الاعراف الدولية? والحواب: ليس بعد اليوم. فقد كان هناك زمن كان فيه الدفاع عن سيادة الدولة فكرة تقدمية عندما كان قيام الدول الوطنية يساهم في تقويض الامبراطوريات. اما اليوم فان الذين يضعون سيادة الدولة فوق كل اعتبار انما يقومون بذلك للمحافظة على الحكم الفردي, في حين اصبح المدافعون عن سيادة الشعب هم التقدميون الحقيقيون. وفي اوكرانيا بالذات, فان اللاعبين الخارجيين الذين ساعدوا في اسماع صوت الشعب لم ينتهكوا سيادة الشعب الاوكراني, بل دافعوا عنها.0 \r\n \r\n * استاذ العلوم السياسية في جامعة ستانفورد وممثل المعهد الديمقراطي الوطني: احد منظمات مساعدة الديمقراطية \r\n \r\n عن الواشنطن بوست \r\n \r\n