وكانت هشاشة الاقتصادات العالمية، وقابليتها لمثل هذه الهزات، قد اختبرت مرتين، إحداهما في عام 1914، والثانية في عام 1929. وربما تتكرر هذه التجربة ثانية، سواء في الحالة الصينية، أم في المستقبل القريب المنظور. كان قد قيل في عام 1914، إن تشابك حلقات الاقتصاد العالمي، واعتمادها على بعضها البعض، قد جعلا من نشوب حرب كبيرة واسعة النطاق، أمرا مستحيلا. ولكن سرعان ما اكتشف الناس، أن تلك المعلومة كانت مضللة وبعيدة كل البعد عن الصواب. ذلك أن عيونهم قد انفتحت على النقيض تماما، أي على أن عولمة الاقتصاد، وتشابك حلقاته، لا يمنعان نشوب الحرب الواسعة مطلقا. فما أن تحين اللحظة المناسبة، حتى يسهم هذا النظام الاقتصادي العالمي، في نشر الفوضى، وليس السلام بين الدول والأمم. \r\n \r\n تأكيدا لهذه الحقيقة، انظر إلى الحالة الصينية، على الرغم من أن تشابك الاقتصاد العالمي اليوم، قد بلغ مدى لم يصله من قبل. وكانت سياسة رفع القيود والضوابط عن حركة وتدفق رؤوس الأموال، قد بدأت خلال عقد التسعينيات، باعتبارها استراتيجية أميركية، تهدف إلى توسيع رقعة استثمارات وأرباح \"وول ستريت\" في المقام الأول. غير أنها أفضت في النهاية، إلى عولمة المخاطر الاقتصادية. وكانت الفكرة قد تسربت من \"وول ستريت\"، إلى أروقة إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون. ولم تكن الفكرة لتعني أكثر من فتح الاقتصادات الوطنية والقومية، أمام البنوك وبيوتات الاستثمار الأميركية، بغية تحقيق المزيد من الأرباح ومراكمة الأموال. حينها لم تفكر سوى فئة قليلة من المحللين، في التأثيرات والتداعيات، التي يمكن أن تخلفها العولمة الاقتصادية، على الاقتصادات غير المتطورة ونظمها المالية التابعة لها. وكانت تلك التداعيات، قد تضمنت إلحاق الدمار الاجتماعي والسياسي بتلك الدول واقتصاداتها، بقدر ما تحفز النمو الاقتصادي، في الكثير من تلك الدول في ذات الوقت. ولكن الذي حدث هو تجاهل المخاطر التي ينطوي عليها اعتماد الاقتصادات العالمية على بعضها البعض، في بادئ الأمر. وقد كان ذلك خطأ فادحا، فيما تكشف لاحقا. \r\n \r\n وربما لم تتضح هذه التأثيرات بعد. إلا أن احتمالات حدوث أزمة اقتصادية متعددة ومركبة، باتت واضحة ومعلومة الآن. أولى مظاهر هذه الأزمة، اعتماد اقتصاد الولاياتالمتحدة على الاقتصادات الآسيوية، وبخاصة اقتصادي الصين واليابان، في شراء ديون القطاعين الخاص والحكومي الأميركيين. وفي وسع حدوث انقطاع في استثمار هذه الديون، أن يلحق دمارا واسع النطاق والأضرار، بالاقتصاد الأميركي بمجمله. غير أنه ليس من المرجح حدوث انقطاع كهذا، طالما ظلت الاقتصادات الآسيوية نفسها، حبيسة المعضلة. فالانسحاب أو التراجع عن استثمار الدولار، سيؤدي حتما للتسريع بتدهور قيمة الدولار، وتراجع سعره في البورصة العالمية. يعني هذا، أن تراجع قيمة الدولار، سيؤدي بدوره، إلى تراجع قيمة الاستثمارات الآسيوية نفسها، بذات السرعة والإيقاع. \r\n \r\n في الأسبوع الماضي، كان لمجرد سريان شائعة حول احتمال أن تخفض الصين استثماراتها في الدولار، انعكاساته السلبية على البورصة العالمية، لبضع ساعات. دع تلك الشائعة جانبا، ولكن تبقى الحقيقية، أن استثمارات الصين في العملات الصعبة ماضية في ازدياد، إلا أن الشيء نفسه لا ينطبق على الدولار. الأمر الثاني أن الاقتصاد الصيني، يعتمد بدرجة كبيرة، على مواصلة هجرة الإنتاج الغربي –سيما الشركات المنتجة الأميركية- إلى أراضيها، على الرغم من أن الصين تعد الدولة الآسيوية الأقل حظوة في هذا الاتجاه العالمي الجديد. ولا تزال الاستثمارات الخارجية الصينية، تعتمد إلى حد كبير على العمالة الصينية خارج الحدود، ولهذه العمالة مصلحة في ألا تغادر استثماراتها ورؤوس أموالها حدود الأراضي الصينية. وتتسم الصناعات الصينية والشركات العاملة في المجال معا، بالكثير من المرونة، فضلا عن ضخامة ووفرة وتنوع القوة العاملة الصينية، وانخفاض أسعارها. ويعني كل هذا، أنه ما من دولة صناعية، تستطيع التفوق على الصين في هذه الناحية. \r\n \r\n أما العامل الثالث في تفسير احتمال حدوث الهزة الاقتصادية العالمية، فيتمثل فيما قامت به الصين، من عولمة لموادها الخام ولموارد مشترياتها. ولا تعني البعثات الاقتصادية التجارية التي أرسلتها الصين مؤخرا، للعديد من دول أميركا اللاتينية، وإفريقيا وأستراليا، بغية الحصول على صادرات المواد الخام الصناعية من الدول المذكورة، سوى أمر واحد، هو أن حدوث أي هزة في الاقتصاد الصيني، سوف تؤدي لحدوث هزة واسعة النطاق، تكون لها تأثيراتها على قسم كبير ومؤثر، من الاقتصاد العالمي برمته. \r\n \r\n وبعد فإن السؤال الذي لم تتم الإجابة عليه هو: هل يرجح من حيث الأصل، احتمال حدوث أزمة اقتصادية عالمية؟ إن المؤكد هو وجود ما يسمى ب \"عقلية الفقاعة الاقتصادية\" في سلوك العالم الخارجي، إزاء الصين. فقد تحول نمو الاقتصاد الصيني الملحوظ، وأهمية الصين التجارية المتزايدة، إلى مصدر إلهام للكثير من المحللين الماليين والاقتصاديين العالميين، على رغم الحقيقة المعروفة التي لا مراء فيها، في أن الجزء الأعظم من النمو الإحصائي الذي حققه الاقتصاد الصيني خلال العقود الماضية، يعود بالدرجة الأولى إلى المضاربة في مجال الاستثمارات العقارية. \r\n \r\n وبهذه المناسبة، فربما ترمز المباني والعمارات الصينية النامية اليوم، في جميع المدن الصينية، إلى بنايات ولاية فلوريدا في عشرينيات القرن الماضي، أو إلى مباني مدينة كوستا ديل سولو الإسبانية في عقد السبعينيات. أعني هنا المكاتب والشقق السكنية والفنادق التي لم تشطب تشطيبا نهائيا، المفتوحة مباشرة على الهواء الطلق، وميادين الجولف التي لم تكتمل بعد، التي لا تزال في انتظار كرات ضائعة، ولاعبين ضلوا طريقهم إليها. دعك عن الإغراق في الوصف والتفاصيل، وامسك بحداثة هذه المباني وبكورتها وجدتها التي لم تخدشها أقدام البشر بعد. \r\n \r\n بيد أن الصين دولة لم تعرف الاستقرار السياسي منذ عام 1834 وحتى لحظة وفاة زعيمها الشيوعي ماو تسي تونج، وهي حالة تواصلت إلى اليوم، زهاء نصف قرن كامل من الزمان. أما النظام الشيوعي الحاكم، فيفتقر إلى الآيديولوجية والشرعية، وما من شيء يستند اليه، سوى سطوة الجهاز البيروقراطي. وفي الصين تهب رياح التغيير السياسي والاقتصادي من كل جانب، بما لا يدع مجالا للشك، في أن شيئا ما سيحدث يوما. وفيما لو جاء هذا اليوم، فسوف تزلزل الهزة الصينية، أركان الاقتصاد العالمي بأسره، وتسمع أصداؤها في قاراته جميعا. \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n \r\n