خطاب الجماعات المتطرفة كتنظيم «القاعدة» يجعلك تتساءل عما اذا كان هنتينغتون ومؤيدوه على حق فهناك امثلة كثيرة من الوعاظ المسلمين الذين يقولون بأنه لا يمكن ان تكون هناك مصالحة بين «عالم الاسلام» و«عالم الكفر» وبالفعل ينتقي المتطرفون المسلمون نصوصا من القرآن الكريم والسُنة لتبرير ارتكابهم جرائم ضد غير المسلمين‚ لكن هناك ايضا وعاظ كراهية ليسوا معروفين على نطاق واسع فعلى سبيل المثال الولاياتالمتحدة لديها نصيبها من «رجال الدين» الذين يزعمون ان المسلمين اشرار وانه لا مكان للاخلاق في حرب ضد عدو شرير ويزعم وعاظ الكراهية المسيحيون بأنهم في معمعات حرب وجود بين الخير والشر ولذلك فان العنف الذي مارس ضد غير المسيحيين واجب ديني يميله الانجيل‚ \r\n \r\n على مدى القرون قاتل المسيحيون والمسلمون ضد بعضهم البعض في جبهات عديدة ولكنهم تعاونوا ايضا وتعايشوا في جبهات اخرى لا تحصى‚ ونحن لسنا امام صدام حضارات حيث الهويات الدينية والاثنية تقرر خطوط المواجهة وانما نحن امام صدام اقلية من الاصوليين الذين يستغل اتباعهم المخاوف والاحباطات الناجمة عن النزاعات السياسية الحقيقية لتعذية وتبرير اجنداتهم الايديولوجية الخاصة‚ \r\n \r\n ان التعاون والتعايش بين الحضارات ليس ممكنا فقط وانما هو القانون الذي ساد تاريخيا فقد عاشت اقليات مسيحية ويهودية كبيرة وازدهرت ولعبت ادوارا حاسمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في اماكن مثل بغداد ودمشق واستنبول وكان المسلمون والمسيحيون واليهود يتعايشون معا طوال قرون في البوسنة واسبانيا وعاش المسلمون والمسيحيون والبوذيون معا بسلام في جنوب شرق آسيا كما يفعلون عموما في الوقت الحاضر في جميع انحاء العالم كما ان مختلف اشكال الفن والطعام واللغات والموسيقى والمؤسسات لأي «حضارة» كثيرا ما تحمل آثارا مباشرة من حضارات اخرى‚ \r\n \r\n وتتجلى هذه الحقيقة بمدى ما وصلت اليه التجارة والمبادلات التجارية الدولية في العصر الحالي والتي تثبت انه برغم الخلافات والنزاعات ما زال الناس من مختلف الحضارات يبنون علاقات سلمية وتعاونية ربحية متبادلة‚ \r\n \r\n الجهود المبذولة لتشجيع الفوائد الناجمة عن حوار الحضارات تجاوزت منذ زمن بعيد مجرد اشباع حاجات العيش الاساسية والمخاوف المادية فقبل 11 سبتمبر اعلنت الاممالمتحدة عام 2001 ليكون عام الحوار بين الحضارات‚ وفي مايو 2001 تجمع 1350 مندوبا عن اكثر من الف منظمة مجتمع مدني من اكثر من مائة دولة لتطوير تصور مشترك حول التعايش‚ \r\n \r\n وحتى في ظل استمرار صرخات وعاظ الكراهية التي تحظى بالكثير من التغطية الاعلامية ما زالت المنظمات والمبادرات العابرة للأديان تجمع معا اناسا مختلفين لمناقشة السبل التي تساعد على تخفيف معاناة المحرومين وبناء مجتمعات مسالمة وفك النزاعات فعلى سبيل المثال «المؤتمر العالمي للأديان من اجل السلام» يجتمع بانتظام لتجميع الموارد وتطوير قدرة الزعماء الدينيين على معالجة المخاوف الانسانية المشتركة‚ \r\n \r\n بعد هجمات 11 سبتمبر شكل مسيحيون اميركيون دروعا بشرية حول مساجد في اميركا لحمايتها وبعضهم ارتدى اغطية رأس تضامنا مع المسلمين الاميركيين المحافظين‚ كما ان المسلمين العراقيين ادانوا المتطرفين الذين هاجموا مؤخرا الكنائس المسيحية وتعهدوا بحماية هذا الجزء الحيوي الفريد من مجتمعهم وهناك نشطاء فلسطينيون واسرائيليون يعملون معا لحماية حقوق الانسان لجميع من يعيشون في الأراضي المقدسة‚ \r\n \r\n معظم الاميركيين على علم وادراك بانخراط المسيحيين واليهود في منظمات غير عنفية في اميركا‚ ولكن ربما سيصاب الكثيرون بالدهشة عندما يعلمون ان المسلمين نشطاء ومشاركون فاعلون في حركات مقاومة مدنية غير عنفية مع البوذيين في تايلاند والهندوس في الهند والسود في جنوب افريقيا ومع الديانات الاخرى في اندونيسيا وبلدان جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا‚ \r\n \r\n هناك انقسام فعلي متزايد في العالم ولكنه ليس ابديا او غير قابل لتقصي جذوره ولا هو من وحي الهي وانما هو من نتاج المصابين بعقدة الخوف من الاجنبي واستنادا الى مخاوف وتهديدات وجودية في عالم سريع التغير‚ \r\n \r\n واما اصحاب نظريات التكهن بالصدام فانهم ينسجمون مع عزلتهم الاساسية من خلال جعلهم «الآخر» محط كل الاشياء الخاطئة‚ ولذلك رغم وجود الاختلافات في القيم والمنظورات ووجهات النظر حول العديد من القضايا الا ان ذلك لم يزل من الوجود الرغبات والاحتياجات والقيم الانسانية المشتركة لمجتمعنا الانساني ولا يعني ان الخلافات السياسية الحالية خارج نطاق القدرة البشرية لحلها‚ \r\n \r\n ان الحوار والاتصال بهدف التفاهم من بين الخطوات الاولى نحو السلام وهذه الجهود تعتبر حاسمة لتجسير الهوة بين الثقافات فعندما يوجد النزاع يكون من السهل ان نتجاهل السلوك المسيحي الديني القائل «ادر خدك الآخر» وتجاهل السلوك الاسلامي الديني «ادفع السيئة بالحسنة» او السلوك اليهودي الديني «احب جارك كما تحب نفسك» ولكن معظم الناس يواصلون العيش وفقا لهذه القواعد ويدركون قيمة مواصلة حوار الحضارات‚ \r\n \r\n ان الحوار والتعاون يحدث برغم الخلافات بين الشعوب ولعبة شد الحبل الناجمة عن عقدة الخوف من الاجنبي او الاصولية‚ وفي ظل هذا الزمن الحافل بانعدام متزايد للأمن يجب علينا ان نضاعف جهودنا في الاستماع لما يقوله الجانب الآخر حقيقة ولكي نفهم حقيقة ماذا يقصده الجانب الآخر بكلامه فنحن بحاجة الى مواصلة بناء نسيج المجتمع المدني العالمي من اجل زيادة الفرص لاقامة علاقات من الثقة والحوار القائم على الاحترام المتبادل ونحتاج لدفع المزيد من الجمهور لكي يتعرف على «الآخر» ونتعلم عن بعضنا البعض الاختلافات والتماثلات على اساس مباشر‚ \r\n \r\n فمن خلال المزيد من الحوار والفهم سوف نقوي ونطور العلاقات التي تتيح اتصالات مفتوحة وهذه الحوارات والاتصالات يمكن ان تقلل من الفرص التي تستغلها مخاوفنا وتجعل الخلافات البائسة تقودنا الى العنف او النزاع وهنا يكمن الامن الحقيقي‚ \r\n