فبعد أن تحرروا من عبء نمط الحكم الذي كان يمثله عرفات، والذي كان يضع كل واحد منهم في موضع المواجهة مع الآخر، يقوم المسؤولون الفلسطينيون الآن بشق طريقهم بحرص نحو التعاون. \r\n \r\n بيد أن ذلك الأمر برمته معرض للانهيار في أية لحظة. والسبب يرجع إلى أن الفلسطينيين ينقسمون إلى فئتين: فمن جانب هناك أعضاء الحرس القديم الذين جاءوا مع ياسر عرفات من تونس، المصممون على حماية أوضاعهم وامتيازاتهم. وفي الجانب الآخر، هناك أعضاء الحرس الجديد أو الشاب بقيادة مروان البرغوثي ، والمصممون هم أيضاً على الحصول على نصيبهم في السلطة التي حرمهم منها عرفات ردحاً طويلا من الزمن. \r\n \r\n وقد انضم للفريق الثاني عدد من الفئات التي تناور من أجل الحصول على نصيب من التركة وهي: قادة كتائب شهداء الأقصى، وأمراء الحرب في غزة وزعماء تسع منظمات أمنية منفصلة كان يحتفظ بها السيد عرفات، بالإضافة لمنظمة \"حماس\" التي لحق بها الضعف بعد قيام إسرائيل باغتيال قياداتها وكوادرها المقاتلة، والتي تراقب الفرصة السانحة باهتمام، كي تحول شعبيتها في الشارع الفلسطيني إلى سلطة سياسية على الرغم من أنها قد أعلنت بصفة رسمية مقاطعتها للانتخابات التي ستجري في شهر يناير المقبل لانتخاب رئيس جديد للسلطة الفلسطينية بعد رحيل عرفات. \r\n \r\n وبعد قبولهم بآلية الانتخابات الديمقراطية باعتبارها الطريق الوحيد إلى السلطة، بدأ الفرقاء الفلسطينيون المتنافسون يركزون طاقاتهم لتحقيق أهدافهم. فأعضاء الحرس الجديد يستخدمون ورقة ترشيح زعيمهم مروان البرغوثي، كتهديد قد يستطيعون من خلاله انتزاع تعهدات من الحرس القديم بالحصول على مناصب في مجلس الوزراء وفي منظمة \"فتح\". \r\n \r\n وتبني الأدوات الديمقراطية سيساعد محمود عباس على إعادة إرساء النظام، ووضع نهاية للهجمات الإرهابية خلال الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية التي ستجري في التاسع من يناير. \r\n \r\n ويمكن لعباس تحقيق ذلك عن طريق إقناع كتائب شهداء الأقصى، التي كانت تتلقى تمويلا من عرفات ومن \"حزب الله\"، بالتعاون معه بغرض الحصول على فترة هدوء يمكن له أثناءها تعزيز شرعيته وإعادة بناء قوات الأمن. وعباس يعرض على هذه الجماعة صفقة يقول لها فيها: عليكم التخلي عن أسلحتهم وسأعطيكم وظائف في قوات الأمن، وبذلك تحصلون على رواتب، وعلى حصانة من الهجمات الإسرائيلية. وليست هذه الصفقة هي الوحيدة التي في جعبة أبو مازن بل إنه يقدم أيضاً صفقة شبيهة لمنظمة \"حماس\". \r\n \r\n ومما يعزز من مناخ التفاؤل الحالي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون والمؤسسة العسكرية يبدوان راغبين في مواصلة عملية السلام. وهو ما يتناقض مع الموقف الذي تبنياه عندما تشككا في جدوى الجهود التي بذلها أبو مازن عندما تولى منصب رئيس الوزراء الفلسطيني لفترة قصيرة من قبل. فالجيش الإسرائيلي قام بالحد من أنشطته ضد الفلسطينيين خلال الثلاثة أسابيع الماضية، في نفس الوقت الذي قام فيه شارون من جانبه بتخفيف المطالب التي كان قد قدمها بشأن الملف الأمني، حيث أخبر أعضاء اللجنة المركزية لحزب \"الليكود\" الذي يرأسه، أنهم يجب ألا يتوقعوا أن يقوم السيد عباس بتفكيك البنية التحتية للتنظيمات الفلسطينية المقاتلة على الفور. \r\n \r\n وبدلا من ذلك، قام شارون بحث القيادة الفلسطينية على وقف التحريض ضد إسرائيل في وسائل الإعلام والنظام التعليمي الفلسطيني، وهو ما استجاب له السيد عباس الذي قام بالفعل باتخاذ خطوات في هذا الاتجاه. \r\n \r\n باختصار، يمكن القول إن المزاج النفسي يتحسن الآن في \"رام الله\" والقدس بعد أربع سنوات من الصراع الدامي، وهو ما يمثل تحولا يجب أن يدفع الإدارة الأميركية لدعم خطوات شارون بدلا من القيام بتحركات غير محسوبة من جانبها، مثل الزيارة المتعجلة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة. \r\n \r\n فاندفاع \"باول\" لاحتضان القيادة الفلسطينية الجديدة في الوقت الراهن، وخلال الأيام الأخيرة له في وزارة الخارجية الأميركية، أثار علامات الاستغراب والتساؤل في \"رام الله\"، خصوصا وأنه كان قد تغيب تماماً عن المسرح عندما كان تدخله مطلوباً بشدة، خلال الفترة التي أعقبت اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. \r\n \r\n وعلاوة على ذلك فإن ظهور \"باول\" في \"رام الله\"، معناه أن أي رجل دولة لديه الرغبة في لعب دور في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيحذو حذوه. وهو ما نراه حالياً من خلال توافد وزراء الخارجية الأوروبيين الواحد تلو الآخر على الضفة الغربية. \r\n \r\n بالإضافة إلى ذلك تحتاج إدارة بوش إلى قيادة جهد دولي للمساعدة في إعادة بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية، خصوصاً بعد أن حل أمراء الحرب الفلسطينيون محل المؤسسات الأمنية خصوصاً في قطاع غزة. \r\n \r\n ويأتي بعد ذلك الجهد الخاص بتحقيق التزامن بين تنفيذ خريطة الطريق، وبين فك الارتباط بين الإسرائيليين وغزة، وبين الانتخابات الفلسطينية. \r\n \r\n والحقيقة أن عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين عملية معقدة، كما أنها عملية ما زالت معرضه في أي وقت لاستئناف العمليات التخريبية من جانب \"الإرهابيين\"، ومن يقومون بدعمهم. \r\n \r\n بيد أن الأمر المؤكد في جميع الأحوال هو أن تحقيق السلام بين الجانبين لم يعد أمراً ميئوساً منه. فكل المطلوب هو أن تقوم إدارة بوش بالتخلي عن تشككها وحرصها الذين وسما فترة ولايتها الأولى، وأن تقوم بدلا من ذلك- وفي فترة ولايتها الثانية بجهد مستمر لتحقيق رؤية بوش الخاصة بوجود دولتين فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب في أمان وسلام. \r\n \r\n \r\n مارتين إنديك \r\n \r\n سفير الولاياتالمتحدة السابق لدى إسرائيل خلال الفترة 1995- 97 و2000- 2001 \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"