\r\n كان قدر باول بعد حرب العراق ان يوصف من قبل منتقدي الإدارة بانه ضحية‚ ولكنه كان يشكل قوة حيوية في وجه «المحافظين الجدد» والدور الذي وضع فيه مع مدير وكالة المخابرات المركزية جورج تينيت باعتباره الطرف المهزوم الذي قاوم الاستخبارات المسيسة‚ فالمفارقة العجيبة ان باول وخلفه تينيت هو الذي وقف أمام مجلس الأمن الدولي في عام 2003 لتبرير الحرب على العراق على مرأى ومسمع عالم يشكك بتلك التبريرات‚ \r\n \r\n بالنسبة للشرق الأوسط خسر باول ببساطة لانه يفتقر إلى الافكار وهذا لا يعني ان المحافظين الجدد كانت لديهم افكار أفضل دائما‚ ولكن في ظل الفراغ الذي تركه باول وجدوا مجالا واسعا لهم‚ كما سنحت لهم الفرصة بعد 11 سبتمبر لتقديم فكرة إحداث تغيير في المنطقة‚ وأما باول رغم مكانته الراقية الا انه كبيروقراطي جامد لم يقترح اي شيء على الاطلاق‚ وهذا وحده ضمن لاحقا اجباره على السير في طريق كان يفضل تجنب السير فيه‚ \r\n \r\n سواء كانت المسألة تتعلق بالقضية الفلسطينية أو العراقية كان باول فريسة سهلة أمام خصومه‚ فحول المشكلة الفلسطينية قام باول بزيارة عرفات‚ ولكنه لم يقدم رؤية قوية للرئيس جورج بوش للتدخل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني حتى بعد طرح خطة خريطة الطريق‚ ودفاعا عن باول نقول انه كان يعرف ان فرص النجاح كانت معدومة‚ ولكن هذا وحده يؤكد كيف تم شل فاعليته بمزيج من السذاجة البيروقراطية والعجز عن اقناع بوش بأهمية قيادته السياسة الخارجية الأميركية في قضية أدى التخلي عنها إلى تدمير مصداقية أميركا‚ \r\n \r\n حول العراق ما زالت هناك العديد من التعليقات التي ستكتب عن افعال باول‚ ولكن أبرزها يتمثل في محاولته لدى توليه منصبه تطبيق السياسة التي كان ينادي بها دائما بالدعوة إلى فرض «عقوبات ذكية» ضد بغداد‚ وعندما رفضت حتى من قبل محاوريه العرب مثل الرئيس السوري بشار الأسد لم يتمكن باول من الأخذ بثأره‚ وهذا كلفه في واشنطن الكثير‚ وكان ذلك أحد الأسباب التي جعلت كلمته حول العراق لاحقا مثار شك‚ \r\n \r\n هكذا خلا المسرح لدخول شخصية نكرة ذات امتيازات رفيعة هي مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس التي خلفت باول في وزارة الخارجية‚ \r\n \r\n من السهل رؤية السبب الذي اوصل رايس إلى القمة‚ فهي تتبع القانون الذي لا يخطئ بالعيش كمرؤوسة وتحديدا بتبني أفكار رئيسها‚ كما لو انها افكارها هي‚ ولكن بنفس القياس من السهل توقع الضرر الذي سيلحق بوزارة الخارجية نتيجة لتعيينها وزيرة‚ \r\n \r\n لم يتم التركيز على حقيقة ان رايس كانت مستشارة للأمن القومي تافهة لانها فشلت في تنظيم بيروقراطية السياسة الخارجية لتحقيق الاجماع حول القضايا الرئيسية‚ وتجلى ذلك مثلا باستراتيجية الأمن القومي المعلنة في سبتمبر 2002 التي حددت الخطوط العريضة لكل من سياسة الضربة الاستباقية أحادية الجانب على أساس التفوق العسكري الأميركي وإعادة صياغة اسس التعددية الدولية‚ وهي دائما تكره ان تهدد علاقتها مع بوش‚ فقد كانت دائما تلعب في الجانب المأمون واعطاء شيء لكل من حولها‚ فهي واقعية في يوم ومحافظة جديدة في اليوم التالي فهي مستعدة لان تكون اي شيء تريدها ان تكون‚ \r\n \r\n هذا السلوك هو الارجح الذي ستسلكه رايس‚ فرغم وجود تشابه بين رايس وكيسنجر‚ مستشار أمن قومي سابق ووزير خارجية مرموق‚ لكن التشابه ينتهي عند هذا الحد‚ فكيسنجر كان صاحب اجندة مستقلة في حين ان رايس اصبحت مرآة للسياسة الخارجية الخاصة ببوش بكل تناقضاتها ومثالبها‚ \r\n \r\n صحيح انها علمت الرئيس واضافت مسحة راقية على اسلوب حياته وافكاره البسيطة ولكنها بعد ذلك اصبحت تتبع ارشاداته‚ فاذا استمر هذا النمط فسوف تنتهي رايس إلى مصير اسوأ بكثير من مصير باول الذي كانت لديه الخبرة وحاول ان يتخذ مواقف وسطية‚ \r\n \r\n في هذه المرحلة تحتاج وزارة الخارجية الأميركية لان تولد افكارا جديدة لتواكب الوجود الأميركي في الشرق الأوسط‚ فباول لم تكن لديه أية أفكار على الاطلاق‚ ولكن رايس ليس لديها أفكار ايضا وتصريحات بوش الأخيرة حول الدولة الفلسطينية أخرت عمليا تلك الحقيقة إلى أجل غير مسمى (حتى عندما قال الرئيس ان موعدا نهائيا بعد اربع سنوات ربما كان ممكنا) وهذه التصريحات ربما تكون كتبت من قبل مساعد رايس‚ إليوت ابرامز‚ \r\n \r\n إذا كان لرايس ان تصبح شيئا أكثر من مجرد شخص غبي يحتل منصبا رفيعا فينبغي عليها ان تعتمد على سلطة منصبها حتى لو كان ذلك يسبب ازعاجا لبوش‚ وفي الشرق الأوسط هذا سيعني اتخاذ موقف واضح حول استعمال القوة الأميركية‚ ولكن ايضا حول مرغوبية فتح المنطقة أمام الانظمة التعددية‚ وعلى عكس باول‚ تنازلت رايس سلفا لصالح المحافظين الجدد وبالتالي فهي غير مترددة في استعمال القوة ولكنها عادت ايضا إلى غريزتها الواقعية بالابتعاد عن الاضواء بخصوص موضوع دمقرطة الشرق الأوسط‚ \r\n \r\n حول المشكلة الفلسطينية تتحدث رايس عن التوقعات القائلة ان إدارة بوش سوف تواصل عملية السلام‚ ولكن هذا القول هراء‚ فباستثناء مروان البرغوثي غير المجرب ليس هناك شريك فلسطيني له مصداقية‚ والحكومة الإسرائيلية غير مهتمة في التوصل إلى تسوية وإدارة بوش النائية لا يوجد لديها اي حافز لأن تبدأ يوما جديدا بفشل محتم‚ ولن تقوم رايس بدفع القضية ومن يستطيع ان يلومها؟ ولكن يجب عليها ان تذكر بوش بما تمليه خطته «خريطة الطريق» بخصوص المستوطنات الإسرائيلية وتحذره بصراحة من ان اي تأخير ستكون نتيجته خطرا على إسرائيل بقدر ما هو خطر على الفلسطينيين لان ديمغرافية النزاع لا تتسامح‚ \r\n \r\n لا تراهنوا كثيرا على رايس في إحداث أي تغيير‚ فهي تاجرة تقليدية وتتمتع بمؤهلات جيدة وتكره بشكل فاقع اي مساس بسلطاتها الشخصية‚ وهذا يعني بأنها ليست ملتزمة باي شيء‚ وامرأة لا تتمتع بأية مبادئ من المرجح انها ستكون وزيرة خارجية بلا تأثير‚ \r\n \r\n ويقال ان اعادة احياء وتنشيط مسيرة السلام في الشرق الأوسط بشكل يؤدي في النهاية إلى اقامة دولة فلسطينية سيكون على رأس أولويات رايس‚ وقد ابلغت بعض اصدقائها انها تتعاطف مع محنة الفلسطينيين وستعمل دون كلل أو ملل من أجل ايجاد تسوية ديمقراطية‚ \r\n \r\n وتعتقد رايس ان وفاة عرفات وفرت فرصة فريدة من نوعها لدفع المنطقة نحو السلام وهي مصممة على فعل شيء ما يتذكرها الناس من خلاله‚ \r\n \r\n ويقول كويت بلاكر مدير معهد ستانفورد للدراسات الدولية الذي يعد صديقا لرايس منذ 25 عاما «انها ستركز جهودها على ذلك النزاع كما يركز الضوء في أشعة الليزر‚ ليس هناك توقيت افضل من التوقيت الحالي‚ اعرف من خلال حديثي معها انها تشعر ان الفرصة المتاحة حاليا هي فرصة حياتها‚ وقد لا تتكرر مرة أخرى»‚ \r\n \r\n نمط رايس الدبلوماسي سيكون مختلفا للغاية عن دبلوماسية باول‚ انها تعتقد بالنمط القديم للدبلوماسية‚ فما عليها سوى ركوب الطائرة إلى العاصمة المقصودة لمقابلة نظيرها هناك ومناقشة المواضيع وجها لوجه‚ \r\n \r\n وقبل الإعلان رسميا عن ترشيحها لمنصب وزيرة الخارجية قابلت رايس ناتان شارانسكي الوزير في الحكومة الإسرائيلية الحالية وابلغته ان خلق الديمقراطية في الشرق الأوسط سيشكل حجر الزاوية في فترة رئاسة بوش الثانية‚ وقالت «لدينا الآن اربع سنوات ورجل قوي‚ اننا ملتزمون بصورة مطلقة بذلك»‚ بعدها بساعات قابل شارانسكي الرئيس بوش الذي استقبله بحفاوة بالغة‚ \r\n \r\n رايس خبيرة سابقة في الشؤون السوفياتية وكانت معلمة بوش في مجال السياسة الخارجية عندما كان يعمل حاكما لتكساس ولديه خبرة قليلة في الشؤون الدولية‚ وكمستشارة للأمن القومي كان هناك درجة من التطابق الذي لا يوصف في افكارهما إلى درجة ان اطلق عليها البعض اسم «الزوجة السياسية» لبوش‚ \r\n \r\n لقد توصل بوش ورايس إلى قناعة مفادها ان اقامة دولة فلسطينية أمر أساسي ويعد الركن الثالث في «الحرب على الإرهاب» بعد «غرس» الديمقراطية في العراق وأفغانستان‚ \r\n \r\n وصل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى البيت الأبيض هذا الشهر من أجل الترويج لهذه الفكرة ووجد الباب مفتوحا أمامه ويعود الفضل في ذلك إلى الصداقة الطويلة التي تربط بين رايس والسير ديفيد مانينغ السفير البريطاني في واشنطن‚ \r\n \r\n وكمثال على قوة الصداقة بينهما أعد مانينغ المفاجأة الخاصة بالاحتفال بعيد الميلاد الخمسين لرايس التي حضرها الرئيس بوش‚ يقول أحد المسؤولين البريطانيين معلقا على الصداقة القوية التي تجمع مانينغ ورايس لقد واجها معا تحديات كثيرة وهما قريبان للغاية من قادتهما‚ \r\n \r\n وستخوض رايس اختبارا في فن المفاوضات عندما يتم انتخاب زعيم فلسطيني جديد بدل عرفات‚ ويبدي مايكل ليدن الخبير المختص بشؤون الشرق الأوسط في «معهد المشروع الأميركي» الكثير من الشكوك حول ما إذا كان الإعلان عن نوايا البيت الأبيض كافيا لتحقيق النجاح في العثور على تسوية مقبولة من قبل جميع الأطراف ويقول «لماذا نتوقع ان تنجح في الوقت الذي تم تسجيل الفشل على مدار ال 50 عاما الماضية انهم يعتقدون ان المنطقة ستتغير»‚ \r\n \r\n ويقول ديفيد روثكوب الذي يؤرخ لمجلس الأمن القومي «لقد قالت رايس ان أمامنا فرصة تاريخية وعلينا ان نعمل من أجل الخروج بمفاهيم جديدة‚ ولكن عندما سألتها ما هي وجهة نظرها الاستراتيجية تجاه هذا الأمر لم تجب لانه لم يكن لديها رأي محدد»‚ \r\n \r\n ويقول بعض المحافظين الجدد ان باول كان يرغب في البقاء في منصبه لعدة أشهر اضافية حتى يشهد الانتخابات العراقية والانتخابات الفلسطينية‚ ولكن بوش رفض وانهى بالتالي خدمات باول‚ \r\n