\r\n فرقصوا, تعبيرا عن الفرحة الكبرى لوفاة عرفات, الذي يصفونه »بهتلر العصر الحاضر«. ان هؤلاء من غلاة العنصريين المتطرفين, لم يعودوا يمثلون انعكاسا لتلك المرآة الحزينة الضيقة, بل لاخرى اتساعا, بحيث اصبح يظهر بها الكثير من الاسرائيليين. \r\n \r\n فأثناء سنوات طويلة من الصراع, كانت صورة عرفات قد مثلت تشخيصا للعدو. وبالادراك الحسي بالنسبة للكثيرين, بدا الارهاب, الموت, والصراع, تعبيرا عن وجود أدوات تلقائية, كثمرات لرغبة شيطانية بأن تكون ظالمة, تبحث عن التسبب بالالم لضحاياها. اما الضحايا فهم الاسرائيليون. فلا وجود هناك للصدام الوطني, ولا لاحتلال الاراضي. \r\n \r\n ووقت ان انبرى وزير الخارجية الاسرائيلي شالوم, للتعليق على الخيارات الديبلوماسية فيما يخص المستقبل القريب, لم ينس, كما هي العادة, ان يكيل الشتائم للرئيس الفلسطيني, متهما اياه باصدار الاوامر بتنفيذ عمليات ارهابية لا تعد ولا تحصى, وحتى بعد توقيع اتفاقات اوسلو. ثم اضاف الوزير قائلا: »لا ننسى كذلك العمليات الانتحارية التي حدثت بعد اوسلو, حيث كان معظمها قد نفذ بناء على اوامر عرفات«. وفي الذاكرة الانتقائية لدى الكثيرين. فإن العمليات الانتحارية قد بدأ الشروع بها نتيجة خطيئة ارتكبها ارهابيون اسلاميون, مرعبون, طغاة, مشحونون بحقد اعمى. بعيدين كل البعد عن ثقافتنا الغربية والانسانية. مع انه فيما لو كان الكثير من الاسرائيليين وغير الاسرائيليين قد نسوا, فإن العملية الانتحارية الاولى التي اعقبت اوسلو, هي التي نفذها احد غلاة المتطرفين, الطبيب البشري, المستوطن, خفيف الظل بين معارفه وجيرانه, الدكتور باروخ غولدشتاين, وهو يهودي اسرائيلي, كان قد وصل الى الحرم الابراهيمي في الخليل, المكان المقدس عند اليهود كذلك, واقدم بكل فظاظة على قتل 29 فلسطينيا, قبل ان يتم القضاء عليه. \r\n \r\n ولكن عرفات مذنب في كل شيء. وهو ما يسمح لنا بغسل ضمائرنا, والتخلص من القضية الاساسية. ولكن, بدأ البعض بالقول (ومن يدري ربما اخذوا بالاستيعاب), انه, وبعيدا عن قضية عرفات, بات من الواجب النقاش بخصوص مسألة الاحتلال, والحقوق الوطنية الفلسطينية, وقضية السلام والحرب سواء بسواء, وامكانية التوصل لاتفاق. ولكن, وفي الوقت الذي تبحر فيه المعارضة الاشتراكية الديمقراطية, باتجاه الحكومة, متأملة في رؤية شارون وهو يقوم باخلاء بعض المستوطنات, كانت قد خرجت بعض الاصوات من بين صفوف اليمين, تتحدث عن تعليق الانسحاب احادي الجانب, والعمل بدلا من ذلك على فتح الباب امام مفاوضات استدراكية. \r\n \r\n لقد قررت الحكومة الاسرائيلية التصرف بحرص شديد لغاية الآن. وباتت السلطة التنفيذية والقوات المسلحة تخشى في حقيقة الامر بأن تؤدي ردود الافعال على وفاة عرفات الى حمل كثير من الفلسطينيين للسير على درب يؤدي الى انتكاسة للعنف. فإذا كان الاغلاق المفروض على الاراضي المحتلة. هو كامل على ارض الواقع. فقد جرى للمرة الاولى منذ اعوام كثيرة, تجهيز القوات المسلحة لتفريق المظاهرات دون ايقاع ضحايا, وقضت التعليمات باستعمال اقصى درجات الاعتدال. \r\n \r\n فكراهية عرفات حيا, هي متبوعة الآن بالخوف من عرفات ميتا, حيث بدا وكأنه اخذ يبعث داخل بعض الاسرائيليين, مخاوف تتجاوز القدرة الطبيعية, بما في ذلك الخبراء بالشؤون الامنية, فالعنف الذي لا يطاق, الناجم عن الاحتلال, والذي تسبب بالكثير من الالم, وادى الى سقوط ما يقارب 3 آلاف فلسطيني بالسنوات الاخيرة, يبدو الآن وقد تحول الى منبع خطر للمحتلين انفسهم. \r\n \r\n وبدأ البعض بالتفكير بذلك, والتعبير عنه: فموت عرفات لا يعني موت الصراع. كما اخذ البعض يفكر بأن قوام عرفات من شأنه ان يكون قد ضمن حلا تصالحيا مقبولا على شعبه. ويتوجب الآن على خلفائه مواجهة حقيقة اكثر تعقيدا.فشبح الحرب الاهلية الفلسطينية لم يختف لغاية الآن. وان بامكان »الامعاء« مجتمعة ان تنفجر لاسباب عديدة. وهناك ما هو اكثر من ذلك: فإن من اولويات اي قائد فلسطيني واجب الاثباب لشعبه انه لا يقل اخلاصا او وفاء للمصالح الفلسطينية, عما كان عليه ياسر عرفات. وعندما يشير بعض الاسرائيليين الى ضرورة انجاز خطوات ترمي الى توفير المزيد من الاحترام للسلطة الفلسطينية الجديدة, فإن عليهم الاخذ بعين الاعتبار الحقيقة التي تفيد بأن مثل هذه الخطوات, كان من المفترض ان تكون ايجابية في الفترة السابقة, في حين ان من الممكن ترجمتها اليوم على انها احدى طرق التحريض على التعاون مع العدو المحتل, فيما يخص القادة الفلسطينيين. \r\n \r\n ولن تكون المفاوضات اكثر سهولة, بل اصعب مما كانت عليه في الماضي. وفوق كل ذلك, يبقى هناك تساؤل مركزي: فهل الزعامة الاسرائيلية بقيادة شارون, هي راغبة حقا في التفاوض?.. نعم من الناحية الشكلية, وكلا من الناحية الفعلية. فالتفاوض, انما يعني الوصول الى حد القيام بتنازلات اقليمية, التي ما زال اليمين الاسرائيلي يرفضها لغاية الآن, وحتى في صيغها الدنيا. \r\n \r\n وكل هذا, الذي يبدو انه سهل على الفهم, ربما يكون من شأنه التأثير على ضمائر اسرائيليين كثيرين. وافهامهم بوجود شريك من اجل السلام. ولكن الزعامة الاسرائيلية بعيدة جدا عن القبول به. وصحوة بهذا الاتجاه, ربما تكون قد اتضحت عبر التصريحات التي اخذت بالوصول من واشنطن في الايام الاخيرة.. التصريحات التي تتحدث عن التوصل الى سلام, من خلال اقامة دولة فلسطينية مستقلة, فذاك الامريكي هو ليس بالموقف الافضل من السابق, او الاكثر اخلاقية, بل هو بمثابة ثمرة اولية للمستنقع, الذي اخذ الامريكيون بالغوص فيه, نتيجة لحملتهم العسكرية في العراق. \r\n \r\n وفي الايام القليلة القادمة, سيكون من واجب اسرائيل الرسمية, وغير الرسمية, مجابهة الوضع المجنح اكثر من اي وقت مضى, والذي يعمل على تفاقم تلك المحرشات الاساسية الناجمة عن العنف, وعن قسوة الاحتلال الذي يتسبب في تدمير النسيج القاعدي للمجتمع الفلسطيني. ويستمر شبح عرفات يتموج في الجو. ولكن لن يكون كافيا لتهدئة وضع مأساوي غائرة جذوره في الاعماق.0 \r\n \r\n عن المانيفيستو الايطالية \r\n \r\n