والهيجان المهلك لجيش الاحتلال, كان قد انفلت من العقال في هذه المرة, نتيجة ما حدث في الاسبوع الماضي, وقت ان فقد الجيش الاسرائيلي ثلاثة عشر عسكريا في ريعان الشباب, خلال تنفيذ عمليات جاءت نتيجة لتكرار سياسة حكومة اسرائيلية, تعول كل شيء على استراتيجية تقضي باضرام الحرائق, واغلاق اي سبيل يوصل الى سلام ممكن. \r\n \r\n وفي الروتين الرتيب لهذه الايام, تكون مشروعة مسألة زحف الجيش الاسرائيلي, وبكامل الحرية, على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في غزة. ومن غير المشروع مهاجمة القوات الاسرائيلية من قبل الذين بتصدون لزحفهم. \r\n \r\n اما الفلسطينيون الذين كانوا يتلهون بالعبث باشلاء اجسام الجنود الاسرائيليين, محتفلين, بوحشية, امام العدسات التلفزيونية, فقد قدموا الدليل على همجية خالية من الانسانية. ولكن, ما هو الدافع وراء هذه التصرفات البربرية? \r\n \r\n فهي ليست لها ما يخفف من وقعها, ولكن من الضروري العمل على تحليلها, ليس كنتاج لتشويه وراثي, بل ضمن مضمونها الصريح, البيّن: فالفلسطينيون مسحوقون بفعل احتلال وحشي, لا انساني, بحيث تعمل همجية الاحتلال على محو الملامح الانسانية لكل من المحتلين, والخاضعين للاحتلال. \r\n \r\n وامام عدوان الاحتلال اليومي - بيوت ومخيمات مدمرة, ارواح مزهقة, رجال, نساء, واطفال مهانون, مضطهدون, ومجردون من اية حقوق - فلن يكون محل استغراب حينئذ, فيما لو كان الضعفاء المستضعفون, والمقهورون يفقدون انسانيتهم. فاستمرار جرائم الاحتلال, انما هو بمثابة دعوة دائمة للمعارضين الى ارتكاب جرائمهم: فمع العلم بأنهم يكرهوننا, ومن الواجب تقديم النقد الشديد لهم, الا ان الذي لا يمكن اغفاله او تجاوزه هو ان الاعمال الارهابية بتنوعاتها المختلفة, هي آخر ملاذ للمضطهدين والمقموعين, وللبعض ممن يرون في الموت لهم وللاخرين, المخرج الوحيد الجدير بحياة من غير مستقبل او آمال. \r\n \r\n وان الالم الذي اصاب الغالبية العظمى من الاسرائيليين نتيجة مقتل مجموعة من الجنود والشباب, كان قد زاد من الوعي بشأن الحاجة الملحة للرحيل عن قطاع غزة. وقد اتضح للكثيرين, فجأة, ان من الواجب العمل على تغيير المسار. \r\n \r\n فبعد اشهر طويلة من »الحضانة«, كان دعاة السلام الاسرائيليين قد بدأوا يستوعبون ان عليهم واجب النزول الى الساحات من جديد. وهذا هو نتاج الوعي بأن وعود شارون الخاصة بجلب الامن والسلام الى اسرائيل, ليس لها اي اساس من الصحة. وتزداد باستمرار اعداد الجنود والاحتياطيين الذين يرفضون المشاركة في الحرب. كما تتزايد الاحباطات, وغياب الاحتمالات المستقبلية الحقيقية. \r\n \r\n وكان قسم من دعاة السلام المعتدلين قد سمحوا لانفسهم بأن يخدعوا بتلميحات شارون بشأن الانسحاب الاحادي الجانب. ولكنها خديعة كان لها تأثير جدلي ايجابي, فهو ان الاستراتيجي الكبير لعملية بناء المستوطنات, قد اخذ اليوم في الحديث عن اخلائها. وعليه, فقد تم كسر المحظور. \r\n \r\n ولكن, وفي نهاية المطاف, فإن اليمين المعتدل كان لا يرى في هذه الخطة سوى انها الطريقة الوحيدة, التي تؤدي الى تحاشي المفاوضات مع الفلسطينيين. اما حركة السلام الان, المرتبطة بعربة حزب العمل, وتغمغم دعمها المشوش للانسحاب احادي الجانب, الذي يطرحه شارون, نراها وقد باتت في توافق مع خط رئيس الحكومة الاسبق ايهود باراك, الذي بين عدم وجود شريك فلسطيني من اجل عملية السلام, وربط نفسه بشارون, وبانسحابه الاحادي الجانب, من غير تكليف نفسه بتلمس الاثار السمية الناجمة عن ذلك. \r\n \r\n ولكن, وامام الاغتباط الحاصل نتيجة لخروج ما يزيد على 100 الف شخص للتظاهر في تل ابيب بالاسبوع الماضي, في الوقت الذي يستمر فيه هيجان الجيش الاسرائيلي القاتل, الذي يتسبب بارتكاب مجازر في غزة, فإن من الضروري ان يكون هناك صوت واضح يرتفع كي يسمع في كافة انحاء العالم. صوت يجبر الجيش الاسرائيلي على وضع حد لعمليته الاجرامية المقززة, التي ينفذها في قطاع غزة. فالسكوت في هذه الايام انما يعني توفير ضمانة للجرائم اليومية التي يرتكبها الاحتلال.0 \r\n \r\n عن: »المانيفيستو الايطالية«.