\r\n لقد نجح الامريكيون في قتل حوالي الف من المتمردين والاستيلاء على أكداس من السلاح والذخيرة. لكننا نعلم ان هنالك وفرة من المقاتلين والاسلحة في العراق. وان الخسارة التي تكبدها المتمردون اصغر من ان تؤثر على رصيدهم العالي من الرجال والسلاح. \r\n \r\n ان عمليات مثل عملية الفلوجة تخلق انطباعاً بتحقيق شيء من التقدم. لكن القوى العظمى تعلمت على مدى الستين سنة الماضية ان لا علاقة هناك بين الاستيلاء على الارض وبين القضاء على التمرد. فالمتمردون لا يسعون لاحراز النصر في المعارك. \r\n \r\n فلو ان الاستيلاء على المدن كان مفتاح القضاء على التمرد لكان من حق المرء ان يتوقع انتصاراً لفرنسا بعد معركة مدينة الجزائر عام ,1957 وانتصاراً لامريكا بعد هزيمة الفيتناميين الشماليين وقوات الفيتكونغ في معركة مدينة هوي عام ,1968 وانتصاراً روسياً على الشيشان بعد استعادة السيطرة على غروزني عام .1995 لكن الوقائع تخبرنا ان الفرنسيين والامريكيين خرجوا خاسرين من كل من الجزائر وفيتنام, في حين ما تزال الحرب في الشيشان مستعرة ضد الروس. \r\n \r\n يقول لورانس العرب ان محاربة الثوار مثل »تناول الحساء بالسكين« فرجال العصابات لا يعتمدون على خطوط امداد معرضة للهجوم ولا يمكن جرهم الى معارك واسعة ومكشوفة وبوسع الاف قليلة منهم ان تشيع الفوضى في بلد يعد سكانه بعشرات الملايين. وهم يختلطون بالسكان حتى لا يمكن تمييزهم عن الاخرين الا عندما يطلقون النار. \r\n \r\n ولهذا السبب نجد ان تاريخ مقاومة التمرد ليس سوى سجل للاخفاق المتكرر. ومنذ الحرب العالمية الثانية, خاضت جيوش قوية سبع حروب كبرى ضد التمرد هي: حرب فرنسا في الهند الصينية في عام 1945الى عام ,1954 وحرب البريطانيين في الملايو من عام 1948الى عام ,1960 وحرب فرنسا في الجزائر في خمسينات القرن الماضي, والحرب الامريكية في فيتنام, وحرب السوفييت في افغانستان . وحرب اسرائيل في الاراضي المحتلة, والحرب الروسية في الشيشان. من بين هذه الحروب السبع انتهت اربع بالاخفاق التام, وما زالت حربان تجرجران الخطو دونما كبير امل بالنجاح, ولم يكتب الفوز الا مرة واحدة للبريطانيين في الملايو. \r\n \r\n حاول الكثير من المنظرين في مجال محاربة التمرد اتباع النهج الذي سار عليه البريطانيون في الملايو وهو ما بات يعرف بنهج »كسب العقول والافئدة« اي كسب السكان المحليين من خلال تحقيق عدد من الانجازات لكنهم فشلوا, فالنصر في الملايو لا يعود الى مهارة البريطانيين التكتيكية بقدر ما يعود الى ضعف المتمردين وعزلتهم فالمتمردون في الملايو لم يكونوا من اهالي البلاد الاصليين, بل كانوا مجموعة معزولة من اللاجئين الصينيين الذين لم يتمتعوا ابداً بقسط كبير من دعم اهل البلاد . ومع ذلك, فقد استغرقت هزيمتهم اثنى عشر عاماً اضطر البريطانيون في منتصفها الى منح الاستغلال لمستعمرتهم الملاوية. \r\n \r\n وهناك مفارقة تظهر ان بعض الدول الاضعف هي التي نجحت في القضاء على التمرد من خلال ممارسة القسوة المفرطة ضد السكان المدنيين كما حصل في غواتيمالا التي قضت على التمرد الشيوعي في سبعينات وبداية ثمانينات القرن الماضي عندما ازالت من على وجه الارض قرى بكاملها وقتلت حوالي 200 الف شخص وشردت مثلهم. \r\n \r\n لا بد ان امريكا غير مستعدة للايغال في العنف الى حدود مشابهة في العراق. فالقسوة المفرطة لا تؤمن النجاح في جميع الحالات. وقد قتل السوفييت اكثر من مليون شخص في افغانستان لكنهم لم يفلحوا ابداً في كسر عزيمة المتمردين. \r\n \r\n قد يشير البعض الى امتلاك القادة الامريكيين لاستراتيجيات متطورة للقضاء على التمرد في العراق. والخطة التي ينفذها الامريكيون اليوم هي زيادة الاعتماد على القوات العراقية التي دربها الامريكيون والتي تمتلك قسطاً اكبر من الشرعية في صفوف السكان اضافة الى معرفتها للغة والثقافة والارض وهي المعرفة التي تنتج لها القيام بدور الشرطي على نحو افضل. \r\n \r\n هناك شيء من المنطق في هذا الاعتقاد, لكنه ليس بالمنظور الجديد. فقد حارب الى جانب الفرنسيين مئات الالوف من الجنود المحليين في كل من الجزائر والهند الصينية. كما اقام السوفييت حكومة صورية في افغانستان. اضافة الى ان سياة »الفتنمة« التي اتبعها الامريكيون لم تمنع انهيار حكومة فيتنام الجنوبية بعد انسحاب القوات الامريكية من البلاد. \r\n \r\n وقد كانت القوات المحلية في جميع هذه الحالات فاسدة وغير كفؤة ومشكوكاً في ولائها للمحتل. فهل نتوقع من حكومة بغداد الضعيفة ان تقدم أداء افضل?. \r\n \r\n وما دام التمرد مستعراً, فان من غير المحتمل ان تتمكن امريكا من تحقيق الهدف السياسي الذي وضعته لنفسها وهو قيام عراق موحد وديمقراطي يكون اللبنة الاولى في عملية دمقرطة الشرق الاوسط. ولم يكفِ امريكا ان تخسر هذا الاحتمال, بل بات عليها ان تتحسب من ظهور حكومة عراقية تسيطر عليها الجماعات الجهادية المعادية للغرب, او اندلاع حرب اهلية بين الطوائف السنية والشيعية والكردية يقتل فيها الملايين وتوفر الارض الخصبة لتجنيد وتدريب المتطوعين للجماعات الارهابية مثل »القاعدة« وغيرها. \r\n \r\n ازاء مثل هذه الاحتمالات المرعبة, بات لزاماً علينا ان نعيد رسم اهدافنا بشكل اكثر واقعية, وان نركز على الممكن وهناك من يقترح السماح للعراق بان يتجزأ الى دويلات سنية وشيعية وكردية. ومن شأن هذا ان يجنب العراقيين نزاعاً طويلاً ودامياً على السلطة في اعقاب انسحاب الامريكيين. لكن التاريخ يخبرنا مرة اخرى ان التقسيم اختيار دامٍ ومشحون بالمخاطرة. ولنا في المثال اليوغسلافي خير دليل. فالملايين سوف يجبرون على مغادرة ديارهم, والكثير منهم لن يغادر بدون قتال. يضاف الى ذلك ان الدويلات الصغيرة التي ستقوم على اشلاء العراق يمكن ان تبتلع بسهولة من قبل جاراتها الاكبر كما يمكن ان يحدث للدويلة الشيعية التي ستثير شهية ايران. \r\n \r\n هناك بديل آخر لا يقل عن الاحتمال الاول شناعة, وهو تأييد جمع السلطة بيد رجل قوي جديد ينتمي الى المعسكر العلماني وقد يجلب ذلك نوعاً من السلام, لكنه سيكون حصادا مراً بالنسبة للعراقيين. فقد استطاع صدام حسين ان يحافظ على وحدة بلادهم المقسمة سياسياً وعرقياً ودينياً. \r\n \r\n بفرض نوع من القمع المتواصل, ومن المؤلم بالنسبة لهم ان يدركوا ان اي حاكم يخلفه لن يستطيع ادارة البلاد بقفاز مخملي. \r\n \r\n انها احتمالات حزينة. والتفكير بها اليوم يذكرنا بالحذر الذي كان علينا ان نتوخاه قبل الذهاب الى الحرب في العراق وعلى ضوء الموقف الذي نواجهه اليوم, فان اي احتمال بعثور الولاياتالمتحدة على طريقة لسحب قواتها من هناك على مدى السنوات القليلة القادمة بعد ان تخلف وراءها عراقاً لا تمزقه الحرب الاهلية ولا يقدم ملاذاً لمنظمة »القاعدة« ولا يشكل خطراً مباشراً على جيرانه, لا بد ان يسجل في صفحات التاريخ على انه نجاح خارق بالضد من كل معطيات التاريخ والتجربة.0 \r\n \r\n عن»نيوريوك تايمس«