\r\n والهدف من وراء تأسيس ما يعرف ب«المعهد الأوروبي للعلوم الاجتماعية» كما يراه الزعماء السياسيون والمسؤولون الكبار في حقلي الاستخبارات وتنفيذ القانون من شتى أنحاء المؤسسات الأوروبية، هو «طارئ ومهم». فهم يؤمنون بأن الجاليات المسلمة في أوروبا يجب أن تعتمد على نفسها في تكوين علماء دينها بدلا من استدعائهم من خارج أوروبا، لأن هؤلاء في الأغلب لا يعرفون بشكل كاف الغرب، وهم في بعض الحالات مملوءون بالكراهية له، وقادرون على القيام بأعمال إرهابية. لهذا السبب، يقول المسؤولون الأوروبيون، إنه تجب المساعدة على تكوين جيل من علماء الدين من داخل الجالية المسلمة الأوروبية. \r\n ويقول زهير محمود، مدير المدرسة، المولود في العراق، والذي تدرب كعالم نووي وساعد على تأسيس هذا المعهد قبل 12 سنة: «نحن هنا للمساعدة على تكوين علماء دين معاصرين للاستجابة لاحتياجات مسلمينا في فرنسا وأوروبا. نحن بحاجة إلى مساجد أكثر وأئمة مساجد أكثر». \r\n ولأن التهديدات الحالية كبيرة جدة، راح عدد من الحكومات الأوروبية تشرف على الفعاليات والخطب الدينية الخاصة بعلماء الدين المسلمين في بلدانها، ففرنسا طردت منذ عام 2001 أكثر من 10 علماء دين لانتهاكهم حقوق الإنسان أو بسبب إخلالهم بالأمن، وآخرهم كان عبد القادر بوزيان وهو مولود في الجزائر وأب لستة عشر طفلا، وكان يكرر في خطبه أن القرآن يسمح بضرب الرجال لزوجاتهم العاصيات. \r\n وفي إيطاليا طرد وزير الداخلية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عالم دين من السنغال بعد أن حض على القيام بالتفجيرات الانتحارية وأعلن عن «حلف بالدم» مع أسامة بن لادن. أما بريطانيا فقررت الجمعة الماضية توجيه اتهامات بالإرهاب ضد أبو حمزة المصري. \r\n لكن تشكيل طبقة من علماء الدين الأوروبيين المطيعين للقوانين والمتعلمين ليس سهلا، فتدخل الدولة في الدين في العالم العربي، أمر شائع، لكن دور الحكومات في أوروبا يمكن أن يفهم على انه انتهاك للخصوصية ولحقوق الإنسان. \r\n فوزير الداخلية الأسباني جوزيه أنتونيو ألونسو، واجه انتقادات حادة في مايو (أيار) الماضي، حينما اقترح تشكيل مكتب تسجيل خاص بعلماء الدين وأمكنة العبادة والإشراف على الخطب والطقوس الدينية. \r\n وتقوم هولندا بتجريب أسلوب أكثر شفافية يتمثل في دعم الحكومة هناك لبرامج تهدف إلى تدريب علماء الدين من خلال «فصول دراسية في الاندماج الاجتماعى»، وهي تدور حول القيم الهولندية وتتضمن تقبلا كبيرا للقتل الرحيم (لمن هم في حالة ميئوس منها ويتعذبون من بقائهم أحياء بسبب أمراض لا شفاء منها)، واستخدام المخدرات. كما يحتاج علماء الدين الوافدون إلى بريطانيا إلى أن يظهروا أن لديهم معرفة جيدة باللغة الإنجليزية. \r\n لكن الإسلام لا يتطلب من أئمة المساجد أن يمتلكوا شهادات أكاديمية من المعرفة الدينية، فعالم الدين ليس مفترضا فيه أن يكون عالما في «أصول علوم الدين»، بل أن أي شخص تختاره الجالية يمكن أن يكون من يؤمهما في الصلاة. ويقول عمر دانيلو سبرانزا رئيس جمعية المسلمين الإيطاليين إنه حتى «الجزار يستطيع أن يدعو نفسه إماما». وقال سيرانزا إن منظمته ستبدأ بمنح شهادات لمن تراه كفؤا، أولئك «الذين يرون القرآن ككتاب يدعو للسلم والتعاطف». وقال البروفسور جيمس بيسكاتوري المتخصص فى الإسلام السياسى في جامعة أوكسفورد: «فكرة تخريج أئمة مساجد، مثيرة للجدل، فمن جانب أنت تريد أئمتك المحليين، لأن أولئك المستوردين ينظر لهم على أنهم جالبون للأفكار السيئة، ومن جانب آخر فإن الجاليات تقول: من أنت كي تخبرنا من يجب أن يكون إمامنا وكيف يجب تدريبه». ولعل المشكلة الأكبر في تكوين علماء الدين المسلمين في أوروبا، هي المال، «إنه من الصعب التمكن من العيش من العمل إمام مسجد»، كما يقول أوليفيه رواه الأكاديمي الفرنسي البارز في الإسلام السياسي. ويضيف «الإمام ليس منصبا رسميا. لماذا يقضي صبي فرنسي ذكي أو بريطاني خمسة أعوام يدرس الإسلام فقط، كي يجد لاحقا أن ليس هناك عمل حقيقي ينتظره، فالجالية لا تريد سوى شخص يؤم الصلاة ويتولى عقود الزواج وطقوس الجنازات». \r\n لكن خريجي المعهد في «بورغندي» سيصبحون أساتذة ومستشارين، والقليل منهم سيصبح إمام مسجد. والكثير من الطلبة يأتون فقط من أجل برنامج اللغة العربية الذي يستمر لعامين. وفي السنة الماضية أصبح خريج واحد فقط إمام مسجد. \r\n وقال فهيم الأنام، 31 سنة، البريطاني المولود في بنغلاديش والذي يحلم بالعمل في مجال إدارة التعليم: «أنا درست إدارة الأعمال في بريطانيا، وهذا يساعد على معرفة كيف تبيع سلعتك، سلعتى هي الإسلام. ليس ضروريا بالنسبة لي أن أكون إمام مسجد كي أقوم بذلك». \r\n وما يعقد الأمور هو أن الحكومة الفرنسية تنظر إلى «منظمة اتحاد الإسلام» التي تدير مدرسة «بورغندي» وفروعا أخرى في ويلز وضواحي باريس، على أنها مكمن خطورة محتمل. فالمنظمة تستلهم أفكارها من حركة «الإخوان المسلمين» المحظورة في مصر، وهي تركز على التطهر الذاتي والتأثير في جوانب حياة الشخص المسلم. وكان رئيس المدرسة، زهيرمحمود، قد رفع دعوى قبل ثمانية أعوام في بلدة شاتو شينون للسماح لابنته بتغطية رأسها داخل مكان الدرس نفسه. \r\n وفي مارس (آذار) الماضي شارك 100 شخص من حزب الجبهة القومية اليميني المتطرف في مظاهرة داخل البلدة مطالبين بغلق مدرسة «بورغندي»، معتبرين إياها مصدرا لتنمية التطرف عن طريق تشكيل «المهيجين الدينيين المستقبليين في أوروبا». وفي غرب لندن هناك أيضا مدرسة ممولة من قبل مؤسسة ليبية لها ارتباط بالحكومة، وهي تستقبل طلابا سبق لهم أن تابعوا الدراسات الإسلامية والعربية، لكن القليل من طلابها صاروا من أئمة المساجد. لكن المنافسة بين الجاليات الإسلامية جعلت الوضع أكثر صعوبة للوصول إلى صياغة مشتركة لاختيار الإمام. \r\n وتأسست منذ عام 1998 الجامعة الإسلامية في روتردام، وتمكنت من تدريب 20 إماما، حسب ما قاله غوكيكس أتروغل الأمين العام للجامعة. لكن في السنوت الأخيرة، وحسب بعض الأكاديميين، فإن تمويل الجامعة أصبح يأتي وبشكل متزايد من حركة إسلامية في تركيا، وقد انتقدت لفقدها الطابع الهولندي الذي كان قائما في البداية. وقال جواهن هندريك مولمان الأستاذ في «مركز الدراسات الإسلامية» بجامعة أوكسفورد والذي كان ذات مرة محاضرا متطوعا في الجامعة: «الكثير مما يقولونه عن الطلبة غير صحيح. المتطوعون من أمثالي لم يقبلوا أن يداروا من تركيا». كذلك أنكر أتروغل الاتهامات. وساعد مولمان في عام 2001 على تأسيس الجامعة الإسلامية في أوروبا خارج روتردام، وهي تسعى لتدريب علماء دين يعملون في المستشفيات والسجون وبين الجيش وفي عدد صغير من المساجد. وباستخدام تمويل البلديات للجامعة، تمكن مولمان من إنجاز دروس للغة الهولندية إلى مجموعة من أئمة المساجد الذين يعيشون في لاهاي. \r\n كذلك هناك مشكلة أخرى في تدريب الأئمة داخل أوروبا، تتمثل في من هو المؤهل للقيام بذلك؟ دليل بوبكر، رئيس المسجد الرئيسي في باريس ورئيس المجلس الإسلامي لعموم فرنسا، فخور بمدرسته الجديدة المتخصصة في تدريب أئمة المساجد، وقال: «نحن نكون كادرا من الأئمة الذين يتكلمون الفرنسية، وقادرين على التحاور مع المسلمين الشباب في فرنسا». \r\n لكن المسجد والمدرسة تمولان من قبل الحكومة الجزائرية، وهذا ما يجعلهما مثيران للشكوك من قبل بعض الخبراء. وقال رواه الذي قد يكون أكثر الأكاديميين المحترمين في الإسلام: «إنها ليست مدرسة حقيقية. إنها ليست سوى أداة يستخدمها بوبكر لفرض سلطته». في الوقت نفسه انتقد بوبكر مدرسة «بورغندي» لأنها تدرس جميع مواضيعها باللغة العربية لا الفرنسية، وهو يعتبر المنظمة التي وراءها أنها «أصولية». \r\n ومن بين الأئمة الذين درسوا في أوروبا، تصدر تقييمات مختلفة حول كيفية عمل البرامج. قال الأسباني فيسنت موتا الفارو، 29 سنة، الذي اعتنق الإسلام، والخريج الوحيد من مدرسة «بورغندي» في السنة الماضية، إنه لم يتمكن من إيجاد عمل كإمام، وهو على وشك أن يبدأ في تدريس الثقافة الإسلامية في مركز بفالينسيا. وقال إن إمكانية أن يصبح المرء إماما تعتمد على «أي جالية مسلمة لديها نقود، لكن ليس هناك إلا القليل ممن هم قادرون على ذلك». \r\n على العكس من ذلك، فإن شاذلي مسكيني، 38 سنة، المولود في تونس والمواطن الفرنسي الذي أكمل دراسته التي استمرت 4 أعوام في المدرسة 1997، إنه أكثر حظا، إذ تمكن من الحصول على عمل بدوام كامل في مسجد بمدينة «لو هارف»، حيث يلقي خطب الجمعة بالفرنسية والعربية. وقال: «هذه الأيام الأئمة مطلوبون كثيرا، وكي تعثر على واحدا منهم يعرف العربية والفرنسية بشكل جيد، ليس أمرا سهلا. إنهم بحاجة إلى أناس مثلي». ويبلغ أجر مسكيني 8.9 دولار للساعة الواحدة وهو أقل من الحد الأدنى المقرر للأجور في فرنسا. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز» خاص ب«الشرق الأوسط»