فجورج بوش لم يتنازل قيد أنملة بشأن موقفه تجاه العراق، بل نراه يقف صامدا أمام سيل التأكيدات والانتقادات التي تنهال عليه من كل صوب وحدب، حول غرور القوة العظمى، الذي قادها إلى الدخول في حرب لا داعي لها، وإلى احتلال قبيح. والسبب في تمسكه بهذا الموقف أن مستشاريه يقولون أنه من الأفضل أن يظهر بوش بمظهر الرئيس غير القابل للنيل منه، بدلا من الظهور بمظهر الرئيس الذي يقدم اعتذارا عن خطأ قام به... ومن الأفضل أن يبدو مسببا للوهم من أن يكون هو نفسه فريسة للوهم. \r\n \r\n إن بوش لا يريد أن يقر بما جاء في تقرير \"ديولفر\" من أن صدام لم يكن يشكل تهديدا للولايات المتحدة أو لأي دولة أخرى. وأن الخطر الذري الذي كان يحتمل أن يشكله، كان من نسج خيال ديك تشيني المحموم. ومعنى ذلك أننا لم نقم بتثبيت البراغي التي كان والده قد تركها مفكوكة، ولكننا قمنا بدلا من ذلك بتفكيك البراغي التي كان قد قام بتثبيتها. \r\n \r\n فبعد حرب الخليج التي شنها بوش الأب، تقلصت قوة صدام إلى حد كبير، وراح يفعل ما يفعله الطغاة الأشرار عادة، وهو التظاهر بأنهم لا زالوا يحتفظون بقوتهم. وهكذا انشغل صدام بكتابة القصص الرومانسية، وراح يحاول استيراد ماكينات شفط الدهون، وأجهزة تبييض الأسنان، وزراعة الشعر، وتشرب الثقافة الأميركية من خلال الاستماع إلى أغنيته المفضلة وهي \"غرباء في الليل\" للمطرب الأسطوري \"فرانك سيناترا\" وقراءة روايته المفضلة وهي \"العجوز والبحر\" للأديب الشهير \"إرنست هيمنجواي\". \r\n \r\n ربما لا يكون الرئيس بوش قد حصل على مقابل لما دفعه في سبيل إعداد تقرير \"شارلز ديولفر\"، كبير مفتشي الأسلحة التابعين للولايات المتحدة. ففي محاولة متأخرة لتبرير صحة ادعاءاته حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، كلف بوش 1200 مفتش بالعمل لمدة 15 شهرا كاملة، واستنزاف رصيدنا المحدود من اللغويين العرب، من أجل تقديم تقرير بلغ 918 صفحة بتكلفة مقدارها بليون دولار، من أجل التوصل في النهاية إلى نتيجة مفادها: أن صدام كان يود أن يقتني أسلحة الدمار الشامل لو كان في مقدوره أن يفعل ذلك، ولكنه لم يكن قادرا على أن يفعل ذلك، ولذلك فإنه لم يقم بإنتاج تلك الأسلحة! \r\n \r\n ولكن الرئيس بوش مع ذلك حصل في مقابل البليون الذي دفعه، على مدخل حقيقي لتحليل الديكتاتور العراقي من وجهة نظر الأدب الأميركي، والذي اكتشف وجه شبه بين صدام حسين وبين \"سنتياجو\" الصياد الكوبي العجوز، بطل قصة العجوز والبحر، على الرغم من أن صدام حسين كان يحب صيد السمك باستخدام القنابل \"إلقاء قنبلة في الماء ثم إرسال الغواصين لإحضار السمك الميت\". \r\n \r\n جاء في ذلك التقرير: ووجود وجه شبه بين صدام وبين رائعة إرنست هيمنجواي شيء مفهوم، خصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا خلفية الرئيس العراقي السابق والتفاصيل المتعلقة بصعوده إلى السلطة، ونظرته لنفسه، وقارنا بين كل ذلك وبين استخدام همنجواي لوسط أو بيئة ساذجة لقصته لا تختلف كثيرا عن بيئة تكريت كي يعبر عن موضوع لا زماني\".وفي موضع آخر من التقرير جاء \"ففي قصة هيمنجواي يصطاد سنتياجو سمكة ضخمة تقوم بجر القارب إلى عرض البحر. وعندما تموت السمكة في النهاية، فإن سنتياجو يفقد معركته من أجل الدفاع عن سمكته في مواجهة أسماك القروش المتوحشة. وعندما عندما وصل في النهاية إلى شاطئ قريته كانت تلك السمكة الضخمة قد تحولت إلى هيكل عظمي. والقصة تسلط الضوء على رؤية صدام للعالم وموقعه فيه... فصدام ينظر إلى أي نصر يحققه- حتى لو كان نصرا أجوف- على أنه نصر حقيقي\". \r\n \r\n وعلى رغم أن ذلك التقرير قد بين أن عقوبات الأممالمتحدة كان لها دور في هزيمة صدام، فإن الرئيس بوش قرر أن يتمسك برأيه السابق ، وذلك كما بدا خلال إصراره في المناظرة التي جرت يوم الجمعة الماضي على أن \"تلك العقوبات لم تجد نفعا، ولم يكن لها أي دور في الإطاحة بصدام من السلطة\". \r\n \r\n وعندما طلبت إحدى الحاضرات من الرئيس بوش أن يذكر لها ثلاث قرارات سيئة قام باتخاذها خلال فترة رئاسته، فإنه تهرب من الإجابة . ولم لا.. فإبراهام لينكولن يمكن أن يعترف بخطئه، وجون فيتزجيرالد كينيدي يمكن أن يعترف بخطئه، أما قيام جورج دبليو بوش بالاعتراف بالخطأ فكبيرة من الكبائر. \r\n \r\n وعندما سأل عن قراره الخاص بغزو العراق قال: إن المرء في هذا العالم يضطر إلى اتخاذ قرارات يعرف أنها غير شعبية لأن تلك القرارات تكون هي عين الصواب\". وكان المفروض أن يضيف: وأن يتمسك بها بعد ذلك حتى إذا ما تبين لك أنها خاطئة. \r\n \r\n إن الرئيس يعيش في عالم من صنع خياله. أنه مازال يصر على أن 75 في المئة من نشطاء القاعدة قد تم (إحضارهم أمام العدالة) على الرغم من أن هذا الرقم مضلل، لأن خبراء مكافحة \"الإرهاب\" يقول أن غزو العراق كان في صالح تنظيم \"القاعدة\"، حيث ساعده على تجنيد المزيد من الأفراد مما أدى إلى تضخم التنظيم وقيامه بتفريخ المزيد من الجماعات \"الإرهابية\". \r\n \r\n لقد حاول بوش التظاهر بأن تقرير \"ديولفر\" قد عزز موقفه، حيث علق بعد صدور التقرير قائلا: \"أن صدام حسين كان لديه المعرفة والمواد والوسائل والنية لإنتاج أسلحة الدمار الشامل، كما كان بمقدوره أن يقوم بنقل تلك المعرفة لأعدائنا الإرهابيين\". \r\n \r\n كان يجب على \"دبليو\" أن يواصل اتباع سياسة والده بشأن الفرضيات، وأن يتذكر أنه عندما طلب أحدهم من والده ذات يوم أن يتكهن بشيء .. رد عليه قائلا: \"لو كان للضفدعة جناح، فإنها ما كانت لتقوم بخبط ذيلها على الأرض كي تقفز من مكان إلى مكان\". \r\n \r\n \r\n مورين دود \r\n \r\n كاتبة ومحللة سياسية أميركية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\"