\r\n وعندما سقطت بغداد، قررت توريتا البقاء مجدداً، لكن هذه المرة من اجل ايصال الادوية والماء الى العراقيين، الذين يعانون تحت نير الاحتلال. وحتى بعد ان بدأ رجال المقاومة يجعلون من الاجانب اهدافاً لهم، وبعد ان هرب معظم المراسلين الاجانب والعاملين في تقديم الخدمات الانسانية، عادت توريتا من جديد، وحينها قالت المرأة ذات الأعوام ال 29 لمخرج افلام وثائقية: «لا استطيع البقاء في ايطاليا». \r\n \r\n اليوم تدور علامات الاستفهام حول مصير توريتا مع رفيقتها الايطالية، العاملة في تقديم الخدمات الانسانية سيمونا باري وزميليهما العراقيين رعد علي عبدالعزيز ومهناز بسام. فلقد اختطف الأربعة، مؤخراً، تحت تهديد السلاح من منزلهم المكتب في بغداد ولم يعرف عنهم شيء منذ ذلك الحين. وبسبب عدم وجود اتصالات مباشرة مع المختطفين، انطلق جدال سياسي حول هذا الحادث. \r\n \r\n اذ ان المدافعين عن الحرب يستغلونه لاظهار دعاة السلام على انهم سذج يدعمون فرحين مقاومة ردها على التضامن العالمي يتمثل في عمليات اختطاف وقطع رؤوس، في حين يلمح عدد متزايد من القادة الاسلاميين الى ان الهجوم على «جسر الى بغداد» لم يكن عملاً من صنع «المجاهدين»، وانما قامت به وكالات استخبارات اجنبية، تريد تقويض المقاومة العراقية. \r\n \r\n لا يوجد شيء في هذا الاختطاف يندرج في اطار نموذج عمليات الاختطاف الاخرى، التي كانت بغالبيتها هجمات انتهازية في لحظات خطيرة في الطريق. لكن توريتا وزملاءها تم اصطيادهم في منزلهم بدم بارد. وبينما يخفي «المجاهدون» هوياتهم بكل حرص عادة ويغطون وجوههم بالكوفيات، كان هؤلاء المختطفون مكشوفي الوجوه وحليقي الذقون وكان بعضهم يرتدي بزات رجال اعمال وكانوا ينادون احد المهاجمين بالسيد.وفي حين كانت غالبية ضحايا الاختطاف من الرجال، فإن ثلاثة من هؤلاء هم من النساء. \r\n \r\n كما يقول الشهود ان الرجال المسلحين حققوا مع طاقم المكتب حتى تعرفوا على سيمونا الأولى والثانية بالاسم وانهم امسكوا مهناز بسام، المرأة العراقية، من غطاء رأسها وسحبوها. وهذا انتهاك ديني مدهش في هجوم من المفترض انه يقوم به «مجاهدون». لكن الامرالاكثر غرابة في العملية تمثل في نطاقها، ففي مكان المناضلين الثلاثة او الاربعة المعتادين، وصل عشرون رجلاً مسلحا الى المنزل. \r\n \r\n وفي وضح النهار، وبدون ان يأبهوا على ما يبدو لمسألة تعرف الناس على هوياتهم، ولقد جرت العملية على بعد بضع حارات من المنطقة الخضراء المحروسة جيداً بدون تدخل من جانب الشرطة العراقية او العسكريين الاميركيين، على الرغم من ان مجلة «نيوزويك» ذكرت انه بعد حوالي 15 دقيقة مرت قافلة من سيارات «همفي» اميركية على بعد اقل من حارة واحدة فقط من مكان الاختطاف. \r\n \r\n وبالنسبة للأسلحة، كان لدى المهاجمين رشاشات آلية وبنادق آلية ايضاً ومسدسات كاتمة للصوت واسلحة تشل الانسان عن الحركة، وذلك بعيداً عن نموذج رشاشات الكلاشنكوف التقليدية والأكثر غرابة هي هذه التفصيلية ان بعض الشهود افاد ان عدداً من المهاجمين كان يستخدم زي رجال الحرس الوطني العراقي وعرفوا انفسهم بأنهم من مستخدمي رئيس الوزراء العراقي المؤقت اياد علاوي. \r\n \r\n ناطق باسم الحكومة العراقية نفى تورط مكتب اياد علاوي في عملية الاختطاف. لكن صباح كاظم، الناطق باسم وزارة الداخلية العراقية، قبل بأن الخاطفين «كانوا يرتدون زياً رسمياً وسترات واقية من الرصاص». \r\n \r\n \r\n وعلى هذا الاساس، يبرز السؤال التالي: هل المقاومة هي التي ارتكبت الاختطاف ام انها عملية بوليسية مغطاة؟ ام انها أسوأ من هذا وذاك وان الامر يتعلق بانبعاث مخابرات صدام وعملياتها، التي كان يقوم فيها عملاؤها باعتقال اعداء النظام ومن ثم لا يعرف عنهم يشيء ابداً. فمن يستطيع ارتكاب عملية منسقة بهذا القدر ومن يمكن ان يستفيد من هجوم ضد منظمة سلمية غير حكومية؟ \r\n \r\n \r\n بدأت وسائل الاعلام الايطالية، مؤخراً، تتحدث حول رد محتمل على جميع الأسئلة السابقة. فلقد قال الشيخ عبدالسلام الكبيسي، الذي ينتمي للمنظمة الدينية السنية الرئيسية في العراق قال للمراسلين في بغداد انه تلقى زيارة من توريتا وباري ذات يوم قبل عملية الاختطاف. واضاف الشيخ: «لقد كانتا خائفتين، وقالتا لي ان البعض كان يهددهما». وعندما سئل حول من يقف باعتقاده وراء هذه التهديدات، اجاب «اننا نشك بجهاز استخبارات اجنبي معين». \r\n \r\n \r\n اما تحميل وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية «سي آي ايه» او عملاء «الموساد» مسئولية هجمات من هذا النوع، فإنه حديث متداول بقوة في شوارع بغداد، لكن ان يأتي ذلك من الكبيسي، فهو تأكيد يتمتع بثقل غير عادي، ذلك ان الرجل له صلات مع طيف واسع من جماعات المقاومة ولقد تفاوض على تحرير عدة رهائن. \r\n \r\n \r\n وتأكيدات الكبيسي منشورة على نطاق واسع في وسائل الاعلام العربية وكذلك في ايطاليا، لكنها غائبة عن وسائل الاعلام الناطقة باللغة الانجليزية.فالصحافيون الغربيون يرفضون الحديث حول جواسيس خوفاً من ان يوسموا بأنهم من منظري المؤامرة. لكن الجواسيس والعمليات غير المغطاة لا تعد تآمراً في العراق، بل هي واقع يومي. وبحسب جيمس بيفيت، نائب مدير عمليات ال «سي آي ايه»، فإن «بغداد هي المكان الذي فيه اكبر قاعدة لل «سي آي ايه» منذ الحرب الفيتنامية» وتضم من 500 الى 600 عميل. \r\n \r\n \r\n ورئيس الوزراء العراقي المؤقت اياد علاوي له باع طويل في هذا الميدان استمر طوال حياته، فلقد عمل مع جهاز الاستخبارات البريطاني «ام 16» ومع ال «سي آي ايه» والمخابرات العراقية حيث تخصص بإزاحة اعداء النظام. \r\n \r\n لقد عارض اعضاء «جسر الى بغداد» النظام الاحتلالي بثبات. وفي ابريل، اثناء حصار الفلوجة، نسقوا بعثات انسانية خطرة للغاية، اذ اغلقت القوات الاميركية الطريق الى الفلوجة، واخرجت وسائل الاعلام، فيما كانت تعد العدة لمعاقبة المدينة بأسرها على قتل اربعة اميركيين من العاملين في شركة «بلاك ووتر». \r\n \r\n وفي شهر اغسطس الماضي، عندما حاصرت قوات المارينز مدينة النجف، ذهب اعضاء من «جسر الى بغداد» مجدداً الى حيث لا تريد قوات الاحتلال شهوداً. وقبل يوم واحد من اختطافهما، قالت توريتا وباري للكبيسي انهما كانتا تخططان لمهمة خطيرة للغاية في الفلوجة. \r\n \r\n بعد ايام على اختطافهما، اجتازت المطالبات بتحريرهما جميع الحدود الجغرافية والدينية والثقافية. كما ان حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية وحزب الله والجمعية العالمية لعلماء المسلمين وعدة حركات مقاومة عراقية عبرت عن استنكارها لهذه العملية. وقالت مجموعة مقاومة في الفلوجة ان الاختطاف يدفع الى التفكير في «تعاون بين قوات اجنبية». لكن البيت الأبيض ومكتب علاوي، يبرزان احياناً من خلال غيابهما. ولم يقل احد كلمة واحدة. \r\n \r\n لكن ما نعرفه هو انه في حال انتهاء عملية خطف رهائن هذه الى شلال دم، فإن واشنطن وروما وممثليهما العراقيين سيستغلون المأساة على وجه السرعة لتبرير الاحتلال الوحشي وهو احتلال عارضته سيمونا توريتا وسيمونا باري ورعد علي عبدالعزيز ومهناز بسام حتى عرضوا انفسهم للخطر. ونحن سنبقى نتساءل حول ما اذا كان كل ذلك مجرد خطة. \r\n \r\n