\r\n وهنا تكمن مأساة ما حل بنا في السنوات الثلاث الاخيرة من عهده في رئاسة الوزراء الى جانب المآسي الشخصية ل 46 جندياً بريطانياً و13 ألف عراقي دفعوا أرواحهم ثمناً لأكثر مظاهر الخداع وحشية في هذا العصر. \r\n \r\n وفي مواجهة هذا الاتهام يجرنا عن طريق الخداع الى الحرب، يرد رئيس الوزراء بنبرة البراءة المجروحة قائلاً: «هل يشك الناس في أمانتي؟ هل يقولون انني كذبت؟» بالطبع فإن محترفي التواصل من امثال رئيس الوزراء لا يلفقون الأكاذيب ابداً اذ من السهل عليهم في الغالب تضليل الشعب بدون اللجوء الى الكذب وكما كتب روبن كوك في يومياته فإن بلير كان «أذكى بكثير» من ذلك فبدلاً من الادعاء بوجود صلة حقيقية بين صدام حسين وابن لادن تعمد بلير «صياغة عبارة موحية مصممة لتوليد الانطباع بأن الجنود البريطانيين ذاهبون الى العراق لمواجهة تهديد مصدره القاعدة». \r\n \r\n هناك اكثر من طريقة لعدم قوله الحقيقة، اذ يمكنك قول نصف الحقيقة، او حذف اجزاء منها، او تعمد اضافة الغموض عليها وكل هذه الألاعيب لا تقل فعالية احياناً عن الكذب المحض، اذا كان الحذف او الابهام مصمماً للتضليل وبالطبع فإن هذا كله ما كان ليخرج عن نطاق الحدس والتخمين، لولا موت ديفيد كيلي وقرار بوش بفتح تحقيق خاص بهذا الصدد. ولولا هذه الاحداث غير المتوقعة، لما كان لنا أبداً ان نطلع على المعلومات التي كشف النقاب عنها خلال تحقيق بتلر وتحقيق هاتون. \r\n \r\n لكننا اطلعنا على تلك المعلومات، واصبحنا نعرف الآن ما كان يعرفه بلير ومتى عرفه وكيف يتناقض ذلك مع تصريحاته العلنية في ذلك الوقت كما يتضح بالتفاصيل في التقرير الذي يحمل عنوان «قضية يجب المساءلة فيها» والذي اعده دان بليش وغلين رانغوالا ونشر قبل ايام واستناداً الى ذلك التقرير فإنني مستعد الآن للتصريح وأنا غير محمي بالحصانة البرلمانية . \r\n \r\n \r\n وغير مقيد بقواعد اللغة البرلمانية وبدون مواربة بأن رئيس الوزراء لم يقل الحقيقة بل ضخم وحرف وطمس المعلومات وتلاعب بها لخدمة غاياته السياسية وكان هذا خداعاً منظماً لكسب تأييد البرلمان والشعب لشن حرب كان قد وعد بها حليفه بوش منذ زمن طويل. \r\n \r\n الشواهد على نفاق بلير كثيرة ودامغة فلقد زعم في اوائل 2002 بأن العراق «يملك مخزوناً احتياطياً يتضمن كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية» في حين ان تقييم اللجنة المشتركة للاستخبارات في ذلك الحين قال ان «العراق ربما يكون قد اخفى كميات صغيرة من العوامل النشطة كيماوياً او بيولوجياً وبعض الأسلحة». \r\n \r\n وقال بلير أيضاً في خطابه امام مؤتمر اتحاد النقابات في سبتمبر 2000 ان صدام كان «يملك كميات متبقية من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية كافية لتدمير منطقة الخليج بأسرها» في حين ان تقييم لجنة الاستخبارات في حينها كان «ان صدام لم ينجح في تشكيل خطر جدي على أمن جيرانه». \r\n \r\n لكن قمة الدناءة في مسلسل الخداع هذا كانت عندما حذر بلير من «ان الأمر ليس سوى قضية وقت، قبل ان تجتمع أسلحة الدمار الشامل مع الارهاب، مالم نتحرك الآن ونتخذ موقفاً حاسماً»، غير ان الحكومة اضطرت لاحقاً للاقرار في سياق تحقيق بتلر بأن «تقييم لجنة الاستخبارات المشتركة اوضح ان اي انهيار للنظام العراقي الحاكم من شأنه زيادة خطر وصول تقنيات الحرب البيولوجية والكيماوية الى أيدي الارهابيين وان رئيس الوزراء نفسه يدرك ذلك». \r\n \r\n كان بلير يعلم ان فرص حدوث السيناريو الكابوسي الذي رسمه سوف تزداد بدل ان تتضاءل اذا غزونا العراق، ومع ذلك فقد تعمد اعطاء انطباع معاكس لترجمة قلق الناس الى دعم للحرب. \r\n \r\n ولو كان رئيس الوزراء مذنباً في سوء الادارة او سوء التقدير او مجرد اقتراف اخطاء، فإن المكان الصحيح لمحاسبته ينبغي ان يكون في صناديق الاقتراع لكن ما يميز سلوك بلير هو تعمده تحريف الحقائق وعندما تسبب بيتر ماندلسون باعطاء «معلومات غير صحيحة» لمجلس العموم وعندما اعترف بيفرلي هيوز باعطاء «انطباع مضلل» استقال الوزيران بموجب القانون الذي ينص على ان «الوزراء الذين يتعمدون تضليل البرلمان يتوقع منهم ان يقدموا استقالتهم الى رئيس الوزراء»، ولسوء الحظ فإن قانون المناصب الوزارية التزم الصمت حول ما ينبغي فعله حيال رئيس الوزراء الفاسق. \r\n \r\n ان رفض بلير الاستقالة امام مثل هذه الدلائل سلوك غير مسبوق، اذ ان هناك دلالات قوية، مفصلة في التقرير، تشير الى انه أبرم اتفاقاً سرياً مع الرئيس بوش وهو امر غير قانوني بموجب القانون الدستوري ومع ذلك كله فلن يتم اجراء المزيد من التحقيقات ولن نسمع المزيد من التعليقات من رئيس الوزراء وليس هناك أمل بسماع الرأي القانوني الكامل للنائب العام. \r\n \r\n وإن التحرك الآن للتصويت على حجب الثقة عن رئيس الوزراء من شأنه ببساطة ان يقسم البرلمان وفق الخطوط الحزبية دون التركيز على افعال بلير. وكما اكتشف عضو البرلمان جون بارون، مؤخراً فإن اتهام عضو آخر بتضليل مجلس العموم صار يعتبر تصرفاً «غير برلماني». \r\n \r\n المساءلة هي شريان حياة الديمقراطية لماذا يكترث عامة الناس بالانخراط في السياسة اذا كان بإمكان الساسة ان يأخذونا الى الحرب استناداً الى مزاعم زائفة، ثم لا يتلفظون بكلمة اعتذار واحدة؟ إذن، ما هي سبل العلاج الشرعية التي يمتلكها البرلمان والشعب في مثل هذه الظروف الخطيرة؟ تاريخياً، لجأ البرلمان الى خيار توجيه الاتهامات القضائية بالتقصير والخيانة ضد اشخاص لمعاقبتهم على جرائم وجنح خطيرة. \r\n \r\n لا يتطلب الامر سوى قيام نائب واحد في البرلمان بتوجيه اتهامات بارتكاب جرائم وجنح خطيرة ضد مسئول حكومي، حتى تبدأ عملية محاكمته. وحالما يقدم نائب برلماني أدلته على سوء الادارة الى مجلس العموم في مناظرة عامة، وحالما توافق اغلبية من الاعضاء المنتخبين في المجلس على وجوب المساءلة، يتم انشاء لجنة برلمانية لصياغة بنود المحاكمة بنشر قائمة الاتهامات بالتفصيل. ثم تحال القضية الى مجلس اللوردات. \r\n \r\n قبل ثلاثة قرون من الآن كان مجلس العموم يعرف هذا النوع من المحاكمات بأنه «الآلية القانونية الاساسية للمحافظة على الحكومة» ولطالما كان سلاحاً رئيسياً في كفاح البرلمان ضد اساءة استغلال السلطة التنفيذية، وتم اعادة احياء هذا القانون من قبل، بعد فترات طويلة من اهمال استعمالاته، وذلك عندما بدا تشبث السلطة التنفيذية ب «الحكم بدون مسئولية» اجراء دكتاتوريا كما هو الآن. \r\n \r\n واليوم يعلن عدد من اعضاء البرلمان وأنا من بينهم عن النية في تقديم اقتراح مجلس العموم لمحاكمة رئيس الوزراء في اتهامات لها علاقة بغزو العراق. وهذه اول مرة منذ اكثر من 150 عاماً يقدم فيها مثل هذا الاستدعاء ضد رئيس وزراء بريطاني، ونحن نأخذ الأمر بقدر كبير من الاهمية والجدية. ونحن اذ نشعر بالأسف لاضطرارنا الى اتخاذ هذه الخطوة فإننا نقوم بها بعزيمة وتصميم. \r\n \r\n ولأن ولاءنا الاول في الواجب هو لعامة الناس الذين نمثلهم، والذين يشعرون بأنهم ضللوا وأرسلوا الى التهلكة بسبب الافعال اللامسئولة من جانب رئيس الوزراء. باسم هؤلاء نريد محاكمة بلير. وباسمهم وباسم كل السلطة التي عهدت إلينا، نناشده ان يرحل الآن. \r\n \r\n \r\n عضو مجلس العموم البريطاني \r\n \r\n جارديان