توني بلير هو رئيس الوزراء الوحيد في تاريخ بريطانيا الذي أعيد انتخابه ثلاث دورات متتالية في سنواته الأولي كانت شعبيته الطاغية لم تتحقق إلا لزعيم بريطانيا الأشهر تشرشل, ولكن بعد غزو العراق, وبعد أن ظهرت الخفايا, أصبح اليوم يستقبل بمظاهرات الغضب وقذائف البيض والطماطم. اكتشف البريطانيون أن بلير خدعهم, وكما يقول المثل: تستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت, وأن تخدع كل الناس بعض الوقت, ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت... والرأي العام في بريطانيا وفي العالم يري أنه قد جاء وقت الحساب, وبلير نفسه في مذكراته التي نشرها أخيرا يعترف بأنه كان يعلم أن الرأي العام كان معارضا لقراره بغزو العراق, والسير وراء بوش, والبعض يقول إنه مع طول البقاء في الحكم تحول إلي دكتاتور, واثق من نفسه بأكثر مما يجب, ويردد ما يقوله كل دكتاتور بأنه لا يسير وراء الناس, ولكن يفعل ما يراه صوابا, وعلي الناس أن يسيروا وراءه. والبارانويا جعلته يري أنه ليس مجرد رئيس وزراء, ولكنه زعيم, وقائد يتبع الهامه ومهمته التغيير, ولكنه في الحقيقة ممثل عظيم, يمارس دور القاتل, ويبدو وكأنه رسول الخير لانقاذ العالم! ظهر كذبه علي البرلمان, وعلي الشعب بادعائه أن العراق خطر علي العالم, وقدم وثيقة رسمية بوجود أسلحة دمار شامل, وظهر الآن أنه اتفق مع بوش علي غزو العراق مهما كانت المبررات, وكان ذلك قبل الغزو بأحد عشر شهرا, وبعد أن قدم المدعي العام البريطاني اللورد جولد سميث تقريره الذي حذر فيه بلير من غزو العراق لعدم وجود سبب أو سند من الشرعية الدولية, وأن الرغبة في تغيير نظام الحكم لا تبرر الحرب تجاهل بلير هذا التقرير, وتدخل في تغيير ملف الاستخبارات الخاص بأسلحة العراق, ويعترف بلير في مذكراته بأن هذا الملف لم يكن إلا محاولة لاقناع الرأي العام بخطورة صدام حسين, ويكرر أن العالم أصبح أفضل بدون وجود صدام في السلطة, والحقيقة أن العالم أصبح أفضل بدون وجود بلير وبوش في السلطة, وكتب السير سيرسل تاونسيد مقالا قال فيه إن تقرير الاستخبارات الذي قدمه بلير إلي مجلس العموم كان عبارة عن تلفيق سياسي, وإنه كان مراوغا حين أعلن أمام البرلمان إنني أقبل تحمل المسئولية شخصيا عن المعلومات الاستخباراتية, وعن الطريقة التي تم بها عرض المسألة والأخطاء التي ارتكبت وقال السير تاونسيد إن بلير كذب حين ادعي وجود تهديد علي بريطانيا من نظام صدام, وتجاهل تحذير رئيسة جهاز الاستخبارات الداخلية إم آي أيه اليزا مانينجهام بأن غزو العراق سيؤدي إلي زيادة التهديدات الإرهابية ضد بريطانيا. وكشفت نتائج التحقيق الذي أجرته لجنة من مجلس اللوردات برئاسة اللورد باتلر عدم صحة المبررات التي قدمها بلير للبرلمان, وكان ذلك يعني مسئولية بلير شخصيا ومسئولية مدير اللجنة المشتركة للمخابرات جون سكارليت إلا أن براعة بلير في المناورة جعلته يفلت هو وسكارليت من الحساب, بينما خضع مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية جورج تينت لحساب عسير من الكونجرس انتهي باستقالته لمسئوليته عن التقرير الكاذب عن أسلحة العراق مع أن بوش هو المسئول. ومبكرا جدا اختار بلير أن يكون كلب بوش كما وصفته الصحافة البريطانية, يسير وراءه, ويردد أفكاره العدوانية, ويغامر بتاريخه ليحظي بمكانة خاصة في أمريكا. وفعلا أصبح وكأنه رئيس وزراء أمريكا كما قالت عنه الصحافة البريطانية, وظل يردد قصائد الغزل في أمريكا ورؤساء أمريكا حتي قال معلق بريطاني شهير إذا كان بلير مفتونا بأمريكا إلي هذا الحد, فلماذا لا يذهب ويعيش هناك. وقالت مجلة تايم الأمريكية: إن بلير اكتسب نفوذا نادرا في الولاياتالمتحدة, لأنه يتمتع بنقاط قوة كان بوش يفتقدها, وكان له الدور الأكبر في فبركة مبررات غزو العراق وكان له نفوذ يتساوي مع نفوذ أكبر الرؤوس في واشنطن. وكان يقوم بدور مساعد الرئيس الأمريكي, والمسئول عن معالجة سقطات بوش وأخطائه, وكان يبدو وكأنه المدعي العام الأمريكي, وكان التطابق في فكر بلير وبوش مثيرا للدهشة, لأن بوش يميني محافظ, وبلير ليبرالي من الطراز القديم, ومتأثر بشخصية وفكر جلادستون رئيس وزراء بريطانيا الامبريالي في القرن التاسع عشر, وكثيرا ما تعرض بلير للسخرية في الاعلام البريطاني حين كان يقدم نفسه كأنه قسيس انجيلي, وأنه أكثر تمسكا بالأخلاق من الآخرين, وهذا ما ربط بينه وبين الرئيس المؤمن جورج دبليو بوش. سيذكر التاريخ أن بلير كان بارعا في التأثير علي الرأي العام وخداعه, وفي استغلال مشاعر الجماهير من النقط الحساسة, وسيذكر له أنه سيطر علي الرأي العام البريطاني برد فعله المثير للمشاعر علي حادث مصرع الأميرة ديانا, وكذلك في هجمات11 سبتمبر, فقد بالغ وقتها في اظهار الحزن إلي حد البكاء, وكان أول من وصل إلي البيت الأبيض وظل أياما إلي جانب بوش يردد كل ما يقوله بوش بعد صياغته بأسلوبه اللولبي. المزيد من مقالات رجب البنا