\r\n العقاب من اختصاص المحاكم. الجيش لا ينشغل، لا في العقاب ولا في الانتقام، ومن الممكن دائما القيام بتحقيق ميداني سواء حول دوافع فرض حظر التجول أو تجريف الارض وكونها متلائمة مع الاخلاقيات العسكرية أو التأكد من ان هذه الاعمال قد نُفذت لاسباب مرفوضة. هذه العبارات ليست مقتبسة من نقاش نظري أكاديمي بحت. بل هي جزء من وثيقة وضعت مؤخراً، على طاولة رئيس هيئة الاركان للحصول على مصادقة هيئة الاركان العامة عليها. هذه الوثيقة عبارة عن دراسة استمرت عامين تقريبا حول الاخلاقيات العسكرية في مواجهة العمليات الفلسطينية وهي موجودة في مراحل الاعداد الأخيرة. \r\n \r\n \r\n صدفة أو من غير صدفة، يقف من وراء هذه الوثيقة طيار واحد هو اللواء عاموس يادلين، قائد الكليات العسكرية حتى الآونة الأخيرة وفي السابق نائب قائد سلاح الجو. الدافع لتحديد قواعد ومباديء اخلاقية في مواجهة المقاومة الفلسطينية وُلدت في صيف 2002 بعد تصفية صلاح شحادة، من قادة الذراع العسكرية لحماس في غزة. هذه العملية تسببت، بسبب خطأ في المعلومات بموت الأبرياء في المباني المجاورة لمكان اختباء صلاح شحادة وكذلك بالقضاء على زوجته التي اختبأت معه. \r\n \r\n التصفية تمخضت عن موجة من الانتقادات الداخلية في اسرائيل والبلبلة ورفض الأوامر. بعد ايام برزت اسئلة الطيارين، خاصة في أسراب المروحيات القتالية. فجأة لم يكن واضحاً تماماً ما هو المسموح، وما هو المحظور، والقرارات الميدانية اتخذت في نهاية المطاف حسب حدس القادة. قواعد الاخلاق المتبعة في الحرب التقليدية لم تعد سارية كما في السابق. \r\n \r\n دول اوروبا تطالب اسرائيل بالتعامل في قضايا مواجهة المقاومة وكأنها عمليات شرطية تسعى لفرض القانون وجزء من مكافحة «الارهاب». أما الجيش الاسرائيلي فيدعي في المقابل انه بعد اربع سنوات من القتال في المناطق و22 ألف عملية وهجوم من الجهات الفلسطينية التي تسببت في مقتل 969 اسرائيلياً وجرح أكثر من 6400 - لم يعد الامر يتعلق بعمليات شرطية لمكافحة الجريمة: هذه حرب بكل معنى الكلمة، ولكن هذه الحرب تختلف في جوهرها عن الحروب التقليدية التي شهدها العالم في السابق. \r\n \r\n الوثيقة التي تُكشف هنا لاول مرة لا تتساءل اذا كانت الحرب مبررة أم لا. هذه مسألة سياسية والجيش الاسرائيلي يتجاوزها. السؤال الذي يبرز من الوثيقة هو هل الحرب ضد الارهاب هي حرب شمولية بين أمم تسمح باستخدام القوة بلا كوابح، أو انه من الممكن ايضا هنا تحديد قواعد للقتال يمكن ان تحافظ على المعايير الاخلاقية والقانونية. \r\n \r\n وجد اللواء يادلين تأييداً في البروفيسور آسا كيشر الذي ألف في عام 1993 «كتاب روح الجيش الاسرائيلي شيفرة الجيش الاخلاقية». الاثنان قادا طاقما شارك فيه خبراء في القانون الدولي وقضاة وضباط أشرفوا على وحدات ميدانية في الانتفاضة الاولى، ومستشار تنظيمي وخبير في التحقيق في العمليات. \r\n \r\n البروفيسور كيشر كتب ان ما هو غير ضروري للدفاع عن مواطني اسرائيل من الخطر يجب ان لا يُنفذ، وان من المحظور استخدام القوة إلا اذا كنت مُجبرا. ومع ذلك يمر على طول كل الوثيقة مبدأ واجب اسرائيل في الدفاع عن مواطنيها مقابل واجبها في الحرص على المواطن الفلسطيني غير الضالع في الارهاب. كيف يمكن التصرف مع هذا التوتر بين الواجبين اللذين يتصادمان احيانا مع بعضهما البعض. \r\n \r\n مصطلح «التصفية الموجهة» لا يظهر في الوثيقة، الا ان فصلا واسعا قد خُصص للمباديء التي يفترض بها ان توفر الوسائل لاولئك الاشخاص الذين يقررون القيام بالتصفيات الموجهة. أفلا توجد امكانية اخرى للتصدي لاولئك الاشخاص الذين تسمح الاخلاقيات العسكرية بتصفيتهم؟. \r\n \r\n معدو الوثيقة يقررون مصير المرشح للتصفية وفقا لمكانته في السلسلة التنفيذية التي تبلور العمليات الانتحارية. في هذه المجموعة من المرشحين للتصفية أو للمعالجة الاخرى التي توقفهم، تظهر الأطراف التالية: - الانتحاري نفسه، الاشخاص الذين يساعدونه بصورة مباشرة مثل السائق أو المرشد، من يقومون بإرساله، المهندسون أو مدراء مختبر الحزام الناسف، الاشخاص المسئولين بصورة مباشرة عن العملية أو يوفرون المواد الناسفة، الاشخاص الذين يخططون للفكرة الميدانية. \r\n \r\n والذين يجندون الانتحاريين أو غيرهم من المنفذين، الاشخاص الذين يتخذون القرارات الميدانية بصدد تنفيذ العملية وأولئك الذين يصدرون الفتاوى لتنفيذ عملية محددة. الشيخ احمد ياسين مثلا سمح بانتحار امرأة فجرت نفسها في معبر كارني، الامر الذي حوله الى حلقة في سلسلة العملية والتي يوجد تبرير لتصفيتها أو ايقافها بطريقة اخرى. الفكرة هي ان كل مساس بمكونات السلسلة قد يحبط العملية. \r\n \r\n الجهات غير المشمولة في المرشحين للتصفية هي اولئك المرتبطون بالعملية بصورة غير مباشرة، مثلا اولئك الذين يمولونها والذين لا يتعاملون بصورة موضعية مع هذه العملية الارهابية أو تلك. خطيب المسجد الذي يصف اليهود بالخنازير والقردة ويمدح العمليات لن يضطر لمواجهة صاروخ «هالبيير» الذي تطلقه الأباتشي على نافذة منزله. ايضا من يدفع لعائلات الانتحاريين بعد العملية ولا يتدخل في التخطيط ينتمي للمجموعة الثانية. الشيخ احمد ياسين. \r\n \r\n كما أسلفنا، أخرج نفسه من هذه المجموعة وانتقل الى المجموعة الاولى. حسب الوثيقة يمكن تنفيذ عملية وقائية ايضا ضد من كان ضالعا بصورة مباشرة في عملية تفجيرية في السابق، وهناك معلومات مفادها أنه مازال يواصل التخطيط لعمليات اخرى، حتى اذا لم يكن يشكل بنفسه خطرا مباشرا لحدوث عملية فهو ينتمي للمجموعة الاولى، ولكن على الجيش الاسرائيلي ان يأخذ بالحسبان بصورة أكثر دقة ان عليه الامتناع عن المس بالمواطنين غير المقاتلين خلافا للوضع الذي يخططون فيه لعملية ضد «قنبلة موقوتة». \r\n \r\n هل يمكن وتحت أي ظرف المس بالمواطنين الأبرياء إبان عملية التصفية أو أي عمليات ميدانية اخرى ضد أحد الشركاء في سلسلة العملية؟ الوثيقة تقول ان من الممكن المس بالاشخاص غير الضالعين في الارهاب عندما تتم العملية خارج اسرائيل أي في المناطق الفلسطينية وعندما يكون هؤلاء الناس في محيط اشخاص ضالعين في انشطة المقاومة بصورة مباشرة، هذا شريطة ان لا تكون اسرائيل هي التي تسببت في وجودهم في المكان. \r\n \r\n المغزى هو انه منذ اللحظة التي تتوفر فيها معلومات استخبارية موثوقة حول الشخص الذي يسلك طريقه لتنفيذ عملية انتحارية، سيبذل الجيش الاسرائيلي كل جهده لايقافه ولكن ليس عليه ان يستخدم الاشخاص غير الضالعين في العمل كدرع بشري أو كرهائن. هذا يعني ان الجيش لا يستطيع ان يُرسل مواطناً فلسطينياً بالإكراه الى منزل الشخص المطلوب حتى يوصل رسالة أو يشكل درعاً للجنود الذين يسعون لاقتحام المبنى. \r\n \r\n خلال المداولات حول الوثيقة طُرحت مسألة النسبية والمعايير. هل يُسمح قتل عشرات الاشخاص الأبرياء من اجل اعتراض عملية؟ اعضاء الطاقم حاولوا الاجابة من خلال المعطيات: هل يُسمح بقتل عشرة اشخاص أبرياء من اجل منع عملية، بينما يحظر قتل مائة شخص من اجل ذلك؟. \r\n \r\n محاولة إعطاء أرقام للمعطيات المتعلقة بالعمليات باءت بالفشل، ولذلك سيضطر القادة لاستخدام منطقهم السليم وتقديرهم للموقف. حادثة محمد ضيف هي نموذج لذلك، محاولة الوصول اليه في قلب غزة بقوة راجلة أو مدرعة بهدف اعتقاله، كانت ستؤدي الى سقوط ضحايا كثيرين من الطرفين، ذلك لان الوصول اليه يتطلب القتال، وعلى هذا يفضل القيام بتصفيته من الجو. النجاح هنا كان جزئيا، محمد ضيف بقي حيا ولكن عدد السكان المدنيين الذين تضرروا من حوله كان قليلا نسبيا. \r\n \r\n الوثيقة ايضا تضع مبدأ الأولويات بصدد التزام اسرائيل تجاه مجموعات السكان المختلفة. وهي ملتزمة قبل كل شيء تجاه مواطنيها ولكنها ملزمة ايضاً بعد ذلك بالحد الأدنى من المس بالاشخاص غير الضالعين في العمليات والموجودين في المنطقة الخاضعة لسيطرتها. \r\n \r\n مثلا، عمليات الجيش الأخيرة في نابلس التي تمت في منطقة تابعة لسيطرة اسرائيل من الناحية الفعلية، ولذلك يتحرك الجيش هناك من دون فرض حظر التجول على كل المدينة ومن دون تشويش حياة سكانها. الجيش الاسرائيلي أصبح يسيطر على أجزاء واسعة من الضفة بعد عملية «السور الواقي»، ولذلك يمتنع عن تنفيذ عمليات تصفية موجهة من الجو، حتى يتجنب الأضرار البيئية الواسعة، وكذلك الحال مع العمليات التي تستخدم فيها المدرعات. \r\n \r\n مسألة اخرى تطرقت لها الوثيقة تتعلق بقضية ما هي درجة الخطورة المتوقعة في العمليات التفجيرية وما هي درجة ضلوع شخص معين في العمليات وما هو مستوى الخطر المحدق الذي تتسبب فيه عملياته. الاجابات على هذه الاسئلة تسمح للقائد باختيار التوقيت والوسائل لمواجهة المعضلة. \r\n \r\n فصل كامل في الوثيقة مكرس للصراع حول الوعي. في السياق قيل ان من الواجب تحذير السكان الذين يعيشون في المناطق التي تجري فيها عمليات تصدي للاعمال الفلسطينية. كما جاء انه في كل تخطيط لعملية يجب أخذ التأثير السلبي على الرأي العام في اسرائيل وخارجها بالحسبان. \r\n \r\n الوثيقة تعترف بالحاجة للقيام بعمليات تهدف الى الردع، ولكنها تقول ان من الواجب القيام بكل شيء للامتناع عن المس بالاشخاص غير الضالعين في اعمال المقاومة بصورة مباشرة. مثلا، قصف منشأة تابعة للسلطة في الايام الاولى للانتفاضة كان يحدث عموما بعد إنذار مسبق لاخلاء المكان. \r\n \r\n وثيقة مباديء الاخلاقيات العسكرية في مواجهة المقاومة الفلسطينية ليست مخصصة للجنود على الحاجز أو للجنود الموجودين في كمين داخل منزل ولا يعرفون كثيرا كيف يتصرفون مع أبناء العائلة الذين سيطروا على منزلهم: هذه الوثيقة مخصصة للقادة الذين يخططون للعمليات الميدانية. الوثيقة يجب ان تكون واضحة حتى تحافظ على استمراريتها وان لا تُصاغ بصورة معقدة وقانونية كما هي اليوم. لا شك انها وثيقة هامة كان الجيش يفتقدها. \r\n \r\n ولكن من المهم ان يتم تنسيق الوثيقة بحيث تتلاءم مع المستويات الأقل مرتبة، ذلك لان التعليمات الواردة من الأعلى يمكن ان تكون مثالية، ولكن عملية التنفيذ في الأسفل هي التي تحدد العلاقة والمعاملة مع السكان غير الضالعين في نشاط المقاومة. الوثيقة يجب ان تكون مفصلة وواضحة أكثر ليس فقط في قضايا التصفية الموجهة وانما في قضايا الحياة اليومية في ظل مكافحة الارهاب، مثل ان تحدد التعامل في قضية الجدار الفاصل الذي يتوجب ان يسعى لتقليص الضرر الذي يلحق بالسكان غير الضالعين في المقاومة. \r\n \r\n من المهم ان يسير معدو التقرير بعد هذا الجهد خطوة الى الأمام وان يتركوا مساحة أقل قدر المستطاع للتأويل والتكهنات حتى تكون وثيقتهم واضحة ومحددة، وإلا فان الفجوة بين النظرية والواقع على الارض قد تتسبب في ان يعلو الغبار هذه الوثيقة الموضوعة في الأرشيف. \r\n \r\n \r\n يديعوت احرونوت