ذلك أن الأجرة التي تدفع للعامل الصيني لقاء الساعة الواحدة، لا تمثل سوى جزء ضئيل جدا من الأجرة التي تدفع إلى نظيره الأميركي أو الأوروبي. ليس في هذا جديد أو ما يصنع الأخبار. غير أن الجديد الذي يصنع الأخبار حقا، هو أن هذا الفارق في تكلفة الإنتاج، يرجح له أن يزداد بدلا من أن يضمُر. فالذي يحدث الآن هو أن أجرة العامل الأميركي أو الأوروبي تتراوح ما بين 15 إلى 30 دولاراً عن الساعة. أما في الصين، فإن هذه التكلفة تقل عن الدولار الواحد! وفيما لو ارتفعت الأجرة في الصين خلال الخمس سنوات المقبلة، بمعدل 15 في المئة سنويا، بينما تواصل ارتفاعها بمعدل 3 إلى 4 في المئة سنويا، في كل من أوروبا والولايات المتحدة-وهذا الأخير هو معدل الارتفاع الصحي الطبيعي- فإن معدل الأجرة الصينية سيرتفع إلى دولارين بحلول عام 2009، مقابل 18 إلى 33 دولاراً في كل من أوروبا وأميركا. ومن المرجح أن تزداد الهوة في الأجور بين الصين والغرب، بدرجة أكبر، نتيجة لتطبيق نظام تعويضات العاملين في الاستثمارات ومؤسسات العمل الغربية. \r\n \r\n أما على صعيد قيمة صرف العملات، فإنه ليس متوقعا أن تحدِث هذه الفوارق في الأجور، أية تغييرات كبيرة في قيمة العملات. غير أن من الصعب- بل ومن الخطورة بالطبع- أن نتكهن بما ستكون عليه أسعار الصرف خلال الخمسة أعوام المقبلة. ومع ذلك فربما كانت التجربة اليابانية عاملا مساعدا في وضع تقديرات وتكهنات كهذه. فبفعل النجاح الكبير الذي حققته اليابان في مضمار التصدير على المستوى العالمي، ارتفعت قيمة صرف الين الياباني مقابل الدولار الأميركي، من 360 في بداية السبعينيات، إلى 100 اليوم. أما في حالة رصد الثلاثين عاما الماضية، فقد ارتفعت قيمة صرف الين الياباني مقابل الدولار الأميركي، حوالي أربعة أمثالها خلال العقود الثلاثة هذه. وفي حال قدر لليون الصيني أن يحقق ارتفاعا مماثلا لنظيره الياباني مقابل الدولار خلال السنوات الخمس المقبلة، فإن فجوة الأجور التي تفصل ما بين أميركا والغرب، من جانب، والصين من الجانب الآخر، ستضيق كثيرا. وحتى لو حدث ذلك، فإن الفارق بين الصين وأميركا في معدلات الأجور، سيكون بنسبة أقل من 50 في المئة عن الأجور التي يتقاضاها العمال الأميركيون. \r\n \r\n من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الذي يدفع معدلات الأجور في المقام الأول، هو قانون العرض والطلب. فما أن ينمو القطاع الصناعي الصيني، وتنمو معه الطبقة الوسطى، حتى ترتفع كذلك معدلات الأجور، وغيرها من العناصر الأخرى المشاركة في عملية الإنتاج. لكنها مهما ارتفعت، فإنها لن تصل إلى الحد الذي يمكنها من سد الفجوة الفاصلة بين الصين والولايات المتحدة في هذا الجانب. كما أنها لن ترتفع حتى تؤدي إلى تحسين المستويات التنافسية للعمالة في أميركا أو ألمانيا أو فرنسا أو اليابان مثلا. فالفجوة عميقة جدا بين هذه الدول والصين الغنية بما لا يقاس بالأيدي العاملة، إلى درجة تجعل من الصعب والمستحيل ردمها. ففي الصين، لا يزال هناك حوالي 800 مليون مواطن ممن يعيشون في الريف. وهذا العدد وحده، يكاد يساوي تقريبا ثلاثة أضعاف إجمالي عدد السكان الأميركيين. \r\n \r\n ونتيجة للهجرة المنتظمة والمستمرة للأيدي العاملة من الريف إلى المدن الصينية الصناعية، فإنه ليس متوقعا إطلاقا، حدوث أي ارتفاع في معدلات الأجور التي تتقاضاها العمالة ضعيفة التدريب، التي تغذي المصانع خلال العقد الحالي. ومع أنه صحيح على المستوى النظري، أن تطالب العمالة الأعلى تأهيلا وتدريبا بأجور أعلى، إلا أن عدد العمال الذين يتأهلون لشغل أماكن ووظائف هؤلاء العمال المهرة، هو في ارتفاع أيضا. ولدى المقارنة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية في مجال التخصصات الهندسية مثلا، أظهرت إحصاءات \"المجلس القومي للعلوم\" أن عدد خريجي هذه التخصصات من الصينيين، يعادل ، ثلاثة أضعاف عدد الأميركيين الذين يتخرجون في التخصصات ذاتها سنويا. \r\n \r\n وتمضي قصة الفجوة هذه، إلى ما هو أسوأ من ذلك. فالشاهد هو أن فارق الأجور لا يمثل سوى وجه واحد من وجوه تفوق الصين على غيرها في الفجوة المذكورة. هنا لابد من أن نضع اعتبارا للطاقة الإنتاجية للعمالة نفسها. ولما كانت ثمة طرق عديدة لقياس هذه الطاقة الإنتاجية، فهي تشمل فيما تشمل، النوعية والجودة، والسعة الإنتاجية عن الوحدة الواحدة من التكلفة الإنتاجية، وكذلك السعة الإنتاجية عن الوحدة الواحدة من رأس المال وتكلفة الدعم الإنتاجي. وفي كل هذه المجالات، يحقق الصينيون تفوقا كبيرا على غيرهم- غير أن ذلك لا يحدث دائما وفي كل مرة- ولكن تبقى حقيقة لابد من الاعتراف بها، وهي أنه ما أن تحل المشكلات الإنتاجية التي يواجهها مصنع صيني ما، ويتم توجيه طاقته الإنتاجية في خطوطها ومسارها الصحيح، حتى يبدأ ذلك المصنع تحقيق مستوى من الجودة، لا يقل بأي حال من الأحوال عن نظيره في أي من المصانع الغربية المماثلة. \r\n \r\n أما فيما يتعلق بمتطلبات رأس المال، فإن رأي الشركات والاستثمارات الغربية العاملة في الصين، أن تقلل تكلفة رأس المال إلى معدلات تقل بكثير عن نظيرتها في البلدان الغربية. والشاهد أن هذه الشركات تنفق حوالي 50 في المئة، نظير ما تنفقه في بلادها، لشراء المعدات والماكينات، عند شرائها من السوق المحلية الصينية الرخيصة. أكثر من ذلك، فإن لدى هذه الشركات والاستثمارات خيارات أخرى لخفض تكلفة رأس المال. وتتمثل هذه في التعويض عن ارتفاع سعر الماكينات والمعدات، بانخفاض تكلفة العمالة المحلية الصينية. علاوة على كل هذه المزايا، فإن الصين تقدم حوافز أخرى كثيرة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية والغربية والأميركية خاصة. فتكلفة الأرض منخفضة عموما، وكذلك التعرفة الجمركية الخاصة بالاستيراد، إضافة إلى انخفاض المعدلات الضريبية. إزاء كل هذه الحقائق الاقتصادية عن المناخ الاستثماري في الصين، والفارق الكبير الذي يفصل بينها والغرب، فيما يتصل بالعمالة وانخفاض تكلفة الإنتاج، فإن من المرجح أن يهاجر المزيد والمزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال الأميركية باتجاه الصين خلال العقد الحالي. \r\n \r\n جورج ستوك: نائب رئيس\" مجموعة بوسطن الاستشارية\" في تورونتو \r\n \r\n ديف يونج: نائب رئيس المجموعة نفسها في مدينة بوسطن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n