\r\n وعلى رغم إيجابية الاقتراح، إلا أنني لا أعتقد أن هذه الخطوة وحدها، ستكون كفيلة بحل المصاعب والمعضلات التي نواجهها حاليا. ذلك أن هجمات سبتمبر، كشفت عن مجموعة من التحولات الكبيرة المذهلة، التي حدثت خلال العقدين الأخيرين من تاريخ البلاد. وفيما يبدو، فإن انخفاض تكلفة معالجة المعلومات والبيانات، وكذلك انخفاض تكلفة الاتصال، أحدثا معا، ثورة كبيرة في مجال تقنية المعلومات، مما جعل تنسيق هجمات إرهابية على المستوى الدولي أمراً ممكناً. ففي عالم اليوم، أصبحت للمنظمات غير الحكومية، الكفاءة والقدرات ذاتها، التي كانت حكراً على الوحدات والمصالح الحكومية سابقا. وأضحى في وسع أي فرد، التمتع بمزايا الاتصال الدولي، بتكلفة لا تزيد على تكلفة الذهاب إلى أي من مقاهي الإنترنت. أضف إلى ذلك، أن الصور الملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية، التي كانت تتسم بالسرية حتى الأمس القريب، أصبحت متاحة للخدمات التجارية عبر الشبكة. \r\n \r\n وفي المعلومات مصدر قوة هائلة بالطبع، إلا أنها اليوم أصبحت عامة ومشتركة أكثر من أي وقت مضى، من تاريخ البشرية القديم والحديث. وفي ظل هذا الواقع، هناك من المنظمات الدولية غير الحكومية، من توظف هذه المعلومات لخير الإنسانية وخدمتها، مثلما تفعل منظمتا \"أوكسفام\" و\"هيومان رايتس ووتش\". أما تنظيمات أخرى مثل \"القاعدة\"، فإنها توظف المعلومات ذاتها، لخدمة غايات وأهداف إرهابية شريرة. وبحكم الشبكات المنتشرة على امتداد ما يزيد على الخمسين دولة، فقد أصبح \"الإرهابيون\" أكثر دينامية وحركة، وأشد قدرة على القتل وإلحاق الدمار بأهدافهم، من ذي قبل. وللمقارنة، فقد صرع \"الإرهابيون\"، من الضحايا الأميركيين في هجمات الحادي عشر من سبتمبر على كل من \"واشنطن\" و\"نيويورك\"، أكثر مما فعل اليابانيون في ميناء \"بيرل هاربر\" خلال الحرب العالمية الثانية عام 1941! \r\n \r\n وعلى رغم صحة نظرة الرئيس \"بوش\" في تحويل اهتمام السياسة الخارجية الأميركية ل\"الإرهاب\" وأسلحة الدمار الشامل، إلا أن الاستراتيجية التي تبناها، لم تأخذ في الاعتبار بالمتغيرات السياسية التي طرأت على المسرح الدولي. ذلك أن النصر في السابق، ووفقا للمفهوم التقليدي، كان عادة لمن يكسب الحرب عسكريا. غير أن النصر في عصرنا هذا، عصر المعلوماتية الدولية، يكون حليف من تفوز رؤيته ومعلوماته في ساحة حرب المعلومات. وهذا يعني أن قوتنا العسكرية \"الخشنة\" لا تكفي وحدها، وأن علينا أن نطور من المهارات والقدرات، ما يمكننا من كسب العقول والقلوب، بالقوة المعلوماتية \"الناعمة\" أيضا. ويتطلب هذا، أن تكون لنا القدرة على جذب الآخرين نحونا، بقيمنا وثقافتنا. \r\n \r\n وكانت إدارة الرئيس السابق \"بيل كلينتون\"، قد ارتكبت خطأ فادحا باستجابتها لبعض المطالب المرفوعة من الكونجرس، بحل وكالة الإعلام الأميركية. إلى ذلك كان وكيلان سابقان متعاقبان لوزارة الخارجية، قد أخفقا في توظيف المزايا التي تتمتع بها هذه الوكالة، إثر تحويلها إداريا لوزارة الخارجية. وعلى الصعيد المالي، فإن الميزانية الكلية المخصصة للتبادل والبث الثقافيين، لا تزيد على المليار دولار، أي الميزانية نفسها التي تنفقها كل من بريطانيا أو فرنسا لهذا الغرض. \r\n \r\n والواقع أن القوة في عالم اليوم، تبدو أشبه بلعبة شطرنج ذات ثلاث طبقات. أعلى هذه الطبقات، العلاقات العسكرية بين الدول، علما بأن الولاياتالمتحدة، تمثل الدولة العظمى الوحيدة الآن. أما في الطبقة الوسطى، فهناك العلاقات الاقتصادية، حيث تعادل فيها كل من اليابان وأوروبا والصين وغيرها من الدول، الوزن الاقتصادي لأميركا. وفي الطبقة السفلى، هناك العلاقات البينية، العابرة للحدود بين الدول والشعوب، وتقع هذه، خارج سيطرة الحكومات، بما فيها بالطبع أنشطة \"الإرهابيين\". وفي هذه الطبقة بالذات، تتوزع القوة على نحو عشوائي فوضوي، تصعب السيطرة عليه. ومعضلتنا التي نواجهها حاليا، تكمن في أننا لا نزال على استعدادنا وتأهيلنا القديم، الذي جرى إعدادنا خلاله، للتركيز على الطبقة الأولى من هذه اللعبة- أي العلاقات العسكرية- في حين أن أعظم المخاطر، إنما تكمن في الطبقة السفلى منها. ولا يزال واجبا علينا، أن نتعلم كيف ننسق بين الطبقات الثلاث مجتمعة. \r\n \r\n كانت إدارة \"كلينتون\" قد طورت مجلسا للاقتصاد القومي، استطاع أن يحقق المزيد من التماسك في الجبهة الاقتصادية- أي في مستوى الطبقة الوسطى- غير أنه لم يتمكن من توفير التنسيق الكافي، مع المهام العسكرية السياسية، التي ينهض بها مجلس الأمن القومي. واستمرت المشكلة ذاتها، في ظل إدارة \"بوش\" الحالية. وهكذا عجزت كلتا الإدارتين في التنسيق وتحقيق الانسجام الكافي، بين القوتين \"الخشنة\" و\" الناعمة\". والمقصود هنا التقصير في المزج بين القوة العسكرية الضاربة، والقوة الاقتصادية والثقافية. \r\n \r\n فكرة الطبقات الثلاث نفسها، تنعكس على الجانب الأمني كذلك. ويعني هذا ضرورة وجود خمسة نواب لمدير مجلس الأمن القومي، يتولى أولهم الشؤون السياسية العسكرية للمجلس، في حين يتولى الثاني مهام إدارة الشؤون الاقتصادية الموكلة للمجلس القومي الاقتصادي. أما مهام \"القوة الناعمة\" وهي المهام ذات الصلة بالدبلوماسية، والعلاقات الثقافية، والدعم الخارجي، وما إليها، فهي من شأن نائب المدير الثالث. إلى ذلك، تقع مسؤولية الإشراف العام على الشؤون الاستخباراتية والأمنية على النائب الرابع. وأخيراً فإن من واجبات النائب الخامس، أن يتولى أمر التخطيط ورسم السياسات، أكثر من توليه مهام تنفيذية. وفي النهاية، فإن المسؤولية تجاه تنفيذ استراتيجية السياسة الخارجية، تقع على عاتق الرئيس، الذي يحتاج إلى مجلس أمن قومي مؤهل، كي يجعل من تلك الاستراتيجية وسيلة أكثر فاعلية، وأقوى تأثيرا على المسرح الدولي. وإلى حين يأتي الوقت الذي نحدِّث فيه مؤسساتنا ووسائل عملنا المتوارثة من فترة الحرب الباردة، فإننا سنظل نواجه المصاعب ذاتها، التي تجعلنا عاجزين عن مواكبة التغيرات والمهددات، التي تفرضها علينا ثورة المعلومات، التي شهدها عصرنا الحالي. \r\n \r\n \r\n جوزيف س. ناي \r\n \r\n أستاذ في كلية شؤون الحكم بجامعة \"هارفارد\" ومؤلف كتاب \"القوة الناعمة\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\"