وتحتاج أسباب هذا الاختلاف إلى التفحص والمعاينة. ذلك أن الأمر يستند إلى خلافات حاسمة في الرأي حول مستقبل حلف الناتو الموسّع ومستقبل العراق وكذلك حول السياسة الخارجية الناشئة الآن كذلك حول الموقف الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي نفسه، هذا باعتبار أن الاتحاد الأوروبي له هوية استراتيجية من المفترض أن تكون مكمّلة للهوية الاستراتيجية لحلف الناتو- لكن من المحتمل أيضاً أن تكون منافسة لها. وفي أبسط الاعتبارات، أثير هذا الاختلاف بفعل العداء لسياسات إدارة بوش. \r\n \r\n وفي الوقت الراهن، يكمن الاختلاف الرئيسي ما بين المناهج الأوروبية والمناهج الأميركية في التعامل مع الشرق الأوسط. فمن المقرر أن يكون البرنامج الأميركي المعلن (والمتوقف الآن بسبب التمرد في العراق) معنياً باستبدال حكومات \"محور الشر\" في الشرق الأوسط بديمقراطيات إسلامية تحت رعاية الولاياتالمتحدة. \r\n \r\n والأوروبيون قادرون على فهم هذا الطموح حق الفهم، لكنهم مرتابون في إمكانية تحقيقه وملاءمته وفي الطرق التي تتبعها الولاياتالمتحدة. ذلك أنهم، من حيث المبدأ، يعارضون الممارسات التدميرية المبررة بالثقة الأيديولوجية والطوباوية في أن التدمير سيولّد نتائج بنّاءة. ولذلك فإن العراق لا يشكّل سبباً يدفعهم إلى تغيير رأيهم هذا. والأوروبيون يشكّون على وجه الخصوص في سياسة أميركية تقدّم عملياً الدعم الكامل والمطلق إلى حكومة شارون في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وهو موقف من الواضح أن جون كيري المرشح الرئاسي الديمقراطي شريك فيه. \r\n \r\n ولا يلقى هذا الموقف تأييداً من أي من الأعضاء الأوروبيين في حلف الناتو الذين يلتزمون اسميا بسياسة \"الرباعية\" الدولية، وهي السياسة التي تخلت عنها واشنطن كما يبدو (أو بالفعل). ذلك أن أولوية الدبلوماسية الأميركية في الأشهر الماضية كانت معنية بإشراك الناتو في العراق، باعتبار أن هذا من شأنه تحقيق تطابق في الموقف بين الحلف والحلفاء الأوروبيين من جهة، والسياسة الأميركية من جهة أخرى. وكان مفاد الطلب الأميركي الموجّه إلى الأوروبيين هو مساعدة واشنطن على \"دمقرطة\" العراق وعلى \"دحر الإرهاب\". \r\n \r\n وقد أرادت واشنطن في الأصل وجود قوات الناتو القتالية في العراق لكي تخفف الضغط عن القوات الأميركية، لكن ذلك برهن على أنه شيءٌ مستحيل. والآن، تريد واشنطن من الناتو أن يقوم بتدريب قوات الأمن التابعة للحكومة العراقية المؤقتة (هذا على رغم أن مرادها قد لا يتحقق). ذلك لأنها تريد انخراط الناتو بدرجة كافية لكي ترفع عن الولاياتالمتحدة عبء غزو العراق واحتلاله على مبدأ الأحادية، ولترفع عنها أيضاً مسؤوليتها، المترتبة عليها وحدها، عن العواقب الفوضوية في ما يتعلق بالعراق. \r\n \r\n وقبل سنة من الآن، كان المقصود من السعي إلى تحديد هوية التدخل، كما تقوم به \"قوات ائتلاف\"، هو تحقيق اقتران المجتمع الدولي بسياسة الولاياتالمتحدة. غير أن مشاركة حكومة توني بلير المخلصة، وقوات من أعضاء آخرين في الناتو كبولندا وإيطاليا وإسبانيا، لم تكن كافية لتخفيف العداء الشعبي في أوروبا لغزو يتم تنفيذه من دون تفويض من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. \r\n \r\n ولم يكن هناك في أي بلد أوروبي عضو في الناتو أي تأييد من الأغلبية الشعبية لاحتلال الولاياتالمتحدة للعراق. بل كانت هناك درجات متفاوتة من التأييد الحكومي في كل من بريطانيا وإسبانيا والبرتغال وبولندا والدانمارك وهولندا، وهو تأييد استند إلى الولاءات عبر الأطلسية. فإسبانيا سحبت قواتها من العراق، كما أن معظم الدول الأخرى الأعضاء في الناتو - بما فيها بولندا- صارت لديها تحفظات جادة حيال ما يجري، إضافة إلى أن قلة فقط من أعضاء الناتو ترغب في مضاعفة الرهانات في العراق بواسطة تقديم التزام جديد من حلف الناتو. \r\n \r\n واليوم، صار التمرد في العراق خارجاً تماماً عن السيطرة، وصارت واشنطن تشعر بشيء من الذعر. ذلك أنها تريد وجود من يرافقها في أوقات البؤس، حتى إذا لم يبق في وسعها أن ترى أين ستأخذها الأحداث بعد أن تجري الانتخابات الوطنية العراقية في شهر يناير المقبل، أو حتى إذا كانت الحكومة العراقية المؤقتة ستدوم لفترة كافية لإجراء تلك الانتخابات. \r\n \r\n وفي خارج نطاق موضوع العراق، يكون العامل الأهم الآن هو ردة الفعل المتولدة في الرأي العام في البلدان الإسلامية والعالم النامي حيال ما فعلته إدارة بوش. ومن الممكن لالتزام إضافي من الناتو بمساندة أميركا أن يحوّل ردة الفعل تلك إلى قناعة راسخة بأن الصراع الذي بدأته واشنطن يعني بالفعل صراع \"الغرب ضد بقية العالم\"؛ وذلك أمر من شأنه أن يكون كارثياً. \r\n \r\n وتحتاج الولاياتالمتحدة نفسها إلى ما ينقذها من هذه الأزمة. ومن الممكن أن يكون في وسع إدارة أميركية جديدة أن تفعل ذلك. وذلك ما يعوّل عليه معظم الأوروبيين، لكنهم يضعون في جون كيري (بل وحتى في انتخابه رئيساً) ثقةً قد تبرهن على أنها في غير محلها. \r\n \r\n إن الأوروبيين ملزمون تجاه أنفسهم وتجاه العالم الإسلامي، وفي الواقع تجاه حليفتهم الولاياتالمتحدة، بواجب يقتضي منهم وقف الانزلاق نحو ما من شأنه أن يتعاظم إلى درجة حرب بين المجتمعات والشعوب- هذا على الأقل في الجانب الإسلامي (وليس فقط هناك). ولتحقيق ذلك الواجب، من المهم جداً ألاّ يعطي الأوروبيون مزيداً من الدعم للسياسات الأميركية الحالية المتعلقة بالعراق، وأن يحتفظوا بمنهج مستقل للتعامل مع العالم الإسلامي. ولذا لابد لهم من تقديم برهان عملي على أن التمدّن السياسي الغربي هو تمدّن جماعي ومفتوح وليس صرحاً متحجراً يصعب التعامل معه. \r\n \r\n يُنشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز\" \r\n