يبدو أن ثمة انقسامين جديين في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قبيل قمة بوخارست المقررة هذا الأسبوع، فيما يلعب الروس لعبة ذكية من خلال استغلال الاختلافات بين الولاياتالمتحدة وحلفائها الأوروبيين. وستكون إدارة هذه الانقسامات واحدة من أبرز التحديات الدولية الكبرى التي سبق وواجهها الرئيس الأميركي جورج بوش، لأن كل شيء يعتمد على دبلوماسيته الخاصة. والانقسام الأول في الحلف، سيكون حول تَردُد ألمانيا في إيذاء روسيا من خلال منح خطة عمل العضوية في «الناتو» لكل من أوكرانيا وجورجيا، والجمهوريتان سابقتان في الاتحاد السوفييتي، حيث ترغب موسكو في إيجاد منطقة نفوذ. وخطة عمل العضوية في «الناتو» هي مقدمة تسبق إعطاء العضوية الكاملة كما تريد الولاياتالمتحدة، لكن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا وبلجيكا والبرتغال ولوكسمبورغ وهولندا تخشى من أن توتر هذه الخطوة المساعي الأوروبية لتحسين العلاقات مع روسيا بعد انتخاب الرئيس الجديد ديمتري ميدفيديف. وكان الرئيس الأميركي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ناقشا المسألة عبر الهاتف ثلاث مرات خلال الأسبوعين الماضين، ويعتبر ذلك تحركاً دبلوماسياً شخصياً مكثفاً من قبل بوش، ويمكن النظر إليه على انه مؤشر على أهمية الموضوع وحجم الهوة التي تفصل بين مواقف هذين المسؤولين. ولم يتحسن الوضع الأميركي بعد ظهور أحد أقل الشخصيات الأميركية شعبية في أوروبا، وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، على المسرح الرسمي. ورامسفيلد مكروه بسبب دوره الرئيسي في الحرب ضد العراق وبسبب طريقته التقسيمية في تحديد الاختلاف بين أوروبا «القديمة» التي تضم حلفاء «الناتو» التقليديين والأعضاء «الجدد» من أوروبا الشرقية والوسطى، بالإضافة إلى أساليبه الاستبدادية. أما الانقسام الثاني، وهو أمر بات الحلف معتاداً عليه، ويتمثل بأفغانستان، حيث يرغب الأميركيون بإرسال مزيد من الجنود والمروحيات والموارد الأوروبية، فيما يرى الأوروبيون أن أي التزام إضافي بات مستحيلاً سياسياً. ويرى بعض الأوروبيين أن الأميركيين أدخلوا أنفسهم في هذه الفوضى من خلال حربهم السيئة الإدارة على الإرهاب ويمكن أن يخرجوا أنفسهم منها، فيما يعتبر البعض الآخر أن المعارك هناك ليست معاركهم على الرغم من أن مدنا أوروبية عدة مثل لندن ومدريد كانت عرضة لضربات من تنظيم «القاعدة».ويرى آخرون أن لا مجال لاتخاذ مخاطر سياسية من أجل «بطة عرجاء» مثل الرئيس بوش. ويأخذ بعض الأوروبيين كل هذه الأمور مجتمعة في الاعتبار ويشعرون بالغيظ لأن الأميركيين يشنون بحماقة حربين متناقضتين في الوقت نفسه: واحدة ضد حركة «طالبان» والثانية ضد الأفيون وهو الدعامة الأساسية للاقتصاد الأفغاني. ويعتبرون أن إحراق ومصادرة المصدر الوحيد تقريباً للأموال في بعض أجزاء أفغانستان المزدهرة ليس السبيل الأفضل للفوز بقلوب وعقول الأفغان، بل سيدفع قسماً كبيراً منهم باتجاه أسلحة «طالبان». أما بالنسبة إلى الروس فكانوا يراقبون بحذر بروز هذين الانقسامين داخل «الناتو». واقترح نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر غروشكو يوم الجمعة الماضي ان موسكو «تفكر في إمكانية تعميق» التعاون مع «الناتو» في أفغانستان، لكنه أوضح ان هذا متوقف على تراجع الحلف عن اقتراحه إعطاء خطة عمل العضوية في الناتو لكل من أوكرانيا وجورجيا. ويقدم الكرملين عرضاً مغرياً. فعلى الرغم من ان روسيا لن ترسل قواتها، إلاّ انها تقترح زيادة تسهيلات عبور قوات وموارد الناتو إلى أفغانستان. ويبدو ان هذا الأمر سيطال الرحلات الجوية والتنقلات البرية، كما انه يعني ان الروس سيوقفون جهودهم الرامية إلى إخراج الجيش الأميركي من القواعد في آسيا الوسطى التي بدأ في استخدامها بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. يشار إلى أن هذا تنازل سيجده حلف شمال الأطلسي مفيداً، في حين انه يكلف روسيا شيئاً قليلاً. ويضيف تحليل على طريقة ماكيافيلي، لجهة أن الغاية تبرر الوسيلة، أن الكرملين ليس مستاء أبداً لرؤية الأميركيين و«الناتو» غارقين في المستنقع الأفغاني لسنوات مقبلة فيتكبدون الخسائر ويثيرون نقاشات مريرة داخل الحلف حول مستوى التدخل والأضرار السياسية التي يخلفها الوضع في أفغانستان على الحكومات المشاركة. ويرجح ان من سيدفع الثمن المباشر هما حكومتا أوكرانيا وجورجيا اللتان بذلتا جهداً كبيراً من أجل الدخول إلى الحلف الأطلسي عبر خطة عمل العضوية.