وقد ظهرت الشواهد على مثل تلك الشروخ في الهجمات المتبادلة بين هذه المجموعات من خلال القنوات التلفزيونية العربية والمواقع الإلكترونية، وفي المقابلات مع المسؤولين العراقيين والأميركيين، فضلا عن تصريحات أعضاء بحركة التمرد نفسها وبعض العناصر المقربة منها. ويتحدث كل هؤلاء عن خلافات متصاعدة بين المقاتلين العراقيين المحليين والإسلاميين الأجانب حول الأهداف والأساليب والتكتيكات. ويقال إن بعض العراقيين عبروا عن نفورهم من الهجمات بالشاحنات المفخخة والهجمات الانتحارية داخل المدن والتي أدت إلى قتل مئات من المدنيين الأبرياء. وقال ضاري رشيد، البروفسور بجامعة بغداد والذي يعيش بسامراء، أحد مراكز التمرد، إن هذه الخلافات لا تعني «استسلام المسلحين، بل هي مرحلة لإعادة البناء وإعادة التقييم لإخراج العمليات بعيدا عن المدن، حتى لا تؤدي إلى قتل الأبرياء». وأضاف البروفسور رشيد قائلا إن الهجمات بالشاحنات الضخمة، والتي نفذها غالبا أجانب لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من النشاطات المسلحة «أساءت إلى سمعة المقاومة، ولذلك تعمل المقاومة مثلها مثل الحكومة، على تقليص نفوذ الأجانب». \r\n ولكن أعمال القتل ما زالت تحدث في كل أنحاء العراق، كما أن الخبراء لا يعتقدون أن الهجمات الكبرى قد انتهت بالضرورة. ولكن هذه الشروخ اتخذت منحى دراميا عندما نشر رجال ملثمون أطلقوا على أنفسهم اسم «حركة الإنقاذ»، شريط فيديو أعلنوا فيه أنهم سيطاردون أبو مصعب الزرقاوي ويقتلونه. ويقول المسؤولون العسكريون الأميركيون إن المجموعة تتكون من عناصر علمانية موالية لحزب البعث المنحل. وفي يوم الجمعة الماضي ظهرت مجموعة أخرى أعلنت عن نفس التهديدات للزرقاوي. كما نشر في نفس اليوم، على أحد المواقع الإسلامية، بيان يزعم أنه موقع من الزرقاوي يهاجم جمعية العلماء المسلمين، وهي جمعية عراقية سنية واسعة النفوذ لها علاقات قوية بحركة التمرد. وقد اتهم البيان هذه الجمعية بالضعف لأنها قدمت فدية مالية للحفاظ على روح الأميركي نيكولاس بيرغ، رجل الأعمال الأميركي الذي قتل في مايو (أيار) الماضي. وجاء في البيان «حاول بعض الوسطاء إنقاذ هذا الكافر وقدموا لنا كل الأموال التي يمكن أن نطلبها. ولكننا رفضنا، مع أننا كنا في حاجة إلى تلك الأموال للحفاظ على دوران عجلة (الهجمات)». \r\n وتختلف الآراء داخل مجموعات التمرد. ولا يستغرب أن تسمع عبارات تدين المقاتلين الأجانب، مثل تلك التي صدرت عن أحد الشبان بالفلوجة، والذي ينتمي إلى عائلة تحتل مواقع رفيعة داخل حركة التمرد. قال ذلك الشاب لمراسل عراقي «العراقيون لا يحتاجون إلى الزرقاوي أو لأعضاء القاعدة لمساعدتهم». \r\n ويبدو أن أنباء الانشقاقات كانت انغاما طيبة في آذان الحكومة الجديدة ورئيس وزرائها أياد علاوي. فاستراتيجية علاوي لإيقاف العنف هي زرع بذور الشقاق داخل حركة التمرد باستثارة النوازع الوطنية للعراقيين وحثهم على رفض وجود المقاتلين الأجانب وسط صفوفهم، باعتبار أن الأخيرين لا يعبأون بمصير العراق أو شعبه. وقد وعد علاوي بالعفو عن بعض العراقيين، مع وعيده بأن ينزل أشد العقاب بأولئك الذين لا يستجيبون للعفو. ويقول أياد علاوي وبعض أعضاء حكومته، إن تنفيذ هذه الاستراتيجية هو السبب وراء إجتماع علاوي ببعض أعضاء حزب البعث المشاركين في المقاومة وبالقادة القبليين لإقناعهم بأن مصالحهم ومصالح أولئك المقاتلين الأجانب ليست واحدة ولا منسجمة. وقال علاوي في مقابلة أجريت معه «نحن نفاوض من أسميهم غير المجرمين، أي أولئك الذين لم ينتموا في يوم من الأيام إلى النواة الصلبة مثل الزرقاوي ومساعديه وعناصر القاعدة. ولكننا في نفس الوقت سنكون حازمين جدا مع منفذي الإغتيالات والقتلة والإرهابيين». \r\n ولكن الكثيرين من المرتبطين بالتمرد يحذرون من الوصول إلى نتائج نهائية من جراء هذه الانقسامات، أو توقع النجاح للخطة التي اعلنها علاوي. ولا توجد أدلة قوية على أن أيا من الفرق المسلحة العراقية تعتبر حكومة علاوي السلطة الشرعية أو القيادة ذات السيادة في العراق. فما زال هناك 160 ألف جندي أجنبي داخل العراق وما زال الأميركيون هم الذين يقررون أهم الأشياء. ويقول كثير من العراقيين المتعاطفين مع التمرد إن القتال لن يتوقف ما لم يغادر آخر جندي أميركي أرض العراق. وقال متمرد سني عمره 25 سنة من بغداد «نحن لا نوافق على حكومة أياد علاوي لأنه عميل أميريكي». \r\n ويقول المسؤولون العراقيون والأميركيون أنهم يأملون أن تقبل المعارضة السنية في النهاية، تحويل معارضتها واحتجاجها على فقدان نفوذها، إلى معارضة سلمية ومعارضة سياسية، بخوض الانتخابات العامة المقبلة المقرر إجراؤها في يناير (كانون الثاني) 2005، بدلا من مواصلة القتال. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن توسع الهوة بين المسلحين العراقيين والمقاتلين الأجانب. ولكن الواقع يشير إلى أن مجموعة السنة تمثل أقلية واضحة وربما لا تتمكن عن طريق الانتخابات من الوصول إلى أية وظائف عليا في الدولة، رغم أنها حكمت البلاد المعروفة باسم العراق منذ أيام الخلافة العثمانية. ومن المحتمل أن تواصل الجماعات المسلحة قتالها، وأن تفعل ذلك ضد حكومة أغلبية منتخبة ديمقراطيا، تحت هيمنة الشيعة الذين يمثلون 60% من سكان البلاد. وقال مسؤول أميركي كبير وهو يشير إلى إمكانية إدارة السنة لظهورهم بصورة نهائية للوضع الذي ترغب أميركا في قيامه بالعراق «لنا أن نحول دون تحول هذا الاتجاه إلى واقع راسخ ومستمر». \r\n لكن حتى مع غياب معلومات استخباراتية تفصيلية كانت الخطوط العامة للمقاومة واضحة منذ بدأت تكسب زخما متصاعدا في الخريف الماضي. وعلى المستوى الأكثر أولية تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي في بعض الأحيان يتداخل بعضها ببعض; عرب سنّة يقودهم في الكثير من الحالات أعضاء سابقون في حزب البعث وجنود سابقون، وعرب شيعة يقودهم رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر، وأجانب من بلدان عربية ومسلمة. \r\n ويعمل الشيعة بشكل عام منفصلين عن السنة وأغلب المقاتلين الأجانب، ويستنتج الخبراء أن المتمردين السنّة لا يعملون تحت إمرة قيادة مركزية واحدة بل هم يتكونون من مجاميع مستقلة تنسق بشكل واه فيما بينها وهي قد جذبت الكثير من المتطوعين حسبما قالت تلك المصادر. \r\n ويبدو أن المعارك التي دارت خلال أبريل ومايو الماضيين قد غير العلاقات بين هذه المجاميع والقوة النسبية لكل منها. \r\n لكن ميليشيا الصدر التي تبدو ذات تدريب فقير قد لحقها إضعاف كبير حينما واجهت الوحدات الأميركية في بغداد وبعض المدن الجنوبية، حتى مع تصاعد شعبية الصدر. \r\n في الوقت نفسه يبدو أن الوضع العسكري للمقاتلين السنّة والأجانب قد تحسن بعد تجنب المسؤولين الأميركيين القيام بالهجوم العسكري الأخير على الفلوجة، وهم قد سمحوا بشكل أساسي على تأسيس ملاذ آمن للناشطين. \r\n ويجادل بعض الخبراء بأن تشكيل الحكومة الجديدة حتى لو أنها لم تقبل باعتبارها شرعية فإنها مع ذلك سلطت الضوء على الفارق في الأهداف بين مجاميع المقاتلين. \r\n ويبدو أن الجماعات المسلحة العراقية تقاتل ضد الأميركيين بالدرجة الأولى تحت اسمي صدام حسين والوطنية العراقية أو من أجل الحصول على دور أكبر في الحكم للعرب السنَّة. أما المقاتلون الأجانب فهم يتبنون أجندة أوسع في قتالهم ضد الأميركيين وهي أقل تحديدا بما يخص العراق وهي تقوم بأعمال التخريب تحت اسم الإسلام الناشط. لكن يبدو أن الحماسة الدينية قد جمعت بعض العراقيين بالأجانب. \r\n وقد يكون تشكيل حكومة ذات سيادة عاملا أساسيا في وقوع تحول في الرؤية لدى بعض المجاميع العراقية المتمردة. فالبعض راح يجادل أن ماضي علاوي كبعثي سابق (كان من المتشددين داخل الحزب قبل خلافه مع صدام حسين) قد بدأ بكسب ولاء بعض البعثيين للحكومة الجديدة. \r\n ولعل الرئيس الياور كذلك أكثر إقناعا، حسبما يقول مسؤولون عسكريون أميركيون، بصفته سنيا تحدث ضد الاحتلال. بل وحتى مع مسك الأميركيين بالسلطة المطلقة فإن العراقيين يديرون حكومة لديها سلطة مكتسبة من فئات واسعة، والمقاومة قد أخذت هذا الوضع بنظر الاعتبار حسبما يقول بعض الخبراء. \r\n وقال حميد البياتي نائب وزير الخارجية العراقي «عند أخذ كل هذه الأمور مع بعض فإنه ستجر بعض البعثيين لا كلهم صوب الحكومة. علينا أن نرى كم منهم سيشاركون في الحكم». \r\n وعلى الرغم من أن رجال العصابات العراقيين قد أثبتوا أنهم محاربون بارعون فإنهم المقاتلون الأجانب الذين توجه لهم الاتهامات في التخطيط للهجمات الكبرى، التي أصابت المساجد الشيعية ومقرات الأحزاب السياسية ومنظمات المساعدة الأجنبية. ففي يوم واحد من التفجيرات قتل ما يقرب من 200 شخص. \r\n يقول مسؤولون عراقيون وأميركيون إنه مع تكرر عمليات القتل لعراقيين أبرياء فقد أدى إلى إغضاب الكثير من العراقيين، والدليل على ذلك تلك البيانات التي تصدر باسم مجاميع مختلفة مشاركة في التمرد أو قريبة منها وفيها يبدو وجود معارضة للهجمات على مراكز الشرطة وخطوط النفط ومحطات الكهرباء التي تعد كلها بنى أساسية لعمل الدولة. \r\n وحينما سئل إذا كان مؤيدا لاستمرار القتال ضد الأميركيين قال الشيخ عبد الستار السامرائي أحد زعماء رجال الدين في جمعية العلماء المسلمين فإنه قال «نعم. المقاومة الصادقة والحقيقية البعيدة عن الفوضى وعن قتل الأبرياء ورجال الشرطة وتخريب البنى التحتية يجب أن تذهب لطرد الاحتلال من خارج البلد». \r\n لكن الغموض يظل قائما فيما إذا كان نقل السلطة نفسه قد عمّق الانشقاق بين العراقيين والأجانب وآل إلى تقلص الهجمات الإرهابية المريعة منذ 24 يونيو الماضي. ففي ذلك اليوم وقبل أربعة أيام من نقل السلطة للعراقيين بشكل رسمي وقعت تفجيرات منسقة في عدة مدن وأدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص. بعد ذلك توقع الأميركيون تزايد الهجمات كاحتجاج على تعيين الحكومة المؤقتة الجديدة لكن ذلك لم يتحقق. \r\n ومنذ ذلك فإن المتمردين ظلوا يضربون بحجم أقل وأبقوا هدفهم مقصورا على الجنود الأميركيين وضباط الشرطة العراقيين والمسؤولين الحكوميين والبنى التحتية. \r\n وقال البروفسور رشيد إن تحولات من هذا النوع جرت بشكل متعمد، إذ أن حركة التمرد أعطت الدكتور علاوي الفرصة لإثبات أنه يعمل من أجل مصالح العراقيين وأنه سيحاول تقليص ظهور الجنود الأميركيين أمام العراقيين. \r\n لكن مسؤولين آخرين لا يصلون إلى هذه الدرجة من التفاؤل. فإذا كان المسؤول العسكري الأميركي الرفيع لا يستبعد كبح المتمردين العراقيين الأجانب فإنه من الممكن حسبما قال أن يكون كل المتمردين قد تكيفوا مع الظروف وإنهم يركزون أقل على التأثير ضمن الأمد القصير بينما هم يطمحون للتأثير على الأمد الطويل. وأضاف «ربما هذا مجرد توقف تكتيكي. ما هو الحدث الكبير المقبل؟ الانتخابات». \r\n ويسلم المسؤولون الأميركيون بأنهم يفتقدون إلى معلومات استخباراتية موثوق بصحتها تماما حول الجماعات المسلحة بل حتى حول حجمها. فلعدة أشهر ظل المسؤولون الأميركيون يقولون علنا إن تلك الجماعات لم تجذب إلى صفوفها أكثر من 5 آلاف شخص. لكن المسؤولين يقولون في جلساتهم الخاصة إن العدد أعلى بكثير من ذلك، وكان قد صدر تقرير مفصل عن وكالة «اسوشييتد برس» في الأسبوع الماضي وفيه يقتبس من كلام مسؤول عسكري مجهول قال فيه إن عدد المشاركين في المقاومة يمكن أن يقترب من 20 ألف شخص. \r\n \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»