\r\n واظهرت الاحزاب القومية مستويات دعم محبطة للآمال، وذلك في البلدان المنضمة حديثاً للاتحاد الاوروبي وفي بعض من البلدان المؤسسة للاتحاد.ويمكننا هنا ان نحمل المسؤولية لتلك الانتخابات التي افرزت ذلك التغيير العكسي في اوروبا بسبب ما جاء به جيسكار ديستان. فلقد كان هو عندما كان رئيساً لفرنسا الذي ضغط من اجل عقد انتخابات مباشرة للبرلمان الاوروبي على اساس ان مثل تلك الانتخابات من شأنها ان تربط الشعوب بقارتهم. \r\n لقد تحققت فوائد كثيرة من وجود برلمان متفرغ يعمل طوال الوقت يضم اوروبيين ملتزمين بمسؤولياتهم، وانا لا املك إلا ان احترم تلك الجهود المخلصة وذلك الالتزام الذي لم يتوان اعضاء البرلمان في اظهاره في عملهم. غير ان مصالحة الشعب على أوروبا هو امر لم يكن ضمن انجازات البرلمان الاوروبي. \r\n منذ اسبوعين لم تعبأ أغلبية واضحة من الاوروبيين بعملية التصويت، وجاءت الاغلبية العظمى لهؤلاء الذين اقبلوا على العملية لتصوت على قضايا قومية، وليس على قضايا اوروبية، ان الحكومات الاوروبية لم يسعفها ذكاؤها لاكتشاف ان الانتخابات المباشرة كانت أمراً استغله مواطنوها كفرصة لا تكلفهم شيئاً كي يوجهوا ضربة بسيطة ينذرون بها حكامهم. ان الامر يمثل درساً مفيداً يوضح الاخطار المرتبطة بعملية فرض الديمقراطية من خلال اجتماعات قمة. \r\n لم يكن هناك ابداً طلب شعبي لعقد انتخابات لعضوية هيئة معظم المواطنين لا يعلمون عنها شيئاً، كما ان الجماهير لم تقتنع بالتصويت على أساس مبدأ ديستان الذي يفيد ان مثل تلك الانتخابات المباشرة للبرلمان من شأنها ان تربطهم بأوروبا. وتشهد عملية الاقبال على التصويت في تلك الانتخابات الخاصة بالبرلمان الاوروبي منذ انطلاقها منذ 25 عاماً انخفاضاً متواصلاً مع كل مرة تعقد فيها تلك الانتخابات. \r\n وفي اعقاب الانخفاض الاخير في الاقبال على التصويت اجتمع عدد من رؤساء الوزارات اضافة لمن يصاحبهم من مساعدين لمناقشة وضع دستور أوروبي تبعاً للاقتراح الجديد الذي تقدم به جيسكار ديستان والخاص بربط الشعوب بقارتهم من خلال دستور جديد. هناك كثير من التحسينات الواضحة والمنطقية في مسودة النص الخاص بهذا الدستور، فمن الصواب ان يكون هناك رئيس متفرغ شبه دائم لمجلس الوزراء بدلاً من ذلك الشكل الحالي للرئاسة الذي يتغير فيه الرئيس كل ستة اشهر من بين رؤساء وزارات اوروبا الذين من المفترض منهم ان يتعاقبوا على منصب رئاسة البرلمان ويقودوا اوروبا في أوقات فراغهم المتبقية من فترة ادارتهم لشؤون بلادهم. \r\n غير ان الانشغال والهوس بالقواعد والاجراءات التي تحدد عمل المؤسسات الاوروبية هو امر لا يهم إلا القادة المجتمعين في بروكسل. فنحن لا نجذب انتباه الشعوب ونثمر فيها مشاعر الانتماء الى اوروبا والمشروع الاوروبي من خلال دمج الدعائم الثلاث الموجودة في المعاهدات الاوروبية في شخصية وهوية واحدة خارجية مشتركة. \r\n ان الاتحاد الاوروبي يواجه خطر ان يصبح اداة محاكاة تهكمية ساخرة من نفسه بالتحول الى آلة دائمة لافراز تعديلات دستورية جديدة، فبعد المفاوضات الماراثونية التي شهدتها مدينة نيس حول المعاهدة الماضية، اراد كثير منا ممن نجوا من تلك الايام الاربعة من العراك الدستوري أرادوا ان ترجع المؤسسات الاوروبية للاتصال بالعالم الحقيقي مرة اخرى. وللأسف فإنه حتى قبل ان يتم ابرام معاهدة نيس، قام الاتحاد الاوروبي بتدشين برنامج من شأنه ان يعيد صياغة تلك المعاهدة بشكل شامل. \r\n ان المشكلة المتكررة للاتحاد الاوروبي هي ان معظم اللحظات الدقيقة والحاسمة لديه تحدث من خلال اجتماعات قمة مبالغ فيها لدرجة الحماقة تعقد في اجواء خاصة لا يتم فيها عقد اي اجتماعات اخرى سوى مثل تلك التجمعات. فالهوس الجديد بالاعتبارات الامنية يزيد من عزلة تلك الاجتماعات. \r\n نعم ليس متوقعاً اليوم ان يقوم رؤساء الوزارات بركوب دراجات وقيادتها في الشوارع عند ذهابهم لتناول وجبة الغذاء كما كانت الحال في امستردام منذ ستة أعوام. ان الرسالة الظاهرة التي تعكسها النشرات الصادرة عن اجتماعات القمة التي تحدث اليوم تفيد ان اوروبا غدت تجمعاً لصفوة سياسية ليس لها ارتباط بأي شكل من الاشكال بالمواطن العادي في القارة. \r\n ولن ينال قادة اوروبا الدعم الشعبي الذي يريدونه من اجل القارة، إلا اذا قاموا بنقل تركيزهم الى القضايا التي تهم تلك الشعوب غير الموجودة معهم في غرفة الاجتماعات. والمفارقة التي تثير حنق هؤلاء منا الذين لديهم التزام بأوروبا تكمن في انه لا يوجد نقص في حجم الدعم الشعبي لقضية الاندماج والتكامل. \r\n فقارة بلا حدود من شأنها ان تزيد بشكل دراماتيكي حجم التبادل التجاري وحرية الحركة واتساع حجم المنافسة يعني خفض اسعار المكالمات الهاتفية ورحلات الطيران امام المستهلك. ووجود مستويات جيدة من الحقوق الاجتماعية والاقتصادية تمكن الطبقات العاملة من الشعب من مواجهة عمليات التمييز والاعتراض على ساعات العمل الزائدة عن الحد. والأهم والأكثر قيمة في هذا الصدد هو ان الدول التي كانت تعادي بعضها بعضا ايام الحروب تعود بشكل لا رجعة فيه كطرف في شراكة اقتصادية مرتبطة ببعضها البعض. \r\n وبدوري سوف اعطي خمسة جنيهات لأول شخص يسمع بأي من تلك الامور الايجابية التي ذكرتها في اي نشرة صحافية تصدر عن قمة بروكسل. فبدلا من ان نؤكد على تلك الايجابيات، فإنه يجري اعدادنا وتجهيزنا لسماع مؤتمرات صحافية لتوني بلير يقرأ فيها عددا من السطور الحمراء. قد ينجح بلير، ولكن سبب نجاحه لن يكون بسبب انه نال موافقة حقيقية على تلك السطور عندما ناقشها المجلس الاوروبي اخر مرة منذ ستة اشهر. \r\n غير ان هناك مشكلة رئيسية في الموقف الشعبي الذي تبناه بلير خلال المفاوضات. فبلير لم يذهب الى بروكسل وهو عازم على الحصول على دستور جيد لأوروبا. لقد غادر بلير بريطانيا الى بروكسل، وهو يعلن بجرأة وتحد تصميمه على الدفاع عن بريطانيا ضد التهديد الذي يرى ان الدستور يمثله لها. ومن هذا المنطلق فإن اي نجاح حققه بلير في بروكسل هو انتصار على أوروبا وليس لأوروبا. وأنا لست افهم كيف انه بعد ذلك يعتزم تدشين حملة وهمية لاقناع الشعب بالتصويت لصالح اوروبا التي قام هو نفسه بالتغلب على التهديد الذي يقول ان القارة تمثله. \r\n وفي المقابل نجد ان برنامج روبرت كليروي سيلك يملك ميزة البساطة الشديدة للغاية فعندما تم سؤاله عما يعتزم فعله في البرلمان الاوروبي، رد سيلك والسرور يعلو وجهه بالقول: «سأدمره». ومن المفترض ان يقوم سيلك بالمحافظة على حرية الحركة التي مكنته من الاقامة بفيلا في اسبانيا حيث اتفق مع احد اعضاء الحزب بأن يتم خوض انتخابات الحزب على اساس حماية التقاليد البريطانية من كل العادات الاوروبية المغوية التي يمكن رؤيتها من شرفة الفيلا. \r\n بعض من التعليقات التي تناولت انتخابات المجالس المحلية في بريطانيا تكهنت بأن صعود نجم حزب الاستقلال البريطاني يمثل مشكلة لحزب المحافظين، ولكنه في الوقت نفسه امر يساعد حزب العمال. وعلى المستوى الشخصي اجد ان الظهور القوي لحزب الاستقلال هو امر كارثي بالنسبة للحزبين ولبريطانيا ايضا. \r\n ان رد فعل بلير للتهديد الانتخابي الذي يمثله ذلك الحزب لم يتمثل في تحديه وابراز عيوبه. فهو قد اعرب عن رغبة في الوصول الى تسوية معه، الامر الذي يعد خطأ جسيماً في التعامل مع حزب الاستقلال. فليست هناك اي ارضية مشتركة من اي نوع مع ذلك الحزب يمكن من خلالها حزب العمال الجديد تأسيس احدى الدعائم الخاصة بالطريق الثالث الذي يفضله، ونحن لا ينبغي لنا ان نتسامح مع الشيفونية التي يغذيها اعضاء ذلك الحزب. \r\n عندما التقيت انا ليند، وزيرة خارجية السويد لآخر مرة قبل مقتلها، اخذت توبخني بسبب تنامي اتجاه القوميين في الحكومة البريطانية وحذرتني بالقول: «نحن لن نهزم اليمينيين بالموافقة على انهم لديهم الاجندة الصائبة». ونحن لن نهزم اعداء اوروبا باتخاذ موقف هو اكثر تشدداً منهم فيما يتعلق بقمة بروكسل. كما اننا لن ننتصر الا عن طريق اقناع الشعب البريطاني بأن اوروبا لا تمثل تهديداً لنا واقناعه بأن تلك القارة تعد ميزة لنا. وهذا الامر يحتاج اجندة هي مختلفة كل الاختلاف عن تلك التي عرضتها قمة بروكسل. \r\n \r\n اندبندنت \r\n