واذا ما حاول المرء النظر الى هذه المسألة من منظار اخر, فانه يستطيع التوصل الى قناعات قابلة للجدل. فهناك قضيتان مترابطتان تتعلقان بمستقبل الطاقة, سيكون لهما دور كبير في صياغة مستقبل الاقتصاد والسياسة على مر عقود مقبلة. \r\n \r\n اولى هذه القضايا تدور حول المجازفة المتنامية في اعتماد دول العالم قاطبة وبخاصة امريكا على النفط, وبخاصة النفط المتوفر بوفره هائلة في منطقة الشرق الاوسط وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص. وبما ان احدا لا يتسطيع ان يتكهن تماما كم تبقى من احتياط النفط او كم ستتكلف عمليات استخراجه, الا ان الانتاج العالمي من النفط الخام سيصل على الارجح, وطبقا لتقديرات الخبراء والباحثين المختصصين في هذا المجال, الى ذروته في وقت ما من ربع القرن المقبل, بل وربما في السنوات القليلة المقبلة, بحيث تبقى بقايا امدادات النفط تتركز في الشرق الاوسط المتقلب. \r\n \r\n وسيتصاعد الطلب العالمي على الطاقة الى مستويات عالية في نفس الوقت مع نمو اقتصادي واضح في بعض الدول مثل الصين والهند والبرزايل. \r\n \r\n واذا كان الشرق الاوسط قد وصل وكما هو واضح بالفعل, الى حافة الانهيار, فيمكن للمرء ان يتخيل ما يمكن ان يحدث اذا ما اشتدت المنافسة على نفط الشرق الاوسط بين الولاياتالمتحدة والصين والهند واليابات ودول اخرى. \r\n \r\n اما القضية الثانية والتي تشكل التحدي الاكبر للعالم فتكمن في ان النظام الحديث الذي يجري تطبيقه في التعامل مع مصادر الطاقة, سيؤدي الى عدم استقرار في المناخ الكوني, فالنفط واشكال الطاقة والوقود الاخرى المستخرجة من الحفريات كالفحم والغاز الطبيعي تتسبب في احداث تغيرات طويلة الامد على المناخ الكوني, لكن قليلون هم من يقدرون حجم هذه المخاطر وهذه التغيرات, ومن ابرز تلك المخاطر وما ينجم عنها من مشاكل, ان تغيير المناخ سوف يتسبب في احداث تحولات على كافة الجوانب مثل درجة الحرارة ومعدلات سقوط الامطار وانماط العواصف والرياح, هذا بالاضافة الى تغيرات جوهرية في البيئة الطبيعية, كارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وتغير العمليات والتفاعلات الكيميائية للمحيطات, والتي ستكون تأثيراتها هائلة على الارجح على مستوى وحجم انتاج المحاصيل ومستويات انتشار الامراض والاوبئة وتكاليف ومدى تيسر مياه الشرب والري وتاكل السواحل ومن ابرز تلك المخاطر كذلك, تلك الناجمة عن التغيرات الفجائية الحادة في غضون عقود قليلة من الزمان. وقد تكون استجابة بني البشر الى مثل هذه التغيرات سيئة كون هذه التغيرات في انماط الرياح الموسمية او مستويات البحار والازمات الاقتصادية التي ستنجم عن هذه التغيرات قد تتسبب في احداث اضطرابات سياسية ضخمة وتحرك جماعات كبيرة من اللاجئين واندلاع نزاعات وحروب اهلية عنيفة ودموية. \r\n \r\n ان مثل هذه التحديات كندرة النفط ونضوبه وعدم الاستقرار السياسي والامني في مناطق النزاعات والاضطرابات مثل منطقة الشرق الاوسط, والتغيرات المناخية تتطلب بالتأكيد, التفكير بتعقل حيث يؤكد بعض المتلمسين لمثل هذه الاخطار بان هناك حاجة ملحة الى تقليص اسخدامات الطاقة على مستوى العالم الى حد كبير, الامر الذي سيؤدي بدوره الى تقويض الاقتصاد العالمي. ومن الممكن اللجوء الى الترشيد الفعال والناجع في استخدامات الطاقة, لكن هذا لن يحل مشكلة امدادات النفط على المدى البعيد, كما لن يحل مشكلة التغيرات المناخية, ويرى اخرون في المقابل ضرورة التوقف عن استخدام الوقود الحفري والاندفاع بحماس الى مصادر الطاقة المستحدثة والمتمثلة في الطاقة الشمسية او طاقة الرياح, لكن البدائل ستكون بالتأكيد مكلفة النفقات ولن تكون باي شكل من الاشكال بديلاً عن الطاقة النفطية من الناحية العملية والفعلية والجدوى الاقتصادية. \r\n \r\n واذا ما تم الاهتمام بالعمل الدؤوب والمتواصل, بوضع خطط بعيدة المدى على عملية البحث عن بدائل عملية وواقعية للطاقة, فسيكون بالامكان مواجهة كل هذه التحديات والمعوقات والوصول بالتالي الى امدادات مضمونة او شبه مضمونة من الطاقة الأمنة من الناحية البيئية وبأسعار تكون معقولة الى حد كبير. ولتحقيق هذا الهدف, هناك فكرتان او نظريتان اساسيتان هما: \r\n \r\n اولاً: الادراك بأنه حتى مع تقلص وندرة الامدادات النفطية, فإن اشكال الوقود الاخرى مثل الفحم والغاز, سوف تظل وفيرة لقرون مقبلة, ويتعين في هذه الحالة السعي لتطوير التقنيات والبنى الاساسية اللازمة لاستخدام اشكال الوقود المختلفة غير النفطية بكفاءة وامان. \r\n \r\n فمثلاً, ليس هناك اية خلافات او اختلافات في وجهات النظر من ان العمليات الكيميائية اللازمة لتحويل الفحم الى غازولين متاحة الان, كما انه من الممكن تحويل الفحم الى هيدروجين. \r\n \r\n اما فيما يتعلق بالفكرة الثانية فيمكن تلخيصها على الشكل التالي: حين تبدأ اشكال الوقود غير النفطية في شغل الفراغ مع وصول انتاج النفط الى مرحلة الانحدار, فيتعين عندئذ الشروع في فرض الرقابة والسيطرة على تأثيرات الوقود على المناخ. كما ينبغي ان يتضمن الاسلوب السليم بيئياً لاستخدام الوقود غير النفطي في المستقبل, ابتكار وسيلة لاحتجاز غاز ثاني اكسيد الكربون في المنشآت الصناعية قبل انبعاثه وانتشاره في الغلاف الجوي, ومن ثم التخلص منه بعد ذلك بدفنه في باطن الارض. ويكلف بعض العلماء والمهندسين المتخصيين في العالم, بالفعل على تحويل هذه الفكرة الى امر واقع واتمام هذه العملية. \r\n \r\n ومن هنا فان مستقبل الطاقة على الكرة الارضية لا يتوقف على حل واحد, بل على مجموعة متنوعة من الحلول والخطوات الضرورية المدروسة بدقة والتي من ابرزها: استكشاف وتنمية المصادر الجديدة للنفط الخام, وعلى وجه الخصوص خارج نطاق منطقة الشرق الاوسط ومنطقة الخليج. وكذلك المزيد من الترشيد في كفاءة استخدامات الطاقة, والتنمية الطويلة الامد وتبني مصادر طاقة بديلة ومتجددة وبتكاليف ونفقات معقولة, والاستخدام الامن بيئياً لاشكال الوقود الاخرى المتوفرة والمتاحة والبديلة مثل الفحم: فمنهج العمل الذي يتم اتباعه حالياً والذي يعتمد على اهمال غير مقصود للنضوب والتقلص المتوقع في الامدادات العالمية من النفط, والاعتماد الكلي على نفط الشرق الاوسط والخليج, وتجاهل العواقب البيئية لاستخدام الوقود, هذا المنهج وصل على ما يبدو الى طريق مسدود, مما يتطلب بالتالي التفكير بشكل اخر في المستقبل لتأمين الحاجة الضرورية للبشرية والانسانية من مختلف انواع الطاقة, سواء كانت الطاقة النفطية او الطاقة البديلة. ويتعين بالتالي على الدول الاكثر استهلاكاً للطاقة بدءاً من الولاياتالمتحدة ومروراً بأوروبا والدول الصناعية الرئيسية الكبرى الاخرى مثل اليابان, وانتهاء بالدول الاسيوية النامية والمتطورة صناعياً وتكنولوجيا مثل الهند, الاتفاق فيما بينها على سلسلة من الاجراءات الجماعية لتنمية التقنيات المتطورة اللازمة لتجميع الكربون وتخزينه, ولتطوير واستخدام مصادر الطاقة البديلة, كما يتعين على كل هذه الدول وهذه القوى الصناعية المؤثرة ان تحرص على ان تعكس اسعار السوق لاستخدامات الطاقة, التكاليف الاجتماعية الحقيقية لتلك الاستخدامات, حتى يتسنى لمستهلكي الطاقة ومنتجيها على حد سواء, اتخاذ افضل السبل والخيارات بشأن كفاءة استخدام الطاقة وتنمية مصادر الطاقة البديلة وتبني التقنيات الامنة بيئىاً.0 \r\n \r\n خبير نفطي الماني \r\n \r\n »دي فيلت« الالمانية