\r\n \r\n ومما لا شك فيه أيضاً أن الرئيس بوش لا يريد خسارة الانتخابات، وهي قضية تشكل في الوقت الحاضر القضية المفضلة في أجندته. وفي واقع الأمر فإنه يتطلع الى أن يكون في ظروف تمكنه من متابعة عمله ذي العواقب المدمرة للسلام والتوازن العالمي، من هنا فهو مستعد لفعل كل ما هو ضروري لإيجاد حل، على المدى القصير، للوضع الكارثي في العراق وفي أفغانستان أيضاً، وذلك بهدف الحيلولة دون الخسارة المتزايدة للأرواح البشرية والتمكن بأسرع وقت ممكن من إعادة القوات الأميركية المنتشرة في الشرق الأوسط إلى الوطن. كل تلك المتطلبات لا غنى عنها للحصول على فرصة ما للفوز في الانتخابات. \r\n \r\n والمحافظون الجدد (دونالد رامسفيلد، بول ولفوويتز، ديك تشيني، ريتشارد بيرل... إلخ)، الذين نصحوا بوش بإطلاق عملية غزو العراق يواجهون بشكل يومي انتقادات متجددة من جانب الرأي العام الأميركي أمام الخطأ الجسيم المرتكب والنقص الواضح في أعداد القوات المسلحة ارتباطاً باليوم التالي للنصر العسكري المتوقع. فلقد تجاهلوا بالكامل طبيعة النسيج الاجتماعي والديني والسياسي الموحل الذي رموا القوات فيه، الأمر الذي يشكل طيشاً لا يمكن تصوره ولا مبرر له. \r\n \r\n في هذه اللحظة، أمام رد الفعل المضاد للرأي العام الأميركي، الذي لا يزال متأثراً بمشاهد عمليات التعذيب التي مورست كشيء اعتيادي في سجون مثل أبوغريب وغوانتانامو، يجدون أنفسهم مجبرين على التراجع حيث يشوهون الأحداث أو يقدمون ذرائع ويبدون مستعدين لكل شيء بما في ذلك الاستغناء عن مبادئهم المقدسة والمحرمة ذات الطابع السياسي الديني في محاولة منهم لعدم خسارة الانتخابات الرئاسية في نوفمبر. كما يعلنون بشكل متكرر عن «ضرورة إيجاد مخرج». \r\n \r\n وفي هذا السياق المثبط للعزيمة، قرر بوش القيام برحلة عبر أوروبا القديمة، في محاولة منه لجذب الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة إلى وجهات نظره، مع العلم بأنه كان قد احتقر نصائح هؤلاء الحلفاء بغطرسة متناهية. لكن تلك الجولة المثيرة للجدل كان يجب أن تبدأ بشكل طبيعي من الأممالمتحدة. \r\n \r\n فبدون الشرعية السياسية الممنوحة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لما كان هناك متسع للشروع بأية مبادرة. من هنا جاء التحضير المضني للقرار 1546 الذي انتهى مجلس الأمن من إقراره بالإجماع مؤخراً، مع بعض الشروط الصارمة جداً. تلك كانت مذلة بوش الأولى كونه انحنى أمام كوفي عنان، وتنازل عن نظريته الخاصة بالحرب الاستباقية وعن استراتيجيته الشهيرة الخاصة بأحادية الولاياتالمتحدة، متجاهلاً الأممالمتحدة. مع ذلك، لم يكن ذلك كافياً. \r\n \r\n فلقد كانت ضرورية مباركة البابا. وقد استقبل البابا بوش في جلسة عاجلة لم تستغرق سوى ربع ساعة ليذكّره (في نص مقروء) بمعارضته التي لا تختزل للحرب ولعمليات التعذيب المذلة بالسجناء وبأن سياسته المفضلة تقوم على الحوار والسلام. وتلك كانت مذلة بوش الثانية. \r\n \r\n أما الثالثة، فلقد حدثت في نورماندي. متذرعاً بالاحتفال بالذكرى الستين للإنزال البطولي للتحالف (الذي ضحى فيه الكثير من الأميركيين بحياتهم في سبيل الحرية) والذي مهد لنهاية الحرب ضد النازية في أوروبا، استقبل الرئيس شيراك الشهم عدة زعماء دول وحكومات، إذ استقبل بوش من أجل عيون أميركا روزفلت وايزنهاور، وبلير من أجل عيون مملكة تشرشل المتحدة وبوتين من أجل عيون روسيا ستالين، الثلاثة الكبار لربيع 1944 الذي أعلن نهاية الحرب العالمية الثانية. \r\n \r\n لكنه استقبل شرويدر أيضاً وذلك من أجل عيون ألمانيا المنهزمة. ومع أن الحدث خلّد لحظة المعاناة والبطولة في نهاية الحرب، إلا أنه مجّد السلام والمصالحة بين المنهزمين والمنتصرين ورفض المهانة والتعذيب، وتلك كانت مذلة بوش الثالثة. \r\n \r\n هل أصبح خالياً من العراقيل درب الفوز الانتخابي في نوفمبر المقبل؟ لا يبدو لي أنه من الممكن التأكيد على ذلك مع يقين. ذلك أن بوش فتّ في عضد الولاياتالمتحدة بصفتها البلد الذي يقود العالم الغربي. وبسياسته الأحادية (المهجورة الآن) أوجد انقسامات كبيرة سواء في أوروبا أو بين حلفائها وكذلك أزمات ثقة في كنف العالم الإسلامي وغذى النزاع الإسرائيلي الفلسطيني الذي بلغ مع شارون قمماً استثنائية من العنف المجاني، مع أن هذا النزاع، كما هو معروف. \r\n \r\n هو المفتاح الرئيسي للسلام في الشرق الأوسط، وشجع الإرهاب العالمي وحوّل العراق إلى معسكر ممتاز لتدريب الإرهابيين، وأهمل أفريقيا وأميركا اللاتينية وتركهما في مهب الريح، وفتح الطريق لتعزيز القوة السياسية الدبلوماسية لقوتين عالميتين كبيرتين، هما روسيا والصين، وأوجد انقسامات عميقة في الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة. \r\n \r\n \r\n عن «لافانغوارديا» اسبانيا \r\n \r\n