\r\n لكن هذه ليست سوى البداية في نهاية القصة، اما بداية القصة فهي مختلفة جداً: في يوم من أيام اوائل التسعينيات كان الجلبي رفيقاً مؤتمناً لوكالة الاستخبارات المركزية، وكان اللاعب الاساسي في محاولة الانقلاب الفاشلة للاطاحة بصدام حسين، وكان واحداً من بين قلة من الساسة العراقيين الفعالين بالمنفى بوصفه زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي. بعد ذلك تخلت وكالة الاستخبارات المركزية عن الجلبي، فدعمته وزارة الخارجية الاميركية ولو على كره. \r\n \r\n لكن اليوم بات الجلبي متهماً من قبل مسئولين في الادارة الاميركية لم تكشف النقاب عن هويتهم بقائمة من الاتهامات تتضمن الكشف عن معلومات سرية لحكومة ايران. \r\n \r\n وتحول الجلبي من متآمر مع «السي. آي. ايه» الى خائن لاميركا في غضون بضع سنوات يبدو وكأنه سقوط مدو له، لكن المظاهر خداعة في هذه الحالة، فالحقيقة ان اولئك الذين يوجهون الاتهامات له الآن هم الاشخاص انفسهم الذين ينظرون اليه كعدو منذ سنوات عديدة، انهم اشخاص في داخل حكومتنا في وزارة الخارجية و«السي. آي ايه» وغيرها يعارضون سياسة الادارة الاميركية في العراق، ويرون في الجلبي تجسيداً لهذه السياسة. \r\n \r\n الجلبي نفسه لم يتغير قط، بل كان منسجماً تماماً مع نفسه، فهو اراد الاطاحة بصدام حسين، وعندما تخلت عنه «السي. آي. آيه» ذهب الى الكونغرس، وعندما تراجع اهتمام الكونغرس بالامر، توجه الى البنتاغون لم يستسلم الجلبي لليأس يوماً، ولم يقبل بالفذلكة المنطقية القائلة انه من الافضل القبول بحكم الطاغية في العراق، تفادياً لزعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط، وهو بهذه المواقف جلب لنفسه عداء لاعبين متنفذين في واشنطن. \r\n \r\n طيلة عقد التسعينيات، تعرض الجلبي لعدة اتهامات بارتكاب اعمال محظورة من قبل اعدائه، وادين غيابياً في الاردن بتهمة اختلاس اموال من البنك الذي كان يديره، ولم يتم في أي وقت من الاوقات تدعيم هذه الاتهامات بالوثائق. \r\n \r\n ثم اتهمته وزارة الخارجية الاميركية بالتلاعب في حسابات الاموال التي تقدمها له اميركا، وفي كل مرة كان يبرئه المفتش العام بوزارة الخارجية نفسها. \r\n \r\n لكن الاتهامات الاخيرة كانت سريعة ومربكة جداً، فلقد اتهم حزب المؤتمر الوطني العراقي بإعطاء معلومات استخباراتية مغلوطة عن اسلحة التدمير الشامل، ويتم التحقيق مع مسئولين في هذا الحزب في العراق بجرائم عديدة، كما ان الجلبي نفسه، بحسب مصادر لم يكشف عنها في الحكومة الاميركية كان يعمل على اعاقة التحقيق بشأن تهم الفساد في برنامج النفط مقابل الغذاء. والآن اصبح الجلبي متهماً بالتجسس لصالح ايران. \r\n \r\n لكن هذه الاتهامات لاتبدو صحيحة، أو لم يكن الجلبي هو القوة المحركة وراء التحقيق في برنامج النفط والغذاء باعتباره رئيس اللجنة المالية بمجلس الحكم العراقي؟ بلى لقد كان كذلك، ومنذ متى كانت مهمة المصادر الاستخبارية ان تتحقق من صحة المعلومات التي تمررها للولايات المتحدة؟ أليست هذه مهمة السي. آي. ايه؟ \r\n \r\n لكن اخطر الاتهامات السابقة على الاطلاق هي تهمة تمرير معلومات سرية الى ايران، ومن الواضح ان اخطر ما في هذه التهمة هو الاميركي الذي يفترض انه اخبر الجلبي بأننا تمكنا من فك شيفرات الاستخبارات الايرانية، فذلك الشخص يخضع للقوانين الاميركية واذا كان موجوداً حقاً فتجب محاكمته. \r\n \r\n اما الجلبي فهو اجنبي، ولا يدين لنا بالولاء «وان كان من المهم هنا الاشارة الى انه ينكر هذه الاتهامات». وان ارتباطه بعلاقات وثيقة مع ايران امر معروف منذ سنين، حتى ان الولاياتالمتحدة دفعت تكاليف افتتاح مكاتبه في طهران، اذن فليس في هذه المعلومة أي عنصر مفاجأة. \r\n \r\n لكن عندما تفكر بالامر، ما الذي يمكن ان يدفع الجلبي الى تمرير اسرار اميركية الى الاستخبارات الايرانية في بغداد؟ ولماذا يستخدم رئيس محطة الاستخبارات الايراني الشيفرات ذاتها التي اخبره الجلبي بأنها مخترقة، لينقل هذه الانباء الى ايران؟ ولماذا نقوم نحن بالانفصال علناً عن الجلبي، علماً بأن ذلك سيؤكد للايرانيين اننا فعلا اخترقنا شيفرة اتصالاتهم السرية؟ ليس هناك اي منطق في هذا الكلام الذي سمعناه. \r\n \r\n في النهاية فإن كل هذه العاصفة حول الجلبي لن تؤثر كثيراً على الرجل نفسه، فالجلبي الذي تعرض للمضايقة من جانب الاميركيين جدد بذلك مصداقيته في عيون شعبه، لكن هذه العاصفة اصابت الولاياتالمتحدة نفسها بجرح عميق. \r\n \r\n قلة قليلة جداً من العراقيين كانوا على استعداد للمجازفة بحياتهم لمحاولة الاطاحة بصدام حسين، وقلة من هذه القلة آمنت حقاً بالقيم الديمقراطية الغربية والجلبي كان واحداً منهم، والآن فيما نحن نبحث عن اعوان آخرين في المنطقة لمساعدتنا في نشر الديمقراطية ومساعدتنا في تخليص الشرق الاوسط من معوقات الديمقراطية سوف نكتشف ان سمعتنا سبقتنا الى هناك بأن الولاياتالمتحدة صديق غادر. \r\n \r\n