\r\n وقد دخل البيت الأبيض في أزمة حقيقية جراء محاولته الحد من التأثيرات السلبية لتصريحات كلارك وشهادته. كيف لا وكل المجد الانتخابي والسياسي الذي يعول عليه الرئيس بوش هو صيته ك\"محارب عصره\" وخير من يقف في وجه الإرهاب ويكافحه! وبالفعل فقد أضرت تصريحات كلارك ضررا فادحا بذلك المجد. فبسببها أرغمت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس على الإدلاء بشهادتها أمام لجنة التحقيقات حول هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وقد فعلت رايس ذلك تحت القَسَم. يذكر أن كوندوليزا رايس لم يكن لها أي موقف من التصريحات الصحفية والتلفزيونية. بل الواقع أنها ظلت تظهر على كافة الشاشات التلفزيونية بلا استثناء، إلا تلك البرامج المتعلقة بالطهي والطقس. وعلى رغم رفضها بادئ الأمر، إلا أنها اضطرت للإدلاء بشهادتها تحت ضغط وإلحاح الجمهوريين من أعضاء لجنة التحقيقات المذكورة. وبخضوعها، يفهم أن البيت الأبيض نفسه، قد أرغم على الامتثال هو الآخر. \r\n \r\n ولكن لنطرح السؤال: إلى أي مدى تتمتع شهادة كلارك وتصريحاته بالمصداقية؟ فقد كان بيروقراطيا يعمل تحت مظلة بيروقراطي آخر فوقه. كما عرفت عنه صرامته وقسوته التي تسيل دموع بعض موظفيه في بعض الأحيان. ولكل هذه الخصال فإن كلارك لم يكن محبوبا من قبل موظفيه، إلا أنهم جميعا كانوا يحترمونه للخصال نفسها التي تعبر عن قوة إرادة وشخصية إدارية لا تلين. ثم إن الواضح عليه أنه كان مسرورا للعمل مع الرئيس كلينتون أكثر مما هو حال عمله مع الرئيس بوش. ففي ظل إدارة كلينتون، كان كلارك يتمتع برتبة الوزير، وكان في وسعه رفع تقاريره على نحو شبه يومي تقريبا للرئيس مباشرة. أما في ظل إدارة بوش، فقد تم خفضه من تلك الرتبة، فلم يعد يرفع تقاريره إلى الرئيس مباشرة. ثم إن كلارك لا يستطيع إخفاء كل هذه الجوانب من انفعالاته الشخصية، وكان واضحا أنه غالب نفسه كثيرا في محاولة إخفاء عدم رضاه الشخصي عن بوش. \r\n \r\n لكن وبعيدا عن الانفعالات والغبن الشخصي، فقد أكد توازن وموضوعية تقارير لجنة التحقيقات نفسها، مدى مصداقية الأحكام التي أطلقها كلارك ونعته للإدارة بالغفلة الأمنية عشية هجمات الحادي عشر من سبتمبر. والحقيقة التي لم تعد تخفى على أحد اليوم-عقب صدور تقرير لجنة التحقيقات- هي أن الإرهاب لم يكن أولوية مقدمة في قائمة أولويات إدارة بوش حتى تاريخ الحادي عشر من سبتمبر. أما فيما يختص بالسياسات الخارجية، فقد أمضت الإدارة الأشهر الأولى من تسلمها لسدة الحكم في البلاد، في السعي وراء تبني الخطط الدفاعية الصاروخية، مثل، الانسحاب من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية، إضافة إلى أزمة طائرة التجسس الأميركية التي كانت قد أرغمت على الهبوط فوق الأراضي الصينية إثر اصطدامها بطائرة اعتراض صينية. خلال كل تلك الفترة، ادعى كلارك أنه وزميله جورج تينيت -مدير وكالة المخابرات المركزية- كانا ينبهان الإدارة إلى خطر تنظيم \"القاعدة\" على نحو منتظم ومستمر. غير أنهما لم يتلقيا استجابة تذكر من قبلها. \r\n \r\n أما زعم كلارك واتهامه الإدارة بإهدار أموال وموارد بشرية طائلة في حرب العراق الأخيرة- أنهكت الولاياتالمتحدة وأضعفت قدرتها على مواجهة تنظيم \"القاعدة\" كما يقول- فهو اتهام لا يخلو من ظلال حزبية مثيرة لاختلاف الآراء والجدل. وجهة النظر هذه والاتهام عينه، وردا على ألسنة عدد من كبار القادة الديمقراطيين، لعل أشهرهم هو بوب جراهام السيناتور الديمقراطي من ولاية فلوريدا. غير أن بوش سيدخل في أزمة حقيقية فيما لو لم تمض الأمور على نحو أفضل في العراق، اعتبارا من تاريخ الأول من شهر يوليو المقبل. ففي ذلك التاريخ، سوف تنتهي مدة صلاحية إدارة التحالف الدولي الحالية في العراق، وتؤول السيادة والسلطة إلى أيدي العراقيين. وفيما إذا عمت الفوضى السياسية وضربت بأطنابها في بغداد، بينما تواصل العنف والمواجهات في كل من إسرائيل وفلسطين، وارتفع عدد الضحايا الأميركيين في كل من أفغانستان والعراق، فإن الحرب على العراق، ستكون الموضوع الأكثر سخونة وتأثيرا على الحملة الانتخابية النهائية المرتقبة في شهر نوفمبر من العام الجاري. \r\n