ستظل شخصية كوندوليزا رايس تتأرجح في كفة الميزان.. سواء كوزيرة للخارجية، أو كمستشار الرئيس للأمن القومي.. البعض يقف معها، والبعض ضدها.. خاصة ان ضربة سبتمبر أصابتها إصابة مباشرة، وهي المسئولة رقم واحد عن أمن الولاياتالمتحدة.. وصفتها هي بعبارة مذهولة: "لم نكن علي مستوي الضربة.. وقد داهمتنا الحرب بطريقة مختلفة تماما، لم يتوقعها أحد"! مع رايس نتأرجح في الميزان.. لن نبدأ بالقدح، إنما بالمدح.. رأي معلن لهنري كيسنجر وزير الخارجية سابقا، نشرته له مجلة تايم، ابريل الماضي.. للمقال أفسح المجال. "...: ثمة طريقة للحكم علي وزراء الخارجية، بقياس ردود أفعالهم إزاء الأزمات.. هل يعتبرونها تحديات، أو أعباء؟ فرصا، أو عقبات؟! كوندوليزا رايس جاءت إلي المنصب وسط أعظم جيشان دبلوماسي خلال قرون.. وهي تديره الآن وعلي رأسها حزمة من ريش الزينة (Panache)، وفي قلبها إيمان راسخ (Conviction)! ...: في فترة الرئاسة الأولي للرئيس بوش، أدارت رايس أزمة 11/9 وتوابعها بمهارة وتصميم.. أما التحدي الأعظم الذي تواجهه الآن، أن تبني نظاما عالميا سلميا، تصوغه من جماع قوي متفاوتة (Disparate Forces)..: انهيار النظام الأوروبي.. ثورة التكنولوجيا.. الاهتياج الايديولوجي الذي يعم العالم.. ومطلب شعوب الأرض بأن تشارك في الحكم والحكومات! ...: في رحلاتها العاصفة إلي أوروبا وآسيا، استطاعت رايس ان تتبني دورا قياديا عالميا يساند تأكيدات الرئيس بوش علي الإصلاح الديمقراطي.. هي ثاني شخص بعدي ينتقل من منصب مستشار الأمن القومي إلي وزارة الخارجية.. وأشهد بان التكيف في المنصب الجديد في منتهي التعقيد! لكنه شرط جوهري لنجاح أي وزير للخارجية - أو وزيرة -: أن يكون قريبا من الرئيس، وأن يتعامل معه الرئيس علي أنه مركز العملية السياسية.. والحق ان رايس تتمتع بالعلاقة الأقرب مع الرئيس عن أي وزير للخارجية الامريكية في العصر الحديث! ...: كل قرنائها في الحكومة يلاحظون عن قرب مدي اعتماد الرئيس بوش علي رأيها ورؤيتها السياسية.. وليس هناك زعيم أجنبي يساوره أدني شك في أنها تتحدث باسم البيت الأبيض.. وكل هذا يمنحها من السلطة مستوي غير مسبوق"! وينهي هنري كيسنجر حيثيات حكمه علي "كوندي" نثر كالشعر: "إنما الحكم النهائي علي كوندوليزا رايس - 50 سنة - ينبغي أن ينتظر المشهد الأخير.. لكنه ليس غريبا أن نقر، علي وجه الإجمال، بمدي الفهم والذكاء وحسن النظر لجهودها.. وأن نمتدح صفاء رؤيتها (Serenity) وهي تباشر إنجازاتها الدبلوماسية البديعة"! يد الإدارة.. ترتجف! يجف نشيد المدح، ليرغي شيطان القدح ويزبد.. برنت سكوكروفت مستشار الامن القومي لرئيسين متتاليين، ريجان وبوش الأب، وصاحب الفضل علي كوندوليزا رايس الذي استدعاها من جامعة ستانفورد سنة 1989 لتعمل معه بالبيت الأبيض.. من يومها وهو نموذجها الأعلي في المنصب الحساس.. لكنه نعي عليها كثرة ظهورها وتلميعها لشخصيتها.. في مؤتمر بالبيت الأبيض، يناير 2001، حضرته كوندوليزا.. وقف سكوكروفت ليقول كلمته.. استهلها بعبارة نقد جارحة: "إن مستشار الأمن القومي للرئيس عيله أن يظهر نادرا، وأن يتحدث قليلا"! ريتشارد كلارك رئيس مكافحة الإرهاب بالبيت الأبيض، ومرؤوس مباشر لكوندوليزا.. كان بينهما ضغن دفين، ما اجتمعا إلا ظهر وبان علي طرف اللسان! ذات مساء ظهر كلارك علي شبكة (ABC) ليتهم كوندوليزا وديك تشيني نائب الرئيس بالوضاعة والخسة (Meanond nasty).. وأن مستشارة الأمن القومي لم تسمع في حياتها الوظيفية عن تنظيم القاعدة! وجاء مندوبو الشبكة يسألونها التعليق، أجابت: إنه شخصية متعجرفة إلي الحد الأقصي (arrogant in the extreme)! وفي اعقاب صواعق سبتمبر، شن كلارك هجوما ضاريا علي كفاءة رايس ومجموعة الأمن، وشكك في قدرتها علي ترتيب أولويات الرئيس بوش السياسية، وتغذية مكتبه كل صباح بأدق تقارير أجهزة المخابرات! ونجح كلارك في وضع أداء رايس علي مشرحة الفحص والتدقيق.. وساعدته علي ذلك الشواهد الأمنية والسياسية: اضطراب الأمن في العراق، وضعف سيطرة قوات التحالف عليه.. أسامة بن لادن طليق السراح، يوالي ضرباته من العراق إلي اسبانيا.. انتشار العداء لأمريكا بين شعوب الأرض، انهيار أداء الإدارة الأمريكية حتي بدت مرتجفة تتذبذب (Wobbly)! في المؤتمر الذي عقد بالبيت الأبيض، وشهدته رايس وسكوكروفت، يناير 2001، وقف صامويل بيرجر مستشار الأمن القومي للرئيس كلينتون يقرأ ببصيرته الأمنية صفحات المستقبل القريب: "إن أمريكا تخوض معركة مميتة ضد اجيال جديدة من الجهاديين.. وعلينا أن نعي أننا نخوض حربا جديدة شاملة ضد شبكة ارهاب دولية تنتشر في أرجاء العالم، وتستهدف تدمير أمريكا وحلفائها.. هذا هو الخطر الأعظم الذي سوف تواجهه الإدارة الأمريكية المقبلة"!