هندسة بنها بشبرا تحصل على جائزة الإبداع والتميّز في معرض النقل الذكي والتنقل الكهربائي    وزير الكهرباء يبحث مع رئيس "نورينكو" الصينية مجالات الاستكشاف والتصنيع المرتبط بالمواد النووية    تحرك برلماني بشأن أزمة التعيينات في الطب البيطري    الزراعة: إزالة 274 حالة تعد على الأراضى الزراعية خلال أسبوع    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    انفجار ضخم يهز جامعة يابانية ويخلف إصابات    مصر تدعو إلى خفض التصعيد في سوريا وتغليب مسارات التهدئة والحوار    قبل مباراة الليلة، تاريخ مواجهات منتخب تونس ضد أوغندا    مرموش: نحتاج لمثل هذه العقلية في البطولات المجمعة    الداخلية تضبط 484 قضية مخدرات وتنفذ أكثر من 83 ألف حكم قضائى    أجواء شتوية.. الأرصاد تعلن خرائط الأمطار المتوقعة خلال الساعات المقبلة    ضبط صاحب شركة بالإسكندرية لتجارته غير المشروعة بالألعاب النارية والأسلحة    وزير الثقافة يلتقي الفنان خالد الصاوي لبحث إنشاء المركز الدولي للتدريب على فنون المسرح    وزير الأوقاف: «دولة التلاوة» أعاد للقرآن حضوره الجماهيري    لدعم المنظومة الصحية بالدقهلية، الجزار يعلن استلام أجهزة طبية حديثة وماكينات غسيل كلوي جديدة    زيلينسكي: 3 قتلى وعدد من المصابين بقصف روسي على كييف ومقاطعات أخرى    البابا تواضروس يستقبل الأنبا باخوميوس بالمقر البابوي بوادي النطرون    18 يناير أولى جلسات قضية مقتل زوجة على يد زوجها فى المنوفية    الاحتلال الإسرائيلي يواصل خرق اتفاق وقف إطلاق النار بأنحاء متفرقة من غزة    معروف وطه وعاشور يديرون مباراة بوركينا فاسو وغينيا الإستوائية بأمم أفريقيا    عصام عمر يقتحم ملفات الفساد في «عين سحرية»    وزير الثقافة يلتقى خالد الصاوى لبحث إنشاء المركز الدولى للتدريب على فنون المسرح    قافلة المساعدات ال100 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    بالفيديو.. الحمصاني: منظومة التأمين الصحي الشامل وحياة كريمة تمسان الخدمات الأساسية للمواطنين    وزيرة التخطيط تعقد جلسة مباحثات مع وزير الاقتصاد الأرميني لمناقشة الشراكة الاقتصادية بين البلدين    نشرة مرور "الفجر".. كثافات مرورية متحركة بطرق ومحاور القاهرة والجيزة    قرار النيابة الإدارية بشأن مديرى مدرسة حالى وسابق فى واقعة التعدى على تلميذة    أسعار السمك اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة الأقصر    وائل القباني: هجوم منتخب مصر الأقوى.. والتكتيك سيتغير أمام جنوب إفريقيا    بعد وفاة الطفل يوسف| النيابة تحيل رئيس وأعضاء اتحاد السباحة للمحاكمة الجنائية العاجلة    قرار جمهوري بتشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة حسن عبد الله    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 23-12-2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 23ديسمبر 2025 فى المنيا    أوكرانيا: مقتل وإصابة 1420 عسكريا روسيا خلال 24 ساعة    رئيس الوزراء: مبادرة «حياة كريمة» أكبر مشروعات القرن الحادي والعشرين    وزير الصحة يناقش مع مدير المركز الأفريقي للأمراض تطوير آليات الاستجابة السريعة للتحديات الصحية الطارئة    اليوم.. نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه    قائد الجيش الثاني الميداني: لن نسمح بأي تهديد يمس الحدود المصرية    خطوات التصالح في سرقة الكهرباء    بدء الصمت الانتخابي في إعادة انتخابات النواب بالدوائر ال19 الملغاة    نظر محاكمة 89 متهما بخلية هيكل الإخوان.. اليوم    إدارة ترامب توقع اتفاقيات صحية مع 9 دول أفريقية    المخرجة إنعام محمد علي تكشف كواليس زواج أم كلثوم والجدل حول تدخينها    أحمد التهامي يحتفل بفوز منتخب الفراعنة ويُوجه رسالة ل محمد صلاح    إلهام شاهين تتصدر جوجل وتخطف قلوب جمهورها برسائل إنسانية وصور عفوية    مشروع قومى للغة العربية    مواطن يستغيث من رفض المستشفي الجامعي طفل حرارته عاليه دون شهادة ميلاده بالمنوفية    بيسكوف: لا أعرف ما الذي قصده فانس بكلمة "اختراق" في مفاوضات أوكرانيا    «المستشفيات التعليمية» تعلن نجاح معهد الرمد والسمع في الحصول على اعتماد «جهار»    حسام حسن: حدث ما توقعته «صعبنا الأمور على أنفسنا أمام زيمبابوي»    فرقة سوهاج للفنون الشعبية تختتم فعاليات اليوم الثالث للمهرجان القومي للتحطيب بالأقصر    حماية القلب وتعزيز المناعة.. فوائد تناول السبانخ    منتخب مصر يتفوق بصعوبة على زيمبابوي 2-1 في افتتاح البطولة الأفريقية    القانون يضع ضوابط تقديم طلب اللجوء إلى مصر.. تفاصيل    ما هي أسباب عدم قبول طلب اللجوء إلى مصر؟.. القانون يجيب    رمضان عبدالمعز: دعوة المظلوم لا تُرد    قصة قصيرة ..بدران والهلباوى ..بقلم ..القاص : على صلاح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 22-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العولمة لصالح الشركات على حساب العمال
نشر في التغيير يوم 15 - 05 - 2004

حين تتزامن سنة انتخابية مع مصاعب اقتصادية فإن المتنافسين في الحملات الانتخابية سيطرحون حتى قضية اقتصادية دولية ما باعتبارها تهديداً خطيراً لرخاء الأميركيين. حيث يبدأ كتاب الخطب بإدانة أكباش الفداء، ويأخذ المشرعون بطرح العلاجات القانونية المقترحة.قضية هذا العام الرائجة هي تصدير فرص العمل الى الخارج، اي الهجرة المزعومة من جانب فرص العمل الاميركية الى خارج البلاد.
وقد وجد عمق التحذيرات من هذه القضية تصديراً مدهشاً له بعاصفة ردود الفعل على الشهادة التي تقدم بها جورج مانكيو، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس جورج بوش. ولم يرد خبير اقتصادي بشكل فعلي على ملاحظة مانكيو، حينما قال: ان «تصدير فرص العمل هو مجرد طريقة لممارسة التجارة الدولية» وهو ما يجعل منها «شيئا جيدا» لكن في الحلبة السياسية، فإن تعليقات مانكيو اطلقت موجة غضب على جانبي هذه القضية.
فالمرشح الديمقراطي للرئاسة جون كيري اتهم ادارة بوش بأنها تريد: «تصدير المزيد من فرص عملنا الى الخارج» وسارع توم داشل زعيم الاقلية في مجلس الشيوخ لمساعدته بالقول: «اذا كان هذا هو موقف ادارتنا، فأعتقد انهم يدينون باعتذار لكل عامل في اميركا». كما قال رئيس المجلس دينيس هاسترت محذراً: «ان التعاقد الخارجي يمكن ان يكون مشكلة للعمال الأميركيين والاقتصاد الأميركي».
ويقول المنتقدون ان ثورة المعلومات (خصوصاً الانترنت) قد سرعت تقليص حجم التصنيع الأميركي، وسهلت تصدير فرص العمل في قطاع الخدمات الذي كان يعتبر سابقاً آمناً من مراكز الاتصالات وحتى عمليات البرمجة عالية المستوى. وهذا التخوف يعزز الشكوك بأن الشركات الاميركية تستفيد من العولمة لزيادة أرباحها على حساب العمال.
بالتأكيد انهم محقون بالقول ان تصدير فرص العمل يستحق الانتباه له وأن بعض الاجراءات من شأنها مساعدة العمال الذين تأثروا بها. غير ان انذاراتهم المبالغ فيها اذا ما نجحت في احداث ردة فعل حمائية من جانب المشرعين، فإنها ستضر اكثر بكثير مما تفيد الاقتصاد والعمالة الاميركيين.
فهل يجب على الاميركيين التخوف من الآثار الاقتصادية لهذه الظاهرة؟ ليس لهذا السبب على وجه الخصوص، فمعظم الارقام التي يتناقلونها هنا وهناك هي تقديرات غامضة ومبالغ فيها. فمعظم التقديرات الملموسة فعلاً تقول ان اعداد فرص العمل التي خسرها الاميركيون بفعل تصدير فرص العمل هي خسائر صغيرة لا تذكر مقارنة بحجم الاقتصاد الاميركي.
فتصدير فرص العمل قد اثبت ان العولمة يمكن ان تضر بالوظائف المكتبية، والتي كانت حتى الآن منيعة على المنافسة الاجنبية، على النحو نفسه الذي اخذت به بفرص العمل في مجال التصنيع. غير ان ما قاله مانكيو هي صحيح تماماً، فإيجاد مزيد من فرص العمل في الخارج سيؤدي فعليا لمزيد من فرص العمل والدخل داخل الولايات المتحدة.
ولكون الاقتصاد وتحديداً نمو اعداد فرص العمل راكداً الآن، يحاول المعلقون ايجاد علاقة بين التعاقد الخارجي ونسبة البطالة المرتفعة. غير ان التصديق بأن تصدير فرص العمل هو سبب البطالة المرتفعة ليس سوى المعادل الموضوعي الاقتصادي للتسليم بأن الشمس تدور حول الأرض: مقنع من ناحية سطحية لكنه خاطيء في المطلق.
فهل يجب ان يتخوف الاميركيون من ردة الفعل السياسية على تصدير فرص العمل؟ بكل تأكيد. فالمضامين السياسية لتأثر العمالة سلباً بالتقاعد الخارجي هي مضامين قوية، كما ان المطالب بالحماية الحكومية دائما ما تتعالى في اوقات الركود الاقتصادي. الاغراء قصير الامد الذي تثيره النزعة الحمائية لا يمكن انكاره. وتحويل الاجانب الى اكباش فداء للدورات الاقتصادية الداخلية هو سياسة ذكية، كما ان حماية الاسواق المحلية يعطي القادة السياسيين صورة من يتخذ اجراءات مباشرة وحاسمة لحماية الاقتصاد.
غير ان النزعة الحمائية لن تحل مشكلات البطالة الاميركية، مع انها ستنجح بتوفير مساعدات حكومية ضخمة لجماعات المصالح الخاصة حسنة التنظيم. فالمنافسة الاكبر في الاسواق المفتوحة تدفع اعادة توزيع العمالة ورأس المال نحو القطاعات الاكثر ربحية في الاقتصاد. ان فوائد الحرية التجارية هذه للمستهلك والمنتج على السواء لا يمكن انكارها.
والتخفيف من وقع هذه العملية على العمالة التي تتعرض للانزياح امر منطقي. غير ان العودة للحمائية من اجل وقف العملية ليس إلا وصفة للتدهور. ان الاقتصاد المفتوح يقود نحو تقييد التكاليف (وتوسيع المنافع) على المدى القصير وتكثير المنافع على المدى الطويل. اما الحمائية فلا تولد سوى المصاعب على المدى القصير والبعيد على السواء.
تصدير فرص العمل معناه ان تتعاقد شركة على تنفيذ عمل ما مع مقاول بالباطن او مورد من خارجها. وهذه الممارسة شائعة في الاقتصاد الاميركي منذ فترة لا بأس بها. غير ان تقلص تكاليف الاتصالات وتوحيد البرمجيات قد جعلت من الممكن الآن التعاقد الخارجي على اعمال معينة مثل مراكز خدمة العملاء والتسويق بالهاتف وادارة الوثائق. ومن بين المهن التي تأثرت بهذه الممارسة نذكر تقديم الوصفات الطبية واعداد التقارير الضريبية والخدمات المالية.
الأرقام التي يجري تداولها عن تصدير فرص العمل تبدو مخيفة. فمعهد ماكينزي الدولي يقدر بأن حجم تصدير فرص العمل سيزداد بمعدل 30 الى 40 في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة. اما معهد فوريستر للبحوث فيقول ان 3,3 ملايين وظيفة مكتبية ستهاجر للخارج بحلول عام 2015. وتبعاً لهذه التوقعات فإن القطاعات التي ستتعرض للجزء الاكبر من هذه الهجرة للوظائف هي الخدمات المالية وتقنية المعلومات.
ففي استطلاع لآراء المديرون التنفيذيين في قطاع تقنية المعلومات عام 2003 جاءت النتيجة ان 68% من تنفيذيي تقنية المعلومات قالوا ان عقودهم الخارجية الاجنبية ستتزايد في العام التالي. وتقول شركة غارتنر للبحوث ان واحدة من كل عشرة وظائف نهاية هذا العام سيجري التقاعد عليها مع عمالة خارج البلاد. وتتوقع مؤسسة ديلويت للبحوث التعاقد الخارجي الاجنبي على 2 مليون وظيفة في قطاع الخدمات المالية بحلول عام 2009.
للوهلة الاولى تبدو مؤشرات الاقتصاد الصغرى وهي تؤيد الشكوك بأن تصدير فرص العمل يقضي على فرص العمل في الولايات المتحدة. فقد شهد العامان الماضيان نمواً متوسطاً ومكاسب انتاجية مفاجئة ومع ذلك ظلت اعداد فرص العمل تتراجع على مدى 43 شهراً متوالية. وبالتأكيد كما يصر العديد من المراقبين، يعود هذا الى ان فرص العمل التي يولدها الانتعاش الاقتصادي الاميركي تذهب الى دول اخرى.
على سبيل المثال يشير المحلل المالي ستيفين روش من ستانلي مورغان الى ان «هذه هي اول دورة اقتصادية من نوعها منذ شيوع الانترنت وهي الوسيلة التي جعلت من الممكن الحصول على الاتصال الآني قليل التكلفة مع مواقع العمالة الاجنبية». ويضيف: «لا اعتقد ان هذا مجرد صدفة ان يحدث هذا الانتعاش الاقتصادي بمعزل عن زيادة فرص العمل في مثل هذه البيئة» وهؤلاء الذين يوافقونه الرأي يعتمدون على هذا المضمون لدعم تأكيداتهم. اذ ان لو دوبس من سي ان ان على سبيل المثال يواصل هجومه الروتيني على الشركات الاميركية التي تتعامل بالتعاقد الخارجي الاجنبي في مسلسله «تصدير اميركا».
الكثيرون من تنفيذيي تقنية المعلومات انفسهم ساهموا في تشكيل هذا المفهوم. فحين اعلنت شركة آي بي ام عن خططها للتعاقد الخارجي الاجنبي على 3 آلاف وظيفة هذا العام قال احد تنفيذييها ان «العولمة تعني نقل الكثير من الوظائف وفتح الكثير من المواقع في كثير من الاماكن التي لم نحلم بها من قبل والذهاب الى العمالة قليلة التكلفة والمنافسة على تقليل التكاليف وتصدير فرص العمل للخارج» وعن ذلك قال ناندان نيلكاني المدير التنفيذي لشركة انفوسيس تكنولوجيز الهندية في المنتدى العالمي الاقتصادي لهذا العام:
«كل شيء يمكن ارساله بالسلك مفتوح امام الحصول عليه» وفي شهادة امام الكونغرس في يناير الماضي، قالت كارلي فيورنيا المدير التنفيذي لهيوليت باكارد محذرة: لم يعد هناك وظائف ممنوحة لاميركا بحق إلهي».
التصريح الاخير جمد الدماء في عروق الاميركيين فقلة هم من يؤيدون حرية التجارة من اجل حرية التجارة، انطلاقا من المبدأ الصرف نفسه، فالمنطق الذي يقوم عليه اقتصاد حر هو ان الاقتصاد يقضي على الوظائف في القطاعات غير التنافسية وان معدلات العمالة في القطاعات التنافسية ستزداد، وان لم تعد الصناعات عالية التقنية تنافسية فأين ستوجد فرص العمل إذن؟
قبل الاجابة عن هذا السؤال، يفترض بالاميركيين ان يفصلوا بين الحقيقة والوهم، فالتوقعات بفقدان الملايين من الوظائف هي التي تغذي هستيريا التعاقد الخارجي الحالية، غير ان من المهم جدا هنا الاشارة الى ان هذه التوقعات تتحدث عن خسائر اجمالية وليس خسائر صافية، ففي التسعينيات لم يكن التعاقد الخارجي شيئا غير شائع، لكن احدا لا يكترث لحقيقة ان اعداد فرص العمل التي تهاجر للخارج هي اقل بكثير من فرص العمل الجديدة في الاقتصاد الاميركي.
وعلى النحو نفسه فإن معظم التوقعات الحالية ليست بالسوء الذي تبدو عليه للوهلة الاولى حين ذكر الاعداد، فمعظم الوظائف ستبقى غير عرضة للتراجع نهائيا، حوالي 90% من فرص العمل في الولايات المتحدة تتطلب القرب الجغرافي، وهذه الوظائف تتراوح بين تجارة التجزئة والمطاعم والتسويق والرعاية الشخصية وغيرها الخدمات التي يجب انتاجها واستهلاكها محليا ولهذا فإن التعاقد الخارجي ليس خيارا متاحا، كما انه ليس هناك اي دليل على ان الوظائف في قطاع القيمة المضافة العالية تهاجر للخارج، اذ ان احد العوامل التي جعلت التعاقد الخارجي الاجنبي ممكنا هو توحيد الممارسات التجارية مثل ادخال البيانات والمحاسبة ودعم انظمة تقنية المعلومات.
اما الاوجه الانتاجية الاكثر تعقيدا او التفاعلية او الابتكارية على سبيل المثال لا الحصر التسويق والبحوث والتطوير اصعب بكثير امام نقلها للخارج، وعن ذلك يقول تحليل قامت به شركة انترناشونال داتا «النشاطات التي ستهاجر للخارج هي عموما تلك الوظائف التي ينظر اليها على انها تحتاج مستوى منخفضا من المهارة باعتبار ان المعالجة والتكرارية شيئاً اساسياً لهذه الوظائف.
اما الابتكار والخبرة المهنية العميقة فستبقى الى حد كبير داخل البلاد، ولهذا فليس من الصدفة ان تكون هذه الوظائف هي التي تحظى بالاجور الاعلى والارباح الاكبر وتدفع الاقتصاد الاميركي.
اما الوظائف التي يمكن نقلها للخارج، حتى لو كانت اقسى التوقعات وقعا حقيقية، فإن اثرها على الاقتصاد الاميركي سيكون بسيطا بحيث يمكن تجاهله، فتوقعات فوريستر بهجرة 3,3 ملايين وظيفة على سبيل المثال تمتد على مدى 15 سنة وهذا يعني 220 ألف وظيفة سنويا وهو عدد يبقى كبيرا الى ان يتذكر المرء ان العدد الاجمالي لفرص العمل في اميركا هو 130 مليون وظيفة، وانه يتوقع ايجاد 22 مليون وظيفة اضافية حتى عام 2010، سنويا لن يؤثر التعاقد الخارجي الاجنبي على العمالة الاميركية سوى بنسبة 2,0% سنويا.
كما ان هناك اسباباً وجيهة للاعتقاد بأن البطالة التي يسببها التعاقد الخارجي الاجنبي ستكون أقل من المتوقع، فنارتنز يفترض ان اكثر من 60% من عمالة القطاع المالي الذي ستؤثر عليهم مباشرة التعاقدات الخارجية سيجدون انفسهم بلا عمل، غير ان البروفيسور نيتين جوغلكار من جامعة بوسطن قد درس أثر التعاقد الخارجي الاجنبي على الشركات المالية الكبيرة وتوصل الى ان اقل من 20% من العمالة التي يؤثر عليها التعاقد الخارجي تفقد وظائفها، اما الباقي فيعاد توزيعها داخل الشركة نفسها، إذن حتى لو ثبت اكثر التوقعات سلبية، فإن الخسارة الاجمالية لفرص العمل ستكون قليلة نسبيا.
اضف الى ذلك انه ليس من الثابت ان المستويات الفعلية لتنامي التعاقدات الخارجية سيساير التوقعات الحالية ابدا، فعلى الرغم من المزاعم بأن التعاقد الخارجي الداخلي والاجنبي سيتزايد مع الوقت، لم يشهد عام 2003 اي تزايد بل ان شركة تي.بي.آي للاستشارات التعاقدية الخارجية تقول في تقاريرها ان القيمة الاجمالية لخدمات التعاقد الخارجي في الولايات المتحدة قد هبطت 32% عام 2003.
لا احد ينكر ان فرص العمل في القطاع التصنيعي قد انخفضت بحدة في السنوات الاخيرة غير ان هذا لم تكن له سوى اقل العلاقة بالتعاقد الخارجي كما ان سببه يعود بالكامل تقريبا، للتطور التقني، فبسبب ما تعرضت له الزراعة منذ قرن من الزمن، ادت الانتاجية العالية لتقليص الطلب مقارنة بالعرض وبالتالي تقليل الطلب على العمالة الزراعية وهو ما يحدث اليوم للقطاع التصنيعي.
فلو كان التعاقد الخارجي هو السبب الحقيقي في فقدان القطاع التصنيعي لفرص العمل، يفترض بالمرء ان يتوقع ان يشهد تزايدا مقابلا في فرص العمل التصنيعية في الدول النامية، غير ان دراسة اجرتها شركة أليانس كابيتال مانجمينت لتوجهات قطاع التصنيع العالمية بين 1995 و 2002 تظهر ان هذا لم يكن هو الواقع: الولايات المتحدة شهدت تراجعا بنسبة 11% فقط في عمالة القطاع التصنيعي على مدى هذه السنين، فيما شهدت الصين ايضا تراجعا بنسبة 15% والبرازيل تراجعا بنسبة 20% وعلى مستوى عالمي، كانت معدلات فقدان فرص العمل في القطاع التصنيعي مطابقة لتلك في الولايات المتحدة 11%.
ان حقيقة ارتفاع الانتاجية التصنيعية عالميا بنسبة 30% في الفترة نفسها تؤكد ان التقنية وليس التجارة هي السبب الرئيسي لتراجع فرص العمل في المصانع، وتوصلت دراسة اجرتها مؤخرا وزارة التجارة الاميركية الى النتيجة نفسها.
وماذا عن قطاع الخدمات؟ مرة اخرى تتناقض البيانات مع الرأي السائد بأن فرص العمل الاميركية تضيع وتكسبها العمالة الاجنبية دون ان تعوض بفرص عمل اخرى على صعيد الوظائف التقنية منخفضة المستوى، جرى تضخيم الظاهرة، على سبيل المثال، توصلت دراسة لمؤسسة داتا مونيتور ان عمليات مراكز المكالمات الدولية يجري التعاقد الخارجي عليها بوتيرة ابطأ مما كان يعتقد سابقا 5% سنويا بحلول عام 2007.
وقد اعادت شركة ديل آندليمان برذر مؤخرا بعض مراكز المكالمات الى الولايات المتحدة من الهند نتيجة شكاوى العملاء، كما ان مراكز الاتصالات التي تنقل للخارج على نحو ملائم تؤدي دورها الى ايجادالمزيد من فرص العمل في الداخل، على سبيل المثال تعاقدت خطوط دلتا للطيران على 100 وظيفة في الهند عام 2003، غير ان 25 مليون دولار وفرتها الشركة في هذه العملية مكنتها من اضافة 1200 وظيفة جديد في عمليات الحجز والمبيعات داخل الولايات المتحدة.
فإذا كان تصدير فرص العمل ليس هو السبب في فقدان الوظائف فما هو السبب اذن؟ تفيد دراسة حديثة اجراها بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك ان الاقتصاد الاميركي يخضع حاليا لاعادة هيكلة، فرص العمل تلغى من القطاعات القديمة «مثل التصنيع» وتنقل الى القطاعات الجديدة «مثل الوساطة العقارية» وفي عملية التحول هذه من المنطقي ان يكون ايجاد الوظائف لاحقاً زمنيا لالغاء القديمة منها، وبمعنى آخر فإن الركود الاخير والانتعاش الحالي هي نسخة اكثر حدة من «الانتعاش بدون وظائف» اوائل التسعينيات والذي انتج عمليا اطول فترة توسع اقتصادي اميركي ما بعدالحرب العالمية الثانية.
دانييل دريزنر
أستاذ العلوم السياسية المساعد بجامعة شيكاغو
فورين افيرز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.