دقيقتان فقط حالتا دون إحراز أتلتيكو مدريد لقب دوري الأبطال الأوروبي، للمرة الأولى في تاريخه، وأعادتا الكأس المرموقة إلى «مسقط رأسها» لدى جاره اللدود ريال مدريد. التاريخ أعاد نفسه، وسقط أتلتيكو في الرمق الأخير، كما حدث أمام بايرن ميونيخ الألماني في نهائي عام 1974. والمفارقة أن موسمه الرائع سيرتدّ عليه سلباً، إذ تتسابق أندية أوروبية كبرى على ضمّ نجومه، ما قد يعني أن النادي لن يكرّر الموسم المقبل الإنجازات التي حقّقها هذا الموسم. أتلتيكو لم يكن وحيداً في مواجهته ريال مدريد، بل حظي بمساندة هائلة، شعبية ومؤسساتية، في إسبانيا وخارجها، لإسقاط غريمه الذي يثير حسداً بسبب تربّعه على عرش الكرة في العالم. وبدت المباراة النهائية وكأنها بين ريال مدريد والعالم أجمع، ولم يكن ينقص لاعبي برشلونة وبايرن ميونيخ، على سبيل المثال لا الحصر، سوى ارتداء قمصان أتلتيكو في «ساحة الوغى» في لشبونة. معظم الصحافيين الرياضيين في إسبانيا مناهضون للنادي الأبيض، وكثيرون منهم يشجّعون أتلتيكو، لكنهم لا يكفّون عن وعظ ريال مدريد وإقحام أنفسهم في شؤونه، محاولين إحداث فوضى دائمة والتأثير في قراراته وتغيير مسار النادي بما يناسب أهواءهم وأهدافهم المبيّتة. كراهية ريال مدريد رياضة وطنية في إسبانيا، بذرائع لا تُقنِع رضيعاً، سواء لأنه «نادي الجنرال فرانكو»، الديكتاتور الذي حكم البلاد عقوداً، أو لكونه «إمبريالياً»، أم لأنه النادي الأكثر نجاحاً وثراءً في العالم. للرئيس الأسطوري لريال مدريد، سانتياغو برنابيو، قول مأثور: «إسبانيا بلد حاسدين، وكل عِلَلِنا سببها إحرازنا ألقاباً كثيرة. في إسبانيا نوعان من المشجعين: مؤيدون لريال مدريد ومناهضون له». منذ إطلاق الحكم صافرته الأخيرة مساء السبت، لم يكفّ أتلتيكو عن البكاء على الأطلال، واختراع «إساءات» وجّهها إليه جاره المدريدي. يلوم النادي الحكم لأنه زاد 5 دقائق على الوقت الأصلي للمباراة، متجاهلاً أن كل تبديل يُحتسَب نصف دقيقة، ناهيك عن تفنّن لاعبيه في إضاعة الوقت أواخر المباراة. بل أن مدربه الأرجنتيني دييغو سيميوني شارك في الأمر، إذ ركل كرة إلى داخل الملعب، لدى خروجها منه. لكنه انتفض لكرامته «المهدورة»، حين سدّد مدافع ريال مدريد الفرنسي رافاييل فاران كرة في اتجاهه، زاحفة على الأرض، فأعادها سيميوني صاروخ أرض – جوّ كاد يشطر رأس الفرنسي الشاب نصفين، واقتحم الملعب محاولاً الاعتداء عليه، وكأنه محمد علي كلاي في حلبة ملاكمة! لكن وسائل الإعلام الإسبانية حرّفت الوقائع وقلبت الحقائق، جاعلة من المدرب الأرجنتيني ضحية لفاران «الأرعن». تُرى، ماذا كان سيفعل الصحافيون الإسبان الذين صفّقوا لسيميوني خلال مؤتمره الصحافي بعد المباراة، لو أن من ارتكب كلّ ذلك كان ذاك الشقيّ البرتغالي المدعوّ جوزيه مورينيو؟ أغلب الظنّ أنه لم يكن ليرى إسبانيا مجدداً! على أي حال، لم يحتجْ ريال مدريد أكثر من دقيقتين و48 ثانية لمعادلة أتلتيكو في الوقت المحتسب بدل ضائع. لكن مَن امتهن دور الضحية والمغلوب على أمره، وابتهج بخسارة مذلّة على أرضه أمام برشلونة (0-6)، فقط نكاية بمنافسه في العاصمة، لن يعجز عن إيجاد أعذار واهية لتبرير خسارته، ولو أتت في الرمق الأخير. أتلتيكو «مستاء»، تارة لأن رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز احتفل بفوز فريقه، بحركة عادية مع رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسيه ماريا أزنار، وطوراً لأن البرتغالي كريستيانو رونالدو «بالغ» في احتفاله بهدفه، ناهيك عن «قلّة أدب» فاران. لكن أتلتيكو ومدربه «قدوة» في الأخلاق الرياضية، إذ أن رئيسه إنريكه سيريزو كان قال متبجّحاً إن ناديه مستعد للعب المباراة النهائية على ملعب «سانتياغو برنابيو»، مرجّحاً فوز فريقه «مثل العادة»، بنتيجة )3-1(، بعد تقدّم ريال مدريد بهدف. وكان لاعبو أتلتيكو تهكّموا على ريال مدريد، لدى احتفالهم بفوزهم بالدوري الإسباني، معتبرين أن زعامة الكرة في العاصمة دانت لهم. أما سيميوني الذي يُعيب على فاران «سلوكه المسيء»، على قاعدة «ضربني وبكى، سبقني واشتكى»، ما عليه سوى استذكار صورته المشينة بقميص لاتسيو روما الإيطالي، والتخلّي عن محاولة إقناعنا بأن مسيرته في الملاعب كانت سمناً وعسلاً، لم يخدش خلالها شعرة لاعب منافس! إسألوا جولين غيريرو، ساعد الدفاع السابق لأتلتيك بلباو، عن فخذه الذي حفر فيه المدرب الأرجنتيني جرحاً عميقاً، لعلّ آثاره لم تندمل بعد. مَن يدري، قد يكون سيميوني مُحبطاً لأنه لم يرتدِ يوماً قميص ريال مدريد، بعدما قال عام 1994 إنه لن يترك ناديه آنذاك، إشبيلية، سوى للانضمام إلى النادي الأبيض، قبل انتقاله إلى أتلتيكو مدريد. لا يعني ذلك أن سيميوني ليس مدرباً بارزاً، إذ أحدث تحوّلاً جذرياً في أتلتيكو، على رغم محدودية قدراته المادية، وجعله منافساً حقيقياً على الألقاب، بعدما كان مجرد «كومبارس» خسر موقعه التاريخي وراء ريال مدريد وبرشلونة، لمصلحة أندية أقل شأناً منه. ولكن كما أظهر نهائي دوري الأبطال الأوروبي أن المدرب الأرجنتيني لم يتقبّل الخسارة، يستغرب المرء أن يبرّر دوماً سقوط فريقه أمام ريال مدريد، بفارق الإمكانات المالية بين الناديَّين. صحيح أن موازنة النادي الأبيض تزيد 3 مرات عن تلك لجاره المدريدي، لكن السخرية أن ديماغوجية أتلتيكو تمنعه من تذكّر هذه «المناحة» حين يخسر مثلاً أمام ألميريّا بموازنته المتواضعة جداً، حتى قياساً بأتلتيكو... ومن حظ سيميوني أنه «طفل مدلّل» للإعلاميين الإسبان الذي يغفرون له كل ذنوبه، بل لا ينتقدون حتى إعجابه بمورينيو وتصريحاته المشيدة به. والمفارقة أن المدرب الأرجنتيني ينهل من فلسفة نظيره البرتغالي في اللعب، إذ أن أسلوب أتلتيكو يكاد يطابق نهج مورينيو، لكن الأخير لم يلقَ سوى إساءات وشتائم، ليس أقلّها أنه «مضطرب عقلياً» و«نازي»، فيما يبحث الصحافيون الإسبان عن أفعل تفضيل جديدة في لغتهم، لتبجيل سيميوني. والكأس العاشرة لريال مدريد في دوري الأبطال الأوروبي، تُسجَّل في خانة مدربه الإيطالي كارلو أنشيلوتي، ولكن لمورينيو حصة فيها، إذ وضع أسس الفريق وأعدّه، ذهنياً وبدنياً وكروياً، للمنافسة على اللقب، بعد خروجه من الدور الثاني في المواسم الستة السابقة على قيادته الفريق. يكفي أن المدرب البرتغالي أوصل النادي إلى صدارة ترتيب الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا)، بعدما كان في المرتبة ال13 لدى مجيئه إلى مدريد عام 2010. الكأس عادت إلى منزل ذويها، إلى عرينها في ريال مدريد الذي صنعت كأس أوروبا لأبطال الدوري مجده وعظمته، والذي لن يغمض له جفن حتى يحرز لقبه الحادي عشر، ثم الثاني عشر... ولعلّ أسوأ ما قد يفعله نادي العاصمة الإسبانية الآن، هو أن يعتقد بأنه قادر على فرض سطوته على القارة الأوروبية، من دون تعزيز صفوفه. أولاً لأنه أوشك على خسارة المباراة النهائية، وثانياً لأن تشكيلته تحتاج تغييرات في مراكز أساسية، وثالثاً لأن الأندية الناجحة لا تنتظر فشلاً لتغيّر جلدها، بل تفعل ذلك وهي في القمة. ويبدو مُلحّاً خروج الحارس إيكر كاسياس من النادي، بعدما دمّر مشروع مورينيو واستغلّ جيشاً من أصدقائه الإعلاميين لمصلحته الشخصية، ضد ريال مدريد. بل كاد يمنح أتلتيكو لقب دوري الأبطال الأوروبي قبل أيام، إثر ارتكابه خطأً فادحاً، ربما كرمى لعينيّ صديقته سارة كاربونيرو التي تشجّع أتلتيكو... نوع المقال: عام