القاهرة - الشرق كشف السفير عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق والأمين العام لمجلس القومي لحقوق الإنسان السابق، وأستاذ القانون الدولي ، عن أنه ألتقي بالرئيس محمد مرسي يوم 22 يونيو 2013، وقال له إن ما يحدث الآن سيحدث له، وأن مصر مقبلة علي "انقلاب عسكري"، لأنه توقع نفس السيناريو الحادث اليوم، فقد كانت لديه بعض المعلومات والمؤشرات التي تؤكد ذلك، إلا أن "مرسي" لم يستمع له . وأضاف - في حوار خاص ل"الشرق"- أنه توقع ما حدث لأنه من غير المعقول أن تأتي جماعة "الإخوان" الدعوية وتدخل السياسة وتصل إلي أعلي مستويات الحكم، وتكون علي رأس دولة (عميقة) هي أصلا معادية لها، فهذه الدولة العميقة فسد الكثير من أطرافها، مؤكدًا أن "مرسي" لم يكن لديه أدوات السلطة التي هي الجيش والشرطة والإعلام والقضاء، فضلا عن أن هناك عداوات قديمة بين "الإخوان" والدولة العميقة . وذكر "الأشعل" أن تسليح المعارضة السورية هو أكبر خطأ يدفع ثمنه جميع الأوطان العربية، وأن التيارات الإسلامية التي تحارب في سوريا عليها أن تعلم أنها تحطم العالم الإسلامي وقضاياه، وهي لا تضرب بشار الأسد، بل الأمة الإسلامية في الصميم، خاصة أن هناك مفاهيم إسلامية مغلوطة وهناك أجندات كثيرة يتم توظيفها، وأصبحت لدينا أزمة "العائدون"، فهناك دول تشجع أبنائها علي الذهاب هناك، ثم تحارب عودتهم، حسب قوله. كيف تري الأوضاع الحالية بشكل عام؟ منذ 30 يونيو حدث أمران، هما أن السلطة القائمة في ذلك الوقت لم تفطن إلي حقيقة الأوضاع وما جري وقتها، ونصحهم كثيرون- وأنا كنت أحدهم - إلا أنهم لم يسمعوا النصح، وكانت مصر معرضة للكثير من المخاطر، إذا ما حدث صدام سواء ما بين السلطة والمتظاهرين أو دخول القوات المسلحة علي الخط. أيضا القوات المسلحة لم تكن راغبة في التدخل في الأزمة، والمشير السيسي أعطي القوي السياسية مهلة أسبوع ثم مدها لمدة 48 ساعة أخري، إلا أن القوي السياسية والسلطة لم يستفيدوا من هذه المهلة، ويبدوا أنهم جميعا استخفوا بهذا الموقف، وتقدير القيادة العامة المسلحة أن ترك الأوضاع كما هي دون تحرك من جانب السلطة ودون تريث من جانب المتظاهرين المعارضين سيؤدي في نهاية المطاف إلي صدام، ولذلك كان التدخل لفض الاشتباك بين الطرفين . لكن ما حدث بعد ذلك، أمر يؤسف له وتسبب فيه أطراف كثيرة، وإذا ما أردنا أن ننظر إلي الأمام علينا أن نضع ما فات في صندوق يمكن الرجوع إليه فيما بعد، لكن علينا جميعا أن نراجع أنفسنا، وعلينا إنقاذ مما هي فيه، فمصر معرضة للتفكك والمجتمع مهدد بأن يصبح عدوا لبعضه البعض. البعض يصف ما حدث في 3 يوليو بأنه انقلاب والبعض الأخر بالثورة.. ما هو توصيفك لما جري؟ كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في العالم العربي كان يتم تسميتها بالثورة، والانقلاب في العلوم السياسية هو تغيير نظام الحكم بغير الطريق الدستوري الذي كان قائما وقت هذا العمل. وخلال 25 يناير 2011 كان هناك رئيس أسمه حسني مبارك، ودستور 1971، وكانت هناك حكومة، ثم جاء المجلس العسكري وأوقف العمل بالدستور وأطاح بالرئيس، فهذا انقلاب أحدثته القوات المسلحة . وخلال 30 يونيو كانت هناك هبة شعبية كبيرة - بغض النظر عن أعداد المتظاهرين- ضد حكم الدكتور محمد مرسي، من مجموعات مختلفة بعضهم كان مؤجر وبعضهم كانوا من المواطنين البسطاء، وبعضهم كانت له أهداف سياسية مثل الطبقة السياسية الحالية، خاصة أن أحد المرشحين السابقين قال :" أنا أولي من مرسي بالحكم"، والصراع علي السلطة هو الذي حرك البعض لتفريغ الكرسي من الذي يشغله، لكن هناك فريق كانت لهم أهداف ومطالب مشروعة وأن استمرار الأوضاع لن يؤدي إلي أي انجاز ولذلك كان لابد من تغيير. وإذا ما اعتبرنا 30 يونيو ثورة و3 يوليو انقلاب، فهذا لن يقدم كثيرا للحالة، المهم ما الذي يجب أن نفعله الآن، ونحن في هذه المرحلة، فمصر هي الضحية، وعليهم أن يدركوا أن المتضرر من هذا الصراع هو مصر . كيف تقيم فترة حكم جماعة الإخوان وأداء الرئيس محمد مرسي؟ كنت أحد الذين يعترضون علي الكثير من سياساته، لكن نحن نحتاج للتقييم بعد أن تهدأ العواطف والأوضاع المتأججة، إلا أنه بشكل عام من غير المعقول أن تأتي جماعة دعوية وتدخل السياسة وتصل إلي أعلي مستويات الحكم، وتكون علي رأس دولة (عميقة) هي أصلا معادية لها، فهذه الدولة العميقة فسد الكثير من أطرافها، وعدم إدراك هذه الحقائق ترتب عليه أنهم يريدون الإصلاح، لكن كيف لهم الاصلاح؟. و"مرسي" كان وراءه حزب قوي للغاية، لكنه بدّد قوته؛ لأنهم قوة كبيرة بلا عقل سياسي، ولو كان الإخوان لديهم عقل سياسي لسادوا العالم.وقد أيدت الإخوان ليس بصفتهم جماعة دينية بل حزبا سياسيا قويا يستطيع إنهاض مصر، لكن حينما لم تنهض مصر لأسباب خارجة عن إرادتهم، فعليهم الرحيل. الإخوان تقول أنها واجهت حرب شرسة من الدولة العميقة والمجلس العسكري وقوي خارجية قاموا بإفشالها والإطاحة ب"مرسي" ؟ إذا ما كان "الإخوان" قد فوجئوا بهذه الحرب، فهي غفلة منهم، وإذا كانوا يتوقعونها ولم يستعدوا لها فهذا غباء منهم، فهم بين الغفلة والغباء، فالدولة العميقة موجودة منذ زمن، والجديد أن الدولة العميقة تأثرت بالنظام السياسي الذي ظل لمدة 40 عام، ففسد جزء كبير منها، وهذا الفساد لا تستطيع مواجهته الآن، وكان يجب علي "الإخوان" أن يتجهوا للمجالس المحلية أولا، ثم للبرلمان، لكن الرئاسة لم تكن مطلوبة بالنسبة لهم . وهل قدمت النصح ل "مرسي"؟ نصحته كثيرا، وكانت أخر مرة يوم 22 يونيو، وقلت له أن ما يحدث الآن (الانقلاب) سيحدث له، وأن مصر مقبلة علي انقلاب عسكري، وأن نفس السيناريو الحادث اليوم سيكون، فقد توقعته، لأن نذر الخطر وقتها كانت واضحة للجميع، وكانت لدي بعض المعلومات والمؤشرات التي تؤكد ذلك، وكانت لدي رسالة موحدة لكل من المشير عبد الفتاح السيسي والدكتور محمد مرسي قبل 30 يونيو، إلا أنه للأسف لم أرسلها لهما، وقلت فيها ل"مرسي" أنه لا يمكن مطلقا ألا تتحرك وكأن شيئا لم يكن، وللسيسي ترفق في دخول الجيش في هذه المعركة، لأن مصر أمانة في أيديكما. وماذا الذي كان ينبغي علي مرسي فعله تحديدا برايك ؟ طالبته بأن يقوم بتشكيل حكومة جديدة برئاسة "السيسي" ويأخذ كل الصلاحيات، فالسيسي قادر علي هذا الأمر ويريد الإصلاح، ثم يجري "مرسي" استفتاء علي نفسه، فغير معقول أن يستمر كما هو وهناك رفض شعبي له، وكان يجب أن يعلم أن نذر الخطر موجودة، والخطر علي الدولة قبل أن يكون عليه . وعدم قدرته علي الانجاز بسبب كثرة الإعاقات تدفعه لعدم الاستمرار، وكان عليه من نفسه أن يرحل بطريقة مهذبة، لكن التمسك بالمنصب في وجه الظروف الصعبة كان تصور غير صائب. وكان عليه أن يخرج بخطاب يشكر فيه الشعب شكرا جما، علي تأييده ودعمه له، وأنه إذا كان قد فشل فأنه تم إفشاله أيضًا، لأسباب راجعة بعضها إليه وبعضها لجماعته وبعضها الآخر لأسباب لا علاقة لهم بها، وأنه لا يستطيع أن يحكم شعبا لم يجمع عليه، وبدلا من إعاقته واصطناع مشاكل يومية له، وعدم استطاعته في الانجاز، يقرر الاستفتاء علي نفسه. وماذا كان رد فعل "مرسي" حينما نصحته؟ لم يرد، فقد كان يستمع أكثر من أن يرد، فهو لم يسمع لنصيحة أحد إلا جماعته، إلي أن أصبح رئيسا للإخوان فقط، وهذا غير جائز. "الإخوان" يرون إن ما جري ليس حربا ضدهم بل ضد ثورة 25 يناير والهوية الإسلامية لمصر ؟ الإخوان ليسوا نوابا عن الإسلام أو عن ثورة 25 يناير، فلو كان هناك عقلاء لأصدروا البيان وذهبوا، والشعب هو الذي يفعل ما يشاء، لأن الإخوان قاموا بدورهم وأرادوا أن يتحملوا كل شيء، وهذا غير ممكن، ونفس الأمر يحدث الآن، يتم أقضاء الآخرين. لكن "مرسي" والإخوان" قالوا إنهم عرضوا مناصب رفعية وكثيرة علي قوي المعارضة كما أن حمدين صباحي كشف أن مرسي عرض عليه منصب نائب الرئيس؟ هذا حدث متأخرًا، وحمدين كان يطمع أن يكون هو الرئيس، ولن يقبل بأقل من ذلك، وهناك من كان يعارض مرسي لأنه يريد الكرسي ذاته وليس إصلاحه، وهناك شريحة أخري تريد خراب مصر، وكان يجب عليه إدراك ذلك منذ البداية، ثم أنني إذا ما كنت لا أفهم أبعاد الحكم لماذا أترشح له من الأساس . برأيك ما الذي كان يجب "الإخوان" فعله تجاه هذه الأزمة؟ هناك معركة فقدها الإخوان، وكان يجب عليهم أن يراجعوا أنفسهم جيدا، وعليهم أن يدركوا أنهم جزء من المجتمع وليس كل المجتمع، فمصر أكبر من أي فريق، وكان أشرف لهم إصدار بيان يقولون فيه :" يا شعب مصر، نحن لن نحارب لنسترد ملكا ضائعا، ولكننا نعترض علي دخول الجيش في السياسية، وهذه قضية تخص الشعب كله، ونحن لسنا وكلاء عنه"، ويتركون النظام يسير لوحده. ولو ترك الإخوان النظام الحالي لسقط، فقد أتي بأشخاص لا يستطيعون الوقوف علي أقدامهم، فما بالنا بمواجهة المشاكل والأزمات، لكن مصر تهوي وتتراجع، والجميع مسئولون عن ذلك، وكل طرف عليه أن يكبح جماح نفسه ويراجع مواقفه، لكن خسارة معركة ليست نهاية العالم، وليس معني ذلك أن أخذ مصر كلها معي، والتيار الإسلامي كله عليه أن يراجع نفسه. وهل تعتقد أن الواقع تجاوز عودة "مرسي" وأنه علي الإخوان تقبل الأوضاع الجديدة؟ يجب علي "الإخوان" مراجعة أنفسهم، لأن هناك فارق بين المثالية والواقع، فالواقع مضي خطوات بعيدة جدًا عن المثالية، ولا نريد أن نضحي مثلما ضحي سيدنا الحسين بن علي، وإذا ما كانت الجماعة تريد العمل السياسي فعليها أن تدرك قواعد اللعبة وحسن التعامل معها، وإذا ما كانت تريد العمل الدعوي فعليها بالبقاء داخل المساجد. وما هو تقييمك لمواقف القوي الليبرالية من الأزمة؟ لا أعترف بالتيار الليبرالي أو غيره من التيارات في مصر، ومستعد للمناظرة مع رموزهم حول ما معني العلمانية والليبرالية وأفكارهم، إلا أن هؤلاء أشكال انتهازية، لا علاقة لها بالذي حدث، فقد كان اليسار سابقا تيار وطنيا محترما مثقفا خالصا ومقاوما للاستعمار ومطالبا بالحرية، أما الآن فهو يرقص لتقييد الحريات، والليبرالي يدعو إلي ما يتناقض مع الليبرالية الحقة، وكل هذا يدعونا للأسف والحزن، وقد عاشت الليبرالية والفكر اليساري وسقط الليبراليون واليساريون، وهذا امتحان مهم. وكيف تري الأوضاع في سيناء؟ أسجل خوفي الشديد علي الجيش المصري الذي يتعرض لاستنزاف كبير في سيناء، والإرهاب يجب أن يكون له حلول من بينها الحل الأمني، فلا يجب أن يكون الجيش وحده يقف في مواجهة الإرهاب، وإذا ما كانت إسرائيل تساهم في ذلك، فليس من أجل مصر بالطبع، بل من أجل أن يتورط الجيش أكثر في مزيد من مثل هذه العمليات، وأحذر من التقارب من إسرائيل مكافحة الإرهاب، ويجب أن تكون هناك خطة مصرية لمكافحة الإرهاب. وكيف تري مواقف رجال الدين من الأحداث؟ هناك كثير من رجال الدين خرجوا عن حدود الدين، فقد أباح بعضهم القتل والتنكيل بفئة سياسية معينة وطلاق الزوجة الإخوانية، وهذا إسفاف لا يليق برجل الدين، وأنا مستاء جدا من هذا، وهؤلاء ليس فقهاء السلطان لأنهم تجاوز هذا التوصيف بمراحل، والشباب لم يعد يثق بالمؤسسة الدينة منذ فترة طويلة، ولذلك ظهر الدعاة والاجتهادات والفتن الدينية المختلفة. كيف تنظر لحكم حظر نشاط حركة حماس ومصادرة مقاراتها في مصر؟ المقاومة الفلسطينية هي درع الأمان لمصر من الناحية الإستراتيجية، و"حماس" هي حركة مقاومة في الأراضي الفلسطينية وليس خارجها، وينبغي أن ينظر إليها من خلال منظورين مختلفين تماما، الأول أنها تنتمي لعقيدة جماعة الإخوان، وإذا ما كانت ستتبني عقيدة الإخوان في معاداة السلطة القائمة في مصر، فهذا سيصبح خطر كبير، وإذا كانت "حماس" تساعد فعلا في الإرهاب في سيناء وتسبب متاعب للسلطة حاليا فهي تخلط بين مصلحة الوطن والنظام القائم. ولذلك أدعو الطرفين ( الحكومة المصرية وحماس) أن يجلسا معا، وإذا ما كانت حماس مخطئة فعليها أن تعود للصواب، ولكن لا يجب مطلقا أن يصور الأمر وكأن مصر تقوم بما كان يصعب أن تقوم به إسرائيل، وهذا لا يجب أن يكون بأي شكل من الأشكال، فمصر دائما هي التي أنشأت المقاومة وساندتها وحمتها، والمقاومة تتوقف عندما يتوقف الاحتلال.