قرار جديد ضد المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة في النزهة    خريطة برلمانية جديدة بانتظار حكم «الإدارية العليا» في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    فنزويلا تتهم الولايات المتحدة ب"السرقة الصارخة" بعد مصادرة ناقلة نفط في الكاريبي    ناسا تفقد الاتصال بالمركبة مافن التي تدور حول المريخ منذ عقد    التعاون الإسلامي تدين خطط الاستيطان الإسرائيلية الجديدة في الضفة الغربية    سلوى عثمان: أخذت من والدتي التضحية ومن والدي فنيًا الالتزام    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    أول قرار ضد مضطرب نفسي تعدى على رجال الشرطة لفظيا دون سبب بمدينة نصر    مدبولي يفتتح اليوم الجمعية العامة للشراكة بين الأكاديميات بالعاصمة الجديدة    التحقيق مع شخص يوزع بطاقات دعائية على الناخبين بالطالبية    رفض الأسلوب المهين من ضابط وإعطاء مفتاح سيارته له ..وفاة شاب تحت التعذيب بقسم شرطة ثالث المحلة    أحمد مراد يعتذر عن تصريحه الأخير المثير للجدل عن فيلم الست    مراكز الإصلاح والتأهيل فلسفة إصلاحية جديدة.. الإنسان أولًا    توقيت أذان الفجر اليوم الخميس 11ديسمبر 2025.. ودعاء مأثور يُقال بعد الانتهاء من الصلاة    قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف شمال شرق البريج وسط غزة    أرسنال يسحق كلوب بروج بثلاثية خارج الديار    يوفنتوس ينتصر على بافوس بثنائية نظيفة    "شغّلني" تُطلق مشروع تشغيل شباب الصعيد بسوهاج وقنا    خالد أبو بكر يشيد بجهاز مستقبل مصر في استصلاح الأراضي: سرعة العمل أهم عامل    لماذا تجدد أبواق السيسى شائعات عن وفاة مرشد الإخوان د. بديع بمحبسه؟    التحضير لجزء ثانٍ من مسلسل «ورد وشوكولاتة»    عاجل - قرار الاحتياطي الفيدرالي يخفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في ثالث خفض خلال 2025    اسعار الفاكهه اليوم الخميس 11ديسمبر 2025 فى المنيا    الكونغرس يمهّد لإنهاء حقبة قانون قيصر... خطوة أمريكية جديدة نحو إعادة تشكيل العلاقة مع سوريا    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11ديسمبر 2025........مواعيد الأذان في محافظة المنيا    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    سلمان خان وإدريس إلبا وريز أحمد فى حفل جولدن جلوب بمهرجان البحر الأحمر    "ميد تيرم" يتصدر تريند تيك توك مع أولى حلقاته على قناة ON    المتهم بتجميع بطاقات الناخبين: «كنت بستعلم عن اللجان»    الرفق بالحيوان: تخصيص أرض لإيواء الكلاب الضالة أحد حلول انتشار هذه الظاهرة    "امرأة هزت عرش التحدي".. الموسم الثاني من مسابقة المرأة الذهبية للمركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة    منتخب مصر يواصل تدريباته بمركز المنتخبات الوطنية استعدادا لأمم إفريقيا (صور)    رودريجو: ليس لدي مشكلة في اللعب على الجانب الأيمن.. المهم أن أشارك    كرة طائرة - خسارة سيدات الزمالك أمام كونيجيليانو الإيطالي في ثاني مواجهات مونديال الأندية    "جنوب الوادي للأسمنت" و"العالمية للاستثمار" يتصدران ارتفاعات البورصة المصرية    حقيقة منع شيرين عبد الوهاب من رؤية ابنتيها وإفلاسها.. ما القصة؟    مادورو: فنزويلا مستعدة لكسر أنياب الإمبراطورية الأمريكية الشمالية إذا لزم الأمر    البنك المركزي: معدل التضخم الأساسي السنوي يسجل 12.5% في نوفمبر 2025    القبض على شخص اقتحم مدرسة بالإسماعيلية واعتدى على معلم ب "مقص"    4 فوائد للملح تدفعنا لتناوله ولكن بحذر    أعراض اعوجاج العمود الفقري وأسبابه ومخاطر ذلك    معهد التغذية يكشف عن أطعمة ترفع المناعة في الشتاء بشكل طبيعي    انتبهي إلى طعامك خلال الأشهر الأولى من الحمل.. إليك قائمة بالمحاذير    البابا تواضروس يهنئ الكنيسة ببدء شهر كيهك    ارتفاع الأسهم الأمريكية بعد قرار مجلس الاحتياط خفض الفائدة    هجوم جوي مكثّف.. أوكرانيا تطلق نحو 300 مسيّرة باتجاه الأراضي الروسية    مستشار وزير الثقافة: إدارج "الكشري" في قائمة تراث اليونسكو يمثل اعترافًا دوليًا بهويتنا وثقافتنا    أستاذ علوم سياسية: المواطن استعاد ثقته في أن صوته سيصل لمن يختاره    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال في رفح جنوب قطاع غزة    التعادل السلبي يحسم موقعة باريس سان جيرمان وأتلتيك بلباو    الزوامل والتماسيح: العبث البيئي وثمن الأمن المجتمعي المفقود    ضبط شاب ينتحل صفة أخصائى علاج طبيعى ويدير مركزا غير مرخص فى سوهاج    ساوندرز: ليفربول ألقى صلاح تحت الحافلة؟ تقاضى 60 مليون جنيه إسترليني    الأرقام تكشف.. كيف أنقذ صلاح ليفربول من سنوات الفشل إلى منصات التتويج.. فيديو    ترامب: الفساد في أوكرانيا متفشٍ وغياب الانتخابات يثير تساؤلات حول الديمقراطية    "الصحة" تكشف عن الفيروس الأكثر انتشارا بين المواطنين حاليا    الأوقاف تختتم فعاليات المسابقة العالمية الثانية والثلاثين للقرآن من مسجد مصر الكبير بالعاصمة    حاسوب القرآن.. طالب بكلية الطب يذهل لجنة التحكيم في مسابقة بورسعيد الدولية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جلبير الأشقر: من يتصور أن الخمسينيات قابلة للإعادة..واهم
نشر في أخبار الأدب يوم 10 - 11 - 2013


جلبير الأشقر
30 يونيو كان برأيي ذروة لغضب جماهيري كاسح علي ممارسات الإخوان المسلمين خلال رئاسة مرسي، وتعبيرا عن الديموقراطية الجذرية التي هي إحدي نتائج الانتفاضة الإقليمية الكبري التي بدأت 2011
نحن إزاء سياسات لا تستطيع حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية،
فلن تستطيع خلق شعبية طويلة الأمد، وما نشهده اليوم هو حالة سطحية جدا ، وستزول بسرعة
في حال اختبار السلطة
لا يري جلبير الأشقر أن نقطة النهاية قد وضعت لا في مصر ولا في البلاد العربية التي شهدت انتفاضات جماهيرية في بداية 2011، بل يسمي الأشقر في كتابه "الشعب يريد" (الصادر مؤخرا عن دار الساقي) ما يحدث في العالم العربي "سيرورة ثورية طويلة الأمد" حيث تشير تلك الصيغة إلي أن ما حدث شكّل صدمة ثورية في المنطقة العربية كافة حتي وإن كانت الانتفاضات الكبري قد اندلعت حتي الآن في ستة بلدان عربية فقط، كما تشير إلي أن البلاد التي شهدت تغييرا سياسيا مصر، تونس، وليبيا غير قادرة حتي الآن علي حل الأسباب العميقة للانفجار الذي أشعل المنطقة، والتي يقتضي حلها تغيرات اجتماعية/ اقتصادية عميقة.
يحلل صاحب "صدام الهمجيات" في حديثنا معه الحالة المصرية بعد الثلاثين من يونيو، وكيف تغيرت تحالفات الخريطة السياسية في مصر، وما مستقبل تلك التحالفات، موقف الإخوان ومستقبلهم في المدي القريب، ومدي ما يمكن أن تقوم به المؤسسة العسكرية في صورتها الحالية من تغيرات.
وجلبير الأشقر الذي يعمل كأستاذ لدراسات التنمية والعلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، وهو رئيس مركز الدراسات الفلسطينية بالمعهد يختم كتابه بقوله إن "الانتفاضة العربية ليست سوي في بداياتها." ثم يضيف: "كتب الجنرال ديجول في مذكراته خلال الحرب : "المستقبل يدوم طويلا". إنه لتعبير جميل عن الأمل".
بداية، يدور في مصر نقاش كبير حول ما حدث في الثلاثين من يونيو: هل هو ثورة أم انقلاب؟ كيف تري هذا النقاش؟
اعتقد أن نقاش "هل ما حدث هو ثورة أم انقلاب؟" هو نقاش خاطئ، فهو يفترض وجود تناقض مطلق بين الحالتين في حين لم يكن هناك تناقض في الواقع، بل جمعت الظروف الأمرين.
يوم الثلاثين من يونيو كان برأيي ذروة لغضب جماهيري كاسح علي ممارسات الإخوان المسلمين خلال رئاسة مرسي، وتعبيرا عن الديموقراطية الجذرية التي هي إحدي نتائج الانتفاضة الإقليمية الكبري التي بدأت مع بداية 2011
فالتوقيعات التي جمعها شباب "تمرد" والدعوة للتظاهر في 30 يونيو للمطالبة بانتخابات رئاسية جديدة، كل هذا كان موقفا ديموقراطيا جذريا، يتخطي الديموقراطية الشكلية الثابتة عالميا والتي تقتصر فيها الإرادة الشعبية علي الإدلاء بالاصوات يوم واحد كل أربع أو خمس سنوات بحسب البلد، بينما الديموقراطية الحقيقية لا بد من أن تتضمن حق الناخبين في إقالة من أنتخبوه وتبديل المنتخبين، وإلا يصبح المنتخب كما هو في الأنظمة القائمة الآن علي مستوي العالم حر في تصرفه تماما، حتي لو خان معظم الوعود التي تم انتخابه علي أساسها. من هذه الناحية الثلاثون من يونيو يشكل موجة جديدة في الثورة المصرية، وتجذير لها أيضا.
ولكن المسألة لا تقتصر علي ذلك حيث اختلط في الحشد الذي خرج في تلك التظاهرات، من خرج ليعلن غضبه علي سوء الاوضاع المعيشية وتردي الوضع الاقتصادي والاجتماعي، ومن خرج بنية إرجاع الأوضاع إلي النظام القديم، هذا الرافد الذي يسمي ب"الفلول"، علما بأن هذا التعبير غير دقيق لأن الدولة العميقة في مصر لم تزح من السلطة أبدا. ومن ظن أن تنحية طنطاوي وعنان وتعيين السيسي فعل ثوري من قبل مرسي وتحقيق للسيطرة المدنية علي المؤسسة العسكرية كان موهوما بالكامل، كما بيّنت في كتابي.
هذا وقد ارتبط الحراك الشعبي بأوهام كبري حول الجيش، مثلما رأينا في يناير/ فبراير 2011، وبالتالي كانت الحصيلة ما لا يمكن وصفه سوي بالانقلاب من حيث العملية الفعلية، تماما كما كان 11 فبراير انقلابا عسكريا أدي إلي استيلاء المجلس العسكري علي السلطة. هذه المرة أيضا قام الجيش بانقلاب ولكنه استوعب تجربة المجلس العسكري الأولي ففضّل وضع مدنيين في الواجهة، مع الوضوح الشديد لحقيقة أن الرجل القوي في السلطة المصرية الحالية ليس حازم الببلاوي، ولا عدلي منصور بطبيعة الحال، ولكنه عبد الفتاح السيسي.
كيف تري الحالة الحاصلة الآن بعد مضي أربعة أشهر علي الثلاثين من يونيو؟
الوضع الراهن هو وضع انتقالي إلي أقصي الحدود، بمعني أنه وضع هش وغير مستقر علي الإطلاق، وثمة تناقضات عديدة كامنة فيه. فالظاهر أن هناك معسكرين، معسكر 30 يونيو ومعسكر الإخوان، لكن الواقع هو أن تركيبة حركة 30 يونيو تركيبة هجينة، تماما مثلما كانت تركيبة حركة يناير / فبراير 2011 تركيبة هجينة حيث ضمت الميادين الإخوان واليسار والناصريين والليبراليين وأعدادا كبيرة من غير المسيسين، ولم يكن يجمع هذه التشكيلة الواسعة سوي العداء لمبارك، والرغبة في التخلص منه، أما ما عدا ذلك فلا يوجد ما يجمعهم، وهذا ما ظهر بعدها عندما تعاون الإخوان والسلفيون مع الجيش في استفتاء مارس 2011 حين تصدي حلف المجلس العسكري والإخوان للمعارضة اليسارية والليبرالية.
ولكن سلوك الإخوان المسلمين ورغبتهم في الانفراد بالسلطة، وإجراءاتهم الرامية إلي أخونة الدولة، أدت إلي تبدل في خريطة التحالفات فالخريطة السياسية لمصر بعد فبراير 2011 كان فيها ثلاث قوي أساسية هي الجيش والإخوان والمعارضة اليسارية والليبرالية علي انواعها فبدأ المعسكر الثالث في تصعيد المعركة ضد الإخوان. ولكن هذا المعسكر الثالث ليس لديه قوة تنظيمية خاصة به تسمح له بالإطاحة بمرسي فاعتمد علي الجيش لتخليصه من الإخوان.
والآن نري أن التناقضات بدأت في التصاعد من جديد داخل معسكر الراغبين في التخلص من مرسي، فعلي سبيل المثال نري هذا التناقض يتصاعد بين شباب التيار الشعبي ومشروعهم السياسي ورغبتهم في أن يكون حمدين صباحي مرشحهم الرئاسي وبين موقف القيادة العسكرية في جو من الدعاية الضخمة لترشيح السيسي للرئاسة.
المشكلة أن هناك قطاعاً عريضاً من الليبراليين واليساريين والناصريين يظنون بسذاجة أن الجيش قام فقط بتحقيق رغبات الشعب، وتنفيذ ارادة الجماهير، وأنه ليس لدي قيادة الجيش طموحات في السلطة، وهؤلاء يصورون الجيش كما يرغبون أن يكون وليس كما هو في الواقع.
توجد ضجة دعائية ضخمة في مصر حول دور الفريق السيسي وتشبيهه بعبد الناصر، وحملات لدفعه للترشح للرئاسة، هل تري في ذلك مخرجاً من الوضع الراهن؟
حتي الآن لا نعرف ان كان وزير الدفاع سيترشح للانتخابات الرئاسية، أم انه سيفضل الموقف الأكثر راحة وتحكما فيبقي علي رأس المؤسسة العسكرية، وبالتالي يبقي الرجل القوي في السلطة، بدون أن يتحمل تبعات ادارة الشئون الاقتصادية والاجتماعية. فلو تولي الفريق السيسي رئاسة الجمهورية سيؤدي ذلك إلي زوال الحالة الراهنة من عبادة الفرد المحاكة حوله، لأننا لسنا في 1952 ولا في 1954 فقد استطاع عبد الناصر أن يحصل علي شعبية هائلة بسبب ما قام به من انجازات كبيرة علي الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والوطني عبر التأميمات والمشاريع الكبري والصحة والتعليم إلي آخره. نعم حدث ذلك في إطار ديكتاتورية عسكرية صريحة، ولكن لا شك أن تلك الديكتاتورية كانت تقدمية في جوانب عديدة ولهذا السبب كان لعبد الناصر تلك الشعبية العظيمة.
لا مجال اليوم لتكرار مثل ذلك أبدا، لأن المؤسسة العسكرية اليوم هي راعية السياسات الاقتصادية النيوليبرالية منذ عشرات السنين وهي تتكل علي السعودية والامارات في تمويل الدولة، وبالتالي نحن إزاء سياسات لا تستطيع حل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها مصر، فلن تستطيع خلق شعبية طويلة الأمد، وما نشهده اليوم هو حالة سطحية جدا واصطناعية إلي حد بعيد، وستزول بسرعة في حال اختبار السلطة.
كيف تري طموحات المؤسسة العسكرية؟ بمعني آخر ألا يمكن أن تخلق المؤسسة العسكرية في تركيبتها الحالية دولة تختلف عن دولة مبارك؟
لا يمكن. وذلك لسبب بسيط، وهو الفرق الكبير بين ثورة 1952 وبين الوضع الحالي، وأي تشبيه بينهما هو تشبيه سخيف. فمن قاموا بثورة 1952 هم ضباط صف ثان من الشباب، حتي أنهم استعانوا باللواء نجيب حتي يكون لهم واجهة من ضباط الصف الأول. وبالرغم من اتجاهاتهم السياسية المختلفة إذ ضم الضباط الأحرار شتي ألوان المعارضة للملكية من الإسلامي إلي الشيوعي، إلا ان طموحاتهم التي عبر عنها عبد الناصر كانت مرتكزة إلي مشروع تغييري عميق هو مشروع وطني بالدرجة الأولي، وبممارسة هذا المشروع تم الاصطدام بمصالح الدول الكبري من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، و بإسرائيل طبعا، في عالم كان يتميز بثنائية الأقطاب، وبوجود الاتحاد السوفيتي الذي استطاع عبد الناصر الاستناد عليه بل تقليده علي أكثر من مستوي.
إذن نحن أمام ضباط صف ثان أرادوا خدمة الوطن والشعب، ولو بتصورات عسكرية، ولا شك في اخلاصهم في هذا المجال. وقد تجذرت تلك الرغبة عبر التجربة منذ الخمسينيات وصولا إلي الميثاق في بداية الستينيات وهنا بدأت ملامح المشروع الناصري تكتمل.
الآن أين نحن من كل هذا؟ نحن لسنا أمام حركة ضباط صغار تتولي ادارة الجيش ولكن نتحدث عن الفريق السيسي وقيادة الجيش الحالية الذين كانوا أعمدة أساسية لنظام مبارك، ولم يكن السيسي ضابط صف ثان في عهد مبارك بل كان قائد المخابرات الحربية، وفي إطار مؤسسة عسكرية تشكل دولة داخل الدولة ولها نشاطات اقتصادية ضخمة في قطاعات لا علاقة لها بالأمور العسكرية، وبالتالي أي مقارنة بين عبد الناصر وبين السيسي لا معني لها، فلا يوجد أي شيء مشترك بينهما سوي انتمائهما للجيش فقط.
ومن لديه أوهام في هذه النقطة سرعان ما سيخسرها بنفس سرعة تبدد الاوهام حول مرسي، فقد كان هناك قطاع كبير من الشعب لديه أوهام حول مرسي وتبددت تلك الاوهام بسرعة فائقة، لأنه كان عاجزا عن تلبية حاجات الجماهير، والتي هي في المقام الأول حاجات اقتصادية واجتماعية ومن ثم حاجات وطنية وسياسية.
هناك الآن حالة انحسار للحركة الجماهيرية إذا استثنينا تظاهرات الإخوان وتبدو الأمور كما لو أن قمع الدولة سيعود وبقوة...هل تري الوضع كذلك؟
أجزم بأن الأمور لن تستقر، لأن حجم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في مصر كبير وعميق، وهذا يرجعنا للسؤال الأساسي: لماذا انفجر الوضع في المنطقة؟ لأن حجم البؤس وصل إلي حد لا يطاق، والمحرك الرئيسي للانتفاضة العربية، أو ما أسميه "السيرورة الثورية الطويلة الأمد"، هو تلك الجذور الاقتصادية والاجتماعية، بمعني انسداد أفق التنمية وبالتالي انتشار البطالة بشكل واسع وعلي الأخص بطالة الشباب، وهذا الوضع لم يتم حله بل يزداد تفاقما يوما بعد يوم، لأن السبب الاساسي في انسداد آفاق التنمية إنما هو اتكال الحكومات انطلاقا من النظرة النيوليبرالية علي القطاع الخاص، بينما الاستثمار الخاص غير مستعد للقيام بالمهمة التنموية. في الخمسينيات عندما رأي عبد الناصر أن القطاع الخاص غير مستعد للقيام بهذه المهمة جعل الدولة تقوم بها. هل يتصور أحد أن قيادة الجيش الحالية لديها برنامج من هذا النوع؟ من يتصور ذلك هو موهوم.
إذا انتقلنا إلي المعسكر الآخر: الإخوان... في الأيام الأولي تصورنا أن ما يحدث هو بداية نهاية الإسلام السياسي، ولكن يبدو أنهم عادوا مرة أخري إلي خانة الضحية؟ كيف تري الأمر؟
ما قامت به المؤسسة العسكرية من مصادرة للثورة الشعبية سمح للإخوان بالتظاهر بأنهم ممثلو ثورة يناير، وحاملو لواء الديموقراطية. والمشكلة أن العنف الذي تعرضوا له أعطاهم فرصة كي يلعبوا علي هذا الوتر.
بينما أظهر الإخوان واقعيا نوعا من العمي السياسي المذهل، ليس فقط خلال فترة مرسي التي لم يحاولوا من خلالها بناء تحالف وطني عريض، علما بأن مرسي تم انتخابه بفضل أصوات الدورة الثانية وهي بالاساس أصوات لم ترد مرسي في الدورة الأولي، بل انتخبته لأنها لم تكن تريد عودة النظام القديم. وتصرفوا بشكل منفرد تماما مصدقين أن ساعتهم قد حانت وأن الرب يرعاهم، ولم يبالوا بأحد، حتي نفر منهم الجميع بما فيهم السلفيون. لقد أظهرت القيادة الحالية للإخوان التي تمثل التيار المتشدد داخل الجماعة حالة نموذجية من الغباء السياسي.
تلك القيادة لم تمتلك درجة كافية من الادراك لتأخذ العبرة من حجم مظاهرات 30 يونيو. عندما اندلعت مظاهرات 1968 في فرنسا ضد ديجول وهو شخصية تاريخية أعظم من مرسي بما لا يقارن دعا إلي انتخابات نيابية استثنائية، ومن ثم دعا إلي استفتاء علي مشروعه السياسي ولما خسره استقال من الرئاسة، وكان مثل هذا السلوك كفيلاً بأن يخلص الجماعة من المأزق. لكن مرسي تشبث بالرئاسة بحجة أنه يمثل الشرعية. بعدها حدث الانقلاب وأصبح واضحا أن تزاوج قوة الجيش مع حشد جماهيري ضخم أقوي من الإخوان بكثير، ومع ذلك قرروا بغباء سياسي منقطع النظير الاستمرار بمظاهرات هزيلة لا تنتج سوي المزيد من الضحايا للمطالبة بعودة مرسي، بدلا من الاستفادة من مساعي المصالحة الامريكية والأوروبية التي تحاول إيجاد سبل لمساومة بينهم وبين الجيش.
وما هو مستقبل الإخوان في المدي القريب؟
أي سلطة تقوم في مصر لا تحمل برنامجا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي وتعيد إنتاج السياسات القائمة منذ أيام مبارك والتي استمرت في زمن مرسي وتتكل علي المملكة السعودية وعلي الولايات المتحدة، ستفشل عاجلا أم آجلا وستواجه نقمة الجماهير. ساعتها سيتثمر الإخوان هذا الغضب الجماهيري في صالحهم، وهذا ما أظن أنهم يراهنون عليه.
والشارع هل سيصدقهم مرة أخري؟
ممكن طبعا، بمعني أن خطاب الإخوان سيعتمد علي حجة انه "لم يفسح لنا المجال لتنفيذ مشروعنا النهضوي، ووضعت أمامنا العراقيل، وأطيح برئيسنا بعد عام واحد من حكمه"، إلخ. وهذا الخطاب من الممكن أن يكون مقنعا في حال تصاعد الغضب الجماهيري إزاء السلطة الحالية وإذا لم تظهر علي الساحة قوة معارضة أخري تمثل التطلعات التقدمية للجماهير. هذا هو التفسير العقلاني الوحيد الذي أراه لموقف الإخوان، وبدون هذه المراهنة، يصبح موقفهم أرعن بالكامل.
هل تتصور امكانية لجوء الاخوان للعمل المسلح؟ وان تصبح مصر معرضة للسيناريو السوري؟
لا اعتقد، هذا السيناريو بعيد عن مصر، لأن تركيب الدولة السورية مختلف تماما. وكي نقرب الصورة أكثر، تصور أن رئيس الجمهورية في مصر مسيحي، والمنتفعين وأكبر الرأسماليين كذلك، وثلاثة أرباع ضباط الجيش من المسيحيين، والقوات الخاصة الأهم داخل الجيش مسيحية بالكامل جنودا وضباطا. هذه هي الحالة القائمة في سوريا مع اختلاف كون الذين يحتلون المواقع المذكورة علويين وليسوا مسيحيين، أما نسبة العلويين في سوريا فهي تعادل تقريبا نسبة المسيحيين في مصر.
من ناحية أخري لا اعتقد أن الاخوان سيصل بهم الأمر إلي ذلك الانزلاق الذي هو مشروع انتحاري بكل معني الكلمة. ممكن أن تتجه بعض الأوساط التكفيرية إلي ذلك كما نري في سيناء علي سبيل المثال، لكن الإخوان كتنظيم فلا أظن.
حتي الآن يتحرك الجميع ضمن حدود ضمنية، سواء الجيش أو الإخوان، فلا الإخوان يذهبون إلي حمل السلاح، ولا الجيش يلجأ إلي تصفية الجماعة. سيبقي الإخوان في انتظار الانفجار الشعبي القادم، في ظل ازمة اقتصادية واجتماعية لم تحل، مراهنين علي أن من سوف يمثل المعارضة آنذاك سيكسب شعبية كبيرة.
وهنا مكمن الخطورة في أوضاعنا الراهنة مع تأرجح التقدميين المستمر بين قطبي النظام القديم والإخوان المسلمين، والمطلوب للخروج من هذا الوضع هو بروز قطب ثالث يجسد الشعار الذي تم رفعه في نهاية فترة المجلس العسكري الأولي: "لا فلول ولا إخوان...لسه الثورة في الميدان".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.