هل احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم يمثل حالة توسع عدواني من جانب موسكو، أم أنه يهدف إلى عرقلة مخطط لحلف الأطلسي للتوسع حتى الحدود الغربيةلروسيا؟ إن تحرك حلف الأطلسي للتمدد حتى الحدود الروسية إنما ينتهك روح، إن لم يكن نص، اتفاق عقد في فبراير/شباط 1990 بين الزعيم السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف، ووزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، والمستشار الألماني الغربي هيلموت كول . والمسألة المطروحة في ذلك الوقت كانت مسألة ألمانيا وحلف الأطلسي . وبموجب المعاهدة التي أنهت الحرب العالمية الثانية، كان للاتحاد السوفييتي الحق في الاحتفاط بقوات عسكرية في ألمانياالشرقية وقد كان الأمريكيون والألمان يسعون للتفاوض مع موسكو حول إعادة توحيد الدولتين الألمانيتين على أساس سحب القوات السوفييتية (380 ألف جندي) في ألمانياالشرقية، مع بقاء القوات الأمريكية والأطلسية ضمن حدود ألمانياالغربية فقط . والروس كانوا مستعدين لسحب قواتهم، ولكن فقط بشرط ألا تدخل قوات أمريكية وأطلسية لملء الفراغ . وفي 9 فبراير/شباط ،1990 أبلغ غورباتشوف بيكر أن "أي توسيع للمنطقة الجغرافية لحلف الأطلسي سيكون غير مقبول" . ورد بيكر بأن أكد له أن "الولاية القانونية لحلف الأطلسي لن تتمدد بوصة واحدة شرقاً" . وفي اليوم التالي لاجتماع غورباتشوف وبيكر، عقد اجتماع بين غورباتشوف والمستشار الألماني الغربي هيلموت كول، الذي أكد للزعيم السوفييتي أن "حلف الأطلسي لا يمكن طبعاً أن يوسع منطقته الجغرافية" نحو ألمانياالشرقية . وفي اجتماع مواز بين وزيري الخارجية الألماني الغربي هانس - ديتريش غينشر والسوفييتي إدوار شيفارنادزة، أبلغ غينشر شيفارنادزة أنه "بالنسبة لنا، موقفنا ثابت، حلف الأطلسي لن يتوسع نحو الشرق" . ولكن أياً من تلك التأكيدات والتطمينات لم تسجل خطياً وما أن بدأ الاتحاد السوفييتي يتفكك، حتى تجاهل حلف الأطلسي الاتفاق، وتحركت قواته شرقاً إلى داخل ألمانياالشرقية السابقة . ورغم شكاوى الرئيس الروسي بوريس يلتسين في أن تمدد الأطلسي شرقاً "ينتهك روح" الاتفاق، إلا أن روسيا لم تكن في وضع يمكنها من أن تفعل أي شيء حيال الأمر . وكما لاحظ الصحفي والكاتب المطلع بيتر بينارت رئيس التحرير السابق لمجلة "ذا نيو ريبابليك"، فإن عدداً من خبراء السياسة الخارجية اعتبروا قرار توسيع حلف الأطلسي شرقاً "استفزازاً أرعن" . ومؤرخ الحرب الباردة المرموق جون لويس كتب هو أيضاً يقول: إن "المؤرخين - وهم عادة كثيرو الخصام - اتفقوا عموماً على نحو غير معهود على أن توسيع حلف الأطلسي لم يكن حكيماً، وكان سيئ التوقيت، وفوق كل شيء، لم يكن يتلاءم مع وقائق عالم ما بعد الحرب الباردة" . ولكن مع تضعضع روسيا على نحو خطر، انتصرت نزعة التسلط على العالم . وهكذا دفع الرئيس بيل كلينتون الأطلسي إلى حرب في يوغسلافيا، وبحلول العام ،1997 كانت بولندا، والمجر، وتشيكيا قد انضمت إلى الأطلسي، ثم تبعتها في العام 2004 سبع دول كانت جزءاً من الكتلة السوفييتية . كما تم توسيع برنامج حلف الأطلسي "الشراكة من أجل السلام" ليشمل الجمهوريات السوفييتية السابقة أوكرانيا، وجورجيا، ومولدوفا، وكازاخستان، وأرمينيا، وأذربيجان . والعرض الحديث العهد الذي قدمه الاتحاد الأوروبي ل "انقاذ اقتصاد" أوكرانيا تضمن بنداً كان من شأنه أن يربط هذا البلد بالتنظيم العسكري للاتحاد الأوروبي . باختصار، شعرت روسيا بأنها أصبحت مطوقة بدول معادية . وهذا واقع يجب على منتقدي التحرك الروسي في القرم أن يأخذوه في الاعتبار . وفي الأيام الأخيرة، اتضح تماماً خطر تقدم حلف عسكري حتى حدود روسيا، عندما بدأ حلف الأطلسي ينشر قوات في دول البلطيق وبولندا، والولايات المتحدة ترسل مدمرة مجهزة بصواريخ موجهة إلى البحر الأسود، وطائرات حربية إلى دول البلطيق . والوضع الراهن هو بالذات الوضع الذي حاول غورباتشوف تجنبه في العام 1990 . ولهذا السبب، يشكل زحف الأطلسي باتجاه الشرق خطراً يتجاوز أوكرانيا . نوع المقال: روسيا