يواصل اليورو الارتفاع امام الروبل، ويمضي قدماً نحو مؤشر 50 روبلاً لليورو الواحد. فالعملة الروسيّة خسرت من قيمتها حوالى 25 في المئة في الاشهر الاخيرة. ويرى الخبراء أن الهبوط الأخير في سعر العملة الروسية يعود إلى إعلان وزارة المال عزمها شراء العملات الصعبة لتمويل صندوق الإدخار. وعلى رغم ان الوزارة أعلنت سابقاً استبعادها هذه الخطوة بسبب آثارها السلبية المحتملة على الروبل، نقضت موقفها هذا وتذرعت بضرورة تأمين السيولة النقدية للقطاع المصرفي. ويعتقد خبراء أن قرار وزارة المال شراء العملات الصعبة من البنك المركزي من شأنه ان يزعزع الروبل أكثر امام اليورو والدولار، ولا يخفون قلقهم إذ يشيرون إلى غياب التنسيق بين اجراءات الوزارة وخطوات البنك المركزي الذي يتفرج على سقوط سعر الروبل من دون ان يحرك ساكناً. وأثبتت الأحداث الأخيرة أن تحليلات الخبراء في محلها. وتغيب المؤشرات الى توقف تدهور سعر الروبل عند مستواه الحالي، في وقت تنهار عملات دول «البريكس» واحدة تلو الأخرى. ولكن أين اختفت احتياطات صندوق الادخار؟ فالافتقار اليها هو وراء هذه الحاجة الملحة الى التمويل والسيولة. ولا يحدد القانون الاتحادي المتعلّق بالموازنة العامة سقفاً لحجم احتياطات صندوق الادخار، ولا يسمح باستخدام عائدات النفط والغاز من أجل تمويل صندوق الادخار وصندوق الرفاه الوطني، بل يقصر أهدافه على توفير سيولة لنفقات الموازنة الاتحادية. ولا يخفى أن ثمة هدراً كبيراً في انفاق عائدات النفط والغاز. وساهمت موجودات صندوق الادخار في التعويض عن اضرار الفيضانات في الشرق الروسي في 2013، على رغم ان صرف المبالغ هذه كان يمكن تفاديه لو فرض التأمين الالزامي على الممتلكات. واختار البنك المركزي وقتاً غير مواتٍ لسحب تراخيص بعض البنوك المريبة، ورتب على الدولة التزامات مالية تجاه المودعين. لكن المشكلة الرئيسية تتعلق بتعذر تنفيذ مراسيم أيّار (مايو) التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتقضي هذه المراسيم بتنفيذ وعوده الانتخابية والتي تتربع اليوم فعلياً محل التخطيط الاجتماعي والاقتصادي في البلاد. واعتبر وزير التنمية الاقتصادية أن تنفيذ المراسيم الرئاسية غير ممكن اذا تراجع النمو الاقتصادي عن عتبة 5 في المئة. أمّا والنمو في مستواه الراهن، وهو يقدر ب2 في المئة، فالآفاق لا تبدو مشجعة. وفي هذه الظروف العسيرة، تثقل المساعدة الموعودة لنظام كييف المتهاوي كاهل الاقتصاد الروسي. وتسعى موسكو إلى استخدام احتياطات صناديق التوفير الروسية لشراء السندات الاوكرانية. لكن روسيا قد تتكبد خسائر كثيرة في ظل الاضطرابات التي تعصف بأوكرانيا اليوم. وتوقع تقرير «السياسة النقدية» الذي نشر أخيراً انخفاض مستويات نمو الاقتصاد الروسي في 2015-2016 من 3 إلى 2 في المئة. ويبقى القطاع الاستهلاكي أبرز محرك للاقتصاد. وعليه، ووفق التقرير نفسه، لا جوانب ايجابية مترتبة على ضعف الروبل. وثمة مخاطر وثيقة الصلة بإضعاف العملة الوطنية. فإذا استمر الانهيار، لا يستبعد البنك المركزي إمكان تشديد السياسة النقدية بسبب زيادة مخاطر ارتفاع التضخم. ويلحظ البنك المركزي الجانب السلبي الناجم عن تقييد شروط الإقراض التي تفاقمت بسبب رفع سقف شروط الائتمان في الأسواق الخارجية. والبنك المركزي يقر بالجوانب السلبيّة لعملية تحرير سعر صرف العملة. وليس نمو الديون الخارجية الروسية 15 في المئة في العام الجاري إلا نتيجة التحرير هذا. ويؤدي ارتفاع نسبة التضخم إلى الحدّ من إمكانات القطاع الاستهلاكي. وفي الامد الطويل، يؤثر انهيار الروبل سلباً على عمليّة التحديث والاصلاحات الاقتصاديّة. وحان وقت العدول عن هذا النهج الاقتصادي والبدء في ضبط النفقات وتقليصها، وإلا أصاب الوهن قدرة النظام السياسي الروسي الحالي على الصمود والبقاء. نوع المقال: مقالات أقتصادية