في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تبنى برلمان إقليم كاتالونيا قراراً يقضي بتنظيم استفتاء في نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 للبت في ما إذا كان الإقليم سيبقى جزءاً من إسبانيا أو يعلن استقلاله . والقول بأن هذا القرار يشكل تحدياً كبيراً للحكومة المركزية في مدريد هو تعبير ملطف . فمن جهة، الدستور الإسباني لا يشير بشيء إلى استفتاءات إقليمية . ومن الجهة الأخرى، نظراً إلى مناخ العداء تجاه مدريد السائد حالياً في كاتالونيا، من المرجح أن تؤيد أكثرية الكاتالونيين "الانفصاليين" (استخدام هذا التعبير لعدم توفر تعبير أفضل لأن المؤيدين للاستقلال يدعون أنهم قوميون، ولكنهم ببساطة لا يشعرون بأنهم إسبان)، وأن تعلن الإقليم دولة مستقلة، ما يفتح الطريق أمام حركات انفصالية أخرى في إسبانيا، مثل تلك التي تنشط في إقليم الباسك . وأخيراً، يرفض معظم الكاتالونيين النظام الملكي، ويفضلون إعلان جمهورية . وقد اختارت أكثرية أعضاء برلمان كاتالونيا في برشلونة موعد الاستفتاء في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، وذلك لاعتبارات استراتيجية . ففي سبتمبر/ أيلول، أي قبل هذا الموعد بشهرين، ستنظم اسكتلندا استفتاء حول السؤال ذاته: هل ينبغي أن يبقى الإقليم جزءاً من بريطانيا، أم يجب أن يختار الاستقلال؟ ومن المؤكد أن الانفصاليين الكاتالونيين الذين يقودهم رئيس حكومة الإقليم أرتور ماس، يأملون في أن يعطي قرار الاسكتلنديين، في حال أيدوا الاستقلال، زخماً أكبر لحركتهم الاستقلالية، ما سيتيح، أخيراً، التحرر من سلطة مدريد . وفي حال نجاح كلتا الحركتين الاستقلاليتين في اسكتلندا وكاتالونيا، سيكون لذلك نتائج خطيرة الشأن بالنسبة لعموم أوروبا: ففي السنوات الأخيرة، برزت حركات قومية مماثلة في بلجيكا، وإيطاليا، وفرنسا، وحتى في ألمانيا . وجميع هذه الحركات تجد تشجيعاً في الحركتين الانفصاليتين في اسكتلندا وكاتالونيا . وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، الذي هزته أصلاً الأزمة الاقتصادية التي تلت الانهيار المالي خلال 2007 - ،2008 سيشكل مثل هذا النجاح تحدياً كبيراً، إذ سيتعين عليه أن يقرر ما إذا كان سكان ومناطق يشكلون أصلاً جزءاً من الاتحاد سيبقون كذلك، ولكن كدول أعضاء جديدة . وسيكون ذلك شيئاً جديداً، يسمى توسع الاتحاد الأوروبي من الداخل . وحتى الآن، كان الاتحاد الأوروبي يتوسع من الخارج، أي أن دولاً قائمة أصلاً تتقدم بطلب لنيل عضوية الاتحاد . وهذا التحدي سيضاف إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحادة التي يعانيها الاتحاد الأوروبي، والتي أعادت تأجيج المشاعر القومية ضد ألمانيا في معظم الحالات، لما يثيره نجاحها الاقتصادي ونفوذها السياسي من حسد . وفي بعض الحالات، كما في فنلندا، وفرنسا، واليونان وهولندا، تتخذ هذه الحركات القومية شكل عداء صريح للأجانب . ومشاركة الاتحاد الأوروبي في ما يسمى "الترويكا" (المكونة من صندوق النقد الدولي، والمفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي) التي فرضت سياسات تقشف قاسية على أكثر من نصف القارة، فاقمت مشاعر السخط في كل مكان . كما أن عجز الاتحاد الأوروبي عن تلطيف النتائج الاجتماعية للأزمة - خصوصاً البطالة - يغذي المشاعر القومية . وظهور دول جديدة في قلبه، قد لا تكون جزءاً من الاتحاد الأوروبي، يفاقم أكثر تضاؤل هيبة الرئاسة الأوروبية في بروكسل . وبالنسبة لكاتالونيا، الاستقلال ستكون له عواقب على المدى الطويل، فمن المؤكد أن الكاتالونيين سيرغبون، حتى بعد الاستقلال، في البقاء جزءاً من الاتحاد الأوروبي . ولكن من الممكن تماماً عدم قبول الدولة الجديدة عضواً في الاتحاد . إذ من المؤكد أن مدريد ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد هذه العضوية . ولنفس السبب، سيتعين على كاتالونيا أن تخرج من منطقة اليورو . وفي هذه الحالة، ستخسر فوراً المكاسب التجارية التي يوفرها الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو، وكذلك الدعم المالي من بروكسل . وسوف يتعين عليها أن تصدر عملة جديدة، في حين أن تجارتها الدولية مع شركائها الأجانب الطبيعيين ستعاني الضرائب والرسوم الجمركية . علاوة على ذلك، سيخسر مواطنوها الحرية التي يتمتعون بها الآن للتنقل والإقامة في كل مكان داخل الاتحاد الأوروبي . نوع المقال: الاتحاد الاوربى-شمال اسيا