لفهم الخصوصية الأميركية، من الأفضل التحدث إلى مهاجر مثلي. إنني لم أختر الولاياتالمتحدة عشوائياً للعيش والعمل، إنني هنا لإيماني بأن الولاياتالمتحدة ليست فقط مختلفة، ولكنها أفضل. وإذا ما سألت هذا الشخص الذي سيصبح مواطناً أميركياً، فسوف يقول لك إن فضائل الدولة تفوق بكثير إخفاقاتها، رغم أن بعض هذه الإخفاقات قد يكون كبيراً. الخصوصية أو الاستثناء الأميركي، هي الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة مختلفة عن بقية الدول ولديها مهمة عالمية محددة لنشر الحرية والديمقراطية. إنني أفهم لماذا يسأم كثيرون من هذا الموضوع. من ناحية، لأن الادعاء بأن الولاياتالمتحدة مختلفة هو ادعاء تافه. فكل دولة تعتبر مختلفة. والادعاء بأن وضعها مختلف يشير إلى الغطرسة والشوفينية. لكني أعتقد أن للولايات المتحدة مميزات تجعلها استثنائية. وفي مقاله المنشور مؤخراً بصحيفة «ناشيونال جورنال»، أعلن بيتر بينارت «نهاية الخصوصية الأميركية»، أو بالأحرى قرب انتهائها. وهو يتطلع إلى ثلاث خصائص مميزة؛ الدين، الوطنية، والخصائص الاقتصادية، ويجد أن الولاياتالمتحدة أصبحت عادية أكثر فأكثر، وأن هناك أسباباً كثيرة لاستمرار هذا الاتجاه. إنها مقالة محقة في بعض النقاط. وفي رده عليها، قام بيتر بيركويتز بتعنيف بينارت لإلقائه اللوم على الحزب الجمهوري في ذلك التدهور. إن الولاياتالمتحدة تصبح تدريجياً دولة أكثر علمانية. فقدرتها على إظهار القوة حول العالم أصبحت تتضاءل. أما اقتصادياً، فلا يمكننا القول بأن مميزاتها آخذة في الانخفاض بقد ما نقول إنها ليست بالبلد الاستثنائي. إن إحساس الدولة بنفسها كدولة استثنائية يستند جزئياً على القوة الاقتصادية المحضة. ومن المتوقع للولايات المتحدة خلال العقود القادمة أن تحافظ على تفوقها فيما يتعلق بدخل الفرد، لكن يصعب أن تظل أكبر اقتصاد في العالم أو أن تظل القوة العسكرية الأكثر تفوقاً. وبالحكم عليها عبر أي من هذه المقاييس، ستكون الولاياتالمتحدة أقل خصوصية بمرور الوقت. ورغم الاتفاق مع بينارت حول الاتجاهات التي يدرسها، وحتى الاعتقاد بأنه غير صريح في بعض النواحي، فلا أرى أن منبع الخصوصية الأميركية في سبيله للتراخي في المستقبل القريب. فالمصدر الدائم لهذه الخصوصية هو الشخصية الأميركية. وأي شخص عاش وعمل في دول أخرى، لا يملك إلا أن يكون معجباً بالولاياتالمتحدة: فالأميركيون عمليون وجادون، ومولعون بالتملك والتنافسية، لكنهم ودودون للغاية، ومنفتحون للتواصل مع الآخرين على نحو مثير للدهشة. لست أول من يلاحظ أن الثقافة الأميركية ثقافة مجتمعية وفردية في ذات الوقت. فهناك نوع من التقديس للسيادة الشعبية والمؤسسات التي تعبر عنها، بما في ذلك الدستور والعلم، لكنه تقديس ممزوج بشك في الحكومة. والنتيجة هي طفرة في حجم ونطاق الدولة. إني معجب بذلك كله، وقد كنت ميالًا للإعجاب بالولاياتالمتحدة، لذلك أبرزت الجوانب الإيجابية. وهذه الصفات الشخصية نفسها تؤدي إلى نتائج أخرى لا تقل تميزاً: سياسة تشهيرية على نحو غير ضروري، وحماس للسجن، وتقيد بالقانون يصل حد الجنون. لكن لأني معجب بهذه الدولة وبأناسها، فإني معجب بهم لأنهم مختلفون، بل في غاية الاختلاف. كما أني على يقين بأن الجذور الثقافية عميقة. وسوف أكون مندهشاً إذا لم تظل الولاياتالمتحدة مختلفة لفترة طويلة جداً. نوع المقال: الولاياتالمتحدة الامريكية