ما زال لاعب كرة السلة المحترف السابق دنيس رودمان يستطيع «التحليق» في الجو مثل فراشة وتسجيل رمية ناجحة تخطف الألباب، غير أنه في حالة احتضانه لكيم جونغ أون وسياساته مؤلم مثل لسعة نحلة. والحال أن رودمان ليس سوى أحدث مثال على الدبلوماسية الرياضية التي تخفق أحياناً وتحيد عن الهدف. وفي وقت لم يعد تفصلنا فيه عن أولمبياد سوتشي الشتوي سوى أسبوع تقريباً، يمكن القول إنه من شبه المؤكد أن عدداً جديداً من الدبلوماسيين الرياضيين غير المتوقعين سيصعدون إلى واجهة الأحداث في هذا الحدث الرياضي العالمي. والواقع أنه بات أمراً تقليدياً أن يُستعمل الرياضيون كدبلوماسيين في الساحة الدولية نظراً لكونهم من بين أكثر الشخصيات شهرة في العالم، ولأن مشاركتهم يمكن أن تؤدي إلى فوائد مهمة. ففي أوائل السبعينيات، على سبيل المثال، شجعت الولاياتالمتحدة والرئيس ريتشارد نيكسون فريق كرة الطاولة الأميركي من أجل فتح حوار مع الصين في عهد ماو تسي تونج. وعندما تخفق دبلوماسية الرياضة، يمكن أن تسوء الأمور كثيراً. فقد كان نيكسون لاعباً سابقاً لكرة القدم الأميركية في الجامعة، وكان يحب الرياضة والمنافسة. وخلال رئاسته، استعمل لاعبَ الشطرنج الأميركي بوبي فيشر لقيمته الدعائية وكرمز للتفوق الأميركي أيام الحرب الباردة، حيث اتصل به وزير خارجية نيكسون الشهير هينري كيسنجر، وطلب منه الذهاب إلى ريكيافيك في آيسلندا للعب ضد لاعب الشطرنج السوفييتي المحترف بوريس سباسكي. وخاطبه كيسنجر قائلاً: «إن أميركا تريد منك أن تذهب إلى هناك وتهزم الروس». وفي 1972 انتصر فيشر في «مباراة القرن» التي حظيت بتغطية إعلامية دولية مكثفة على سباسكي، ففاز بحب وتشجيعات أمة كانت ترغب في تلقين السوفييت درساً في مجال كانوا مهيمنين عليه قبل الفوز الذي حققه فيشر. ولكن منذ تلك اللحظة التاريخية، أخذت الأمور تتدهور بالنسبة لفيشر وقيمته الدعائية. فبعد سنوات على ذلك، وبعد ساعات على الهجمات التي استهدفت البرجين التوأم في نيويورك عام 2001، برر فيشر الهجمات على مركز التجارة العالمي بتعليقات حادة مناوئة للولايات المتحدة، وقال بخصوص الهجوم: «إنني أصفق لهذا العمل»! وإذا كان تراجع فيشر قد استغرق بعض الوقت، فإن بعض الرياضيين يدمرون أنفسهم بأنفسهم في وقت قصير على غرار محمد علي، الملاكم ذائع الصيت عالمياً الذي فاز بميدالية ذهبية (حين كان اسمه كاسيوس كلاي) في ألعاب روما الأولمبية. فقد طلب الرئيس جيمي كارتر من محمد علي الذهاب إلى أفريقيا في جولة تشمل خمس دول من أجل إقناع تلك البلدان بمقاطعة ألعاب 1980 الأولمبية احتجاجاً على غزو الجيش السوفييتي لأفغانستان في 1979. فسافر الملاكم الأسطورة كمبعوث شخصي على طائرة رسمية تابعة للدولة، ولكنه بدأ يرتكب الأخطاء الدبلوماسية منذ اللحظة التي حطت فيها طائرته على أرض القارة الأفريقية، حيث كان غير قادر على تناول المواضيع السياسية المعقدة، بل إنه جادل ضد مقاطعة الألعاب التي كان قد أرسل إلى هناك من أجل الترويج لها كمبعوث لكارتر. ومثلما قال كاتب العمود بصحيفة «نيويورك تايمز» دايف أندرسون وقتها، فإنه «على رغم كل براعته كملاكم وشخصية مشهورة، إلا أن محمد علي ليس مؤهلاً للنهوض بمهمة دبلوماسية خلال أزمة دولية». وإذا كانت أوجه الشبه بين محمد علي ورودمان كثيرة، فإن بوسع الرئيس باراك أوباما الذي يهوى كرة السلة أن يقول بكل ثقة واطمئنان إنه لم يرسل رودمان كمبعوث له إلى بيونج يانج لحسن الحظ. وبالمقابل، فقد اختار رئيسة جامعة كاليفورنيا ووزيرة الأمن الداخلي السابقة جانيت نابوليتانو المحنكة لترؤس الوفد الرياضي الأميركي إلى ألعاب سوتشي. ومن أكثر أهلية منها للتعاطي مع الحسابات السياسية للألعاب الأولمبية وتهديداتها الأمنية؟ يذكر أن رودمان دخل مؤخراً إلى مصحة لعلاج الإدمان، وعلى رغم ذهابه إلى كوريا الشمالية وتصريحاته الخرقاء هناك، إلا أن زيارته قد تفرز نتائج إيجابية وغير متوقعة بالنسبة للولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، قال لاعب كرة السلة المحترف المعتزل تشارلز سميث في تصريح لا يخلو من حصافة واتزان إنه ذهب ولاعبين آخرين إلى كوريا الشمالية بصفتهم «سفراء بين ثقافتين ولاستعمال رياضة كرة السلة كجسر للتبادل». كما تحدث بوضوح عن الفوائد التي يمكن أن تعود بها هذه الزيارة على الدولتين المتعاديتين دبلوماسياً. وبالنسبة لكوريا الشمالية، تشمل تلك الفوائد انفتاحاً على الثقافة الأميركية ومدخلاً إلى التنوع العرقي، غير أن إحدى سلبيات زيارة هذا الوفد غير الرسمي، بالطبع، هي استغلاله في تقوية نظام كيم جونغ أون الشمولي القمعي وزيادة شرعيته. وفي المقابل، فإن إيجابياتها بالنسبة للولايات المتحدة تتمثل في إتاحة الفرصة لمزيد من الأميركيين للاطلاع على هذه الدولة المعزولة وزعيمها المتوحد، إضافة إلى حقيقة أن مزيداً من التفاعل غير الرسمي مع الكوريين الشماليين يمكن أن يفتح قنوات جديدة للحوار. غير أن ما يتم إغفاله في هذه الضجة المحيطة بزيارة لاعبي كرة السلة الأميركيين هو أن الوفد كان مؤلفاً من أشخاص أكثر (وربما أهم) من النجم دنيس رودمان الذي سرق الأضواء. والأكيد أنه خلال ألعاب سوتشي سيكون ثمة الكثير من الفرص الأخرى أمام الرياضيين للتبادل والحوار، غير أنه إذا كانت روح الألعاب الأولمبية ترفع معنويات المشاركين والجمهور معاً وتصنع جواً أولمبياً احتفالياً مفعماً بالأمل والتفاؤل، فإن دبلوماسية الرياضة تنطوي على مزالق وسلبيات بقدر ما تنطوي على فوائد وإيجابيات ممكنة، وذلك لأنه مقابل كل دبلوماسي ناجح من لاعبي كرة الطاولة هناك رياضي مثل رودمان. باحث بالجامعة الأوروبية المركزية في بودابيست نوع المقال: سياسة دولية