ماذا يجري في كوريا الشمالية المغلفة بالغموض؟ أراهن على أن حتى وكالة الأمن القومي الأمريكية لا تعرف . لقد صدم العالم عندما علم أن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ - أون، الوريث الصبياني للأسرة الحاكمة، أمر باعتقال زوج عمته جانغ سونغ - ثايك بصورة علنية ثم إعدامه على وجه السرعة . وكان جانغ يعتبر ثاني أقوى شخصية سياسية في الشمال . وفي بيان معتاد، يغير الحقيقة بقدر معين، وصفت وكالة الأنباء الكورية الشمالية جانغ بأنه "حثالة بشرية خاسئة" . ويبدو أن جريمته كانت "محاولة حجب الشمس (أي كيم جونغ - أون) بيديه" . وهذا يترجم بمعنى أن جانغ أغضب الملك الشمس الشاب . ولا بد أن الكوريين الشماليين محتارون . أوليست سلالة كيم المجيدة مقدسة، وهي التي يفترض أنها تنحدر من الشمس؟ فكيف يمكن أن يكون أحد أعضائها البارزين "حثالة" . ويستحق الإعدام؟ هذه إساءة دينية . إن توقيف جانغ علناً ثم إعدامه، يشيران بقوة إلى صراع خطير على السلطة في بيونغ يانغ . وإطلاق النار على زوج عمته، مهما يكن الرجل مزعجاً، هو أمر محرم في الثقافة البوذية التقليدية، حتى في كوريا الشمالية الغريبة الأطوار . ومن الممكن أن هذه الواقعة هي علامة على ضعف كيم الشاب أكثر منه على قوته . وبحكم كوني مراقباً للشؤون الكورية منذ زمن طويل، طلب مني أن أحاول فك رموز شيفرة هذا الحدث الملغز في بيونغ يانغ . الأمر الأكثر ترجيحاً هو أن جانغ كان يتآمر لعزل كيم الشاب والضال بمساعدة ضباط كبار في الجيش . ولكن هذا جزء فقط من القصة . وأظن أن الأخ الأكبر الصيني كان خلف جانغ، المعروف عنه على نطاق واسع أنه كان مقرباً من بكين . وكان أيضاً نصيراً لفكرة أن تحذو كوريا الشمالية حذو الصين في إصلاحاتها الاقتصادية الرأسمالية التي حققت نجاحاً باهراً، والتي بدأها قائدها العظيم الراحل دينغ هياو بينغ . ولكن مثل هذه الإصلاحات تتعارض مع فلسفة "جوشي" (الاعتماد الكلي على الذات) التي صاغها مؤسس كوريا الشمالية ومعبودها كيم ايل - سونغ، جد كيم الحالي . وقد كان واضحاً أن الصين عيل صبرها إزاء كيم جونغ - اون، مع أن بكين هي التي تزود الشمال بكل إمداداته في البترول، وبالجزء الأكبر من أسلحته واحتياجاته الغذائية . والنظام الصيني المتحفظ عادة كان قد وجه انتقادات قاسية جداً لحليفته الوثيقة كوريا الشمالية بسبب تجاربها النووية والصاروخية، واستفزازاتها المسلحة لكوريا الجنوبية، التي تزداد أهميتها باطراد كشريك تجاري وتكنولوجي للصين . والصين غاضبة أيضاً لأن خطابات كيم الطنانة وتهديداته الفجة بالحرب أعطت اليابان - بعبع بكين - ذريعة للبدء في بناء قوات عسكرية هجومية في ذات الوقت الذي تتصارع القوتان الكبيرتان حول ملكية جزر سينكاكو/دياويو في بحر الصين الشرقي . والضجيج الصادر من كوريا الشمالية حول الاستعداد للحرب - وحتى التهديد بقصف الولاياتالمتحدة بأسلحة نووية - كان مجرد كلام فارغ، ولكنه أعطى الولاياتالمتحدة ذريعة مثالية لتحريك وحدات عسكرية جديدة، بحرية وجوية، إلى داخل وجوار شبه الجزيرة الكورية، القريبة جداً من القواعد البحرية الصينية المهمة في داليان ولوشون، المدينتين اللتين تشكلان البوابة الخلفية لبكين . وذهبت بيونغ يانغ إلى حد وصف جانغ، الذي أصبح زاوياً ومعتكفاً، ب"الفاسق"، وأيضاً - وهذا أخطر - بأنه تسبب بكارثة اقتصادية . وهذا بمثابة اعتراف علني ونادر بأن الشمال يواجه مرة أخرى تداعي أحوال اقتصاده، وحتى مجاعة على نطاق واسع . وسقوط كوريا الشمالية في خراب اقتصادي يثير قلقاً شديداً جداً في كل من بكين وسيؤول . إذ إن انهيار نظام كيم سيؤدي إلى فوضى وإراقة دماء في الشمال . وكوريا الجنوبية ترتاع من مثل هذا التطور، لأنه سيكون بمثابة "إعادة توحيد لم تكن في الحسبان"، من حيث إن 25 مليون كوري شمالي جائع سيتدفقون جنوباً، وكوريا الجنوبية ليست قادرة على إطعام وإعادة بناء كوريا الشمالية كما فعلت ألمانياالغربية مع ألمانياالشرقية . والصين تقلق أيضاً من أن انهيار الشمال قد يدفع كوريا الجنوبية إلى السيطرة عليه عسكرياً، وهذا يعني، بالنسبة لبكين، قواعد عسكرية أمريكية في الشمال، على مقربة من منشوريا، المنطقة الصناعية الحيوية . واليابان أيضاً لن تكون سعيدة لإعادة توحيد كوريا: إذ إن كوريا موحدة يمكن أن تصبح يوماً منافساً اقتصادياً خطيراً لليابان، وربما حتى تهديداً عسكرياً . لقد كانت بكين مطمئنة للوضع القائم في كوريا، إلى أن تسلم السلطة الشاب الجامح كيم . والصين تمتنع عادة عن التدخل في شؤون جيرانها، إلا أنها عندما فقدت صبرها إزاء كيم جونغ - أون، فقد كانت على الأرجح خلف محاولة انقلاب قادها جانغ، أو على الأقل باركتها . والآن، سيتعين على كيم جونغ - أون أن يتفادى مواجهة الولاياتالمتحدةوكوريا الجنوبيةوالصين - وهذه مهمة أكبر حتى من ملك الشمس . - See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/80b406e5-f86c-452f-86f8-... نوع المقال: سياسة دولية