في 16 ديسمبر من عام الثورة الأول 2011 ، كان الشيخ عماد عفت ، العالم الأزهري وأمين الفتوى بدار الافتاء المصرية يقف كعادته ليحمي ثورته ويذود عن أبنائها مع الشباب الثائر في محيط مجلس الوزراء يشد من أزرهم ويطالبهم بالثبات ، قبل أن يتم إطلاق النار عليه هو من بين الجميع ليصاب بطلقتين ، إحداهما كانت تخترق جانبه الأيسر لتمزق أحشائه ويلقى وجه ربه بعدها ، ومن حسن حظه أن الداخلية أيامها لم تكن قد استعادت كامل عافيتها وأدواتها الشهيرة ، وبالتالي لم يحفل أحد بأن يحدد نوعية الرصاص الذي قتل الشهيد عماد عفت ، وهل هو من النوع الذي تستخدمه قوات الأمن عادة أم لا ، كذلك لم تهتم مصلحة الطب الشرعي بالتفرس في المرآة المقعرة لبوابات مجلس الوزراء لكي تثبت أن طلقة الرصاص القاتلة صدرت من جانب المتظاهرين الذين قتلوا شيخهم الثائر ، ويوما أكد المجلس العسكري الذي يحكم البلد ويشرف على أمن ميدان التحرير وما حوله ، بأنه سيحقق بكل جدية في واقعة مقتل الشيخ عماد ، ومفتى الجمهورية وقتها هدد بأن دم الشيخ عماد لن يذهب هدرا وأنه سيتابع بنفسه وقائع التحقيق للوصول إلى القتلة ، وفي اليوم التالي كان جثمانه الطاهر يصلى عليه بالجامع الأزهر ثم يوارى الثرى ، ليضاف إلى قائمة طويلة وطالت أكثر الآن ، من الشهداء الذين قتلوا بدم بارد من قبل قناصة محترفين ، دون أن يصل أحد إلى متهم واحد من هؤلاء القتلة المحترفين ، فقط كانوا يضعون للقتلة المجهولين المعلومين لافتة واحدة متكررة "الطرف الثالث" وهو طرف لم تصل إليه بالمصادفة جميع أجهزة الأمن المصرية بما فيها مخابرات الجيش والشرطة العسكرية وتحرياتها والمخابرات العامة والأمن الوطني والمباحث بكل أصنافها . الشيخ عماد كان جزءا من روح ميدان التحرير الذي ملأ صدور أبنائه بالثقة في النصر والحرية وميلاد دولة العدل والكرامة في مصر بعد طول انتظار ،وتمرد على فتوى شيخ الأزهر والمفتي عندما حذروا من التظاهر بعد تنصيب عمر سليمان نائبا لمبارك في اللعبة الشهيرة ، فقال أن الثورة لم تنتصر بعد ونزل الميدان ، وكان أصدقاؤه يقولون : قتلته فتواه ضد فلول النظام السابق المعششة في كيان الدولة عندما أفتى بحرمة التصويت للفلول في انتخابات البرلمان ، كان الرجل المبارك عائدا من رحلة الحج ليتوجه في اليوم التالي مباشرة إلى الميدان ، رغم معاناته مع المرض بسبب إرهاق الحج عاد إلى الصف الأول في المظاهرات كأنه تطهر من كل ما مضى لكي يستقبل وجه ربه نقيا طاهرا شهيدا ، نحسبه كذلك بإذن الله ، وكان يقول لمن تعجب من عودته السريعة إلى الميدان "هواء ميدان التحرير هو أطيب لنفسي من هواء الكعبة" ، مستأنسا بهدي النبي الكريم الذي فضل الجهاد على الحج ، فقد كان يعتقد أن نصر الثورة المصرية والمرابطة في ميدانها من أعظم الجهاد ، ولم يكن الشيخ عماد ينتمي إلى أي حزب أو ائتلاف أو جماعة أو شيء ، انتماؤه السياسي الوحيد كان لميدان التحرير ، ميدان الثورة ، وأجمع كل من عرفه عن قرب من أهله أو أصدقائه أو رفقة الميدان على رقة طبعه وصفاء نفسه وأخلاقه الرفيعة وكرمه حتى مع تلاميذه وكانت له معهم أفعال خير كثيرة لم يعرفها الناس في حياته . أعرف أن البعض أصيب بالإحباط من توالي القتل المجهول وإفلات القتلة من العقاب ، والبعض يئس من أن تصل التحقيقات والقضاء إلى القتلة ، وخاصة في ظل البراءات المتوالية لرجال شرطة اتهموا بقتل المتظاهرين ، ولكني واثق بأن هذا الدم لن يذهب هدرا ، ففضلا عن كونه وقود الثورة الذي حافظ على وهجها حتى الآن ، إلا أن كل هذه الجرائم هي من النوعية التي لا تسقط بالتقادم ، والأولوية القصوى الآن عند كل الشرفاء وأصحاب الدم والمنظمات الحقوقية هي الحفاظ على كل الوثائق والشهادات والصور والأفلام وأي دليل من قريب أو بعيد في هذه الوقائع ، أعرف أن مصر ومؤسساتها الآن غير مؤهلة لإنجاز هذه المسؤولية الأخلاقية و والإنسانية والسياسية ، ولكني واثق من أن يوم الحساب سيأتي ، ولن يضيع دم الشهيد عماد عفت هدرا ، كما لن يضيع دم إخوانه ورفاقه من الذين قضوا في مختلف وقائع وأيام الثورة ، رحمهم الله جميعا . رابط المقال: http://almesryoon.com/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/blog/11-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%86/332529-%D9%81%D9%8A-%D8%B0%D9%83%D8%B1%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%B9%