في وقت ندر فيه من يصدع بالحق وكثرت فيه المؤامرات، جاهد الإمام الشهيد "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بكل ما أوتي من قوة، وبهمة عالية لا تعرف الملل، وفي جميع محافظات مصر قاطبة، بل في كل قرية، كان داعية فوق كل المساومات. ظهر الإمام البنا في الفترة من عام 1928م/1949م وكانت الأمة الإسلامية تمر بأقصى مراحل حياتها في الاستعمار الأجنبي السافر بمختلف أنواعه بريطاني أو فرنسي، أو إيطالي، أو برتغالي. واقعة الاغتيال في الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949م كان حسن البنا خارجا من باب جمعية الشبان المسلمين ويرافقه رئيس الجمعية لوداعه ودق جرس الهاتف داخل الجمعية فعاد رئيسها ليجيب الهاتف فسمع إطلاق الرصاص فخرج ليرى صديقه الأستاذ البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، وأخذ رقمها وهو رقم "9979" والتي عرف فيما بعد أنها السيارة الرسمية للأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952م. واغتيال الإمام "البنا" كان متوقعًا، وأمرًا مفروغًا منه، فقد كان وجماعة الإخوان خطرًا على التركيبة الاستعمارية التي تضم الاحتلال البريطاني والقصر الملكي والقوى الصهيونية والأحزاب المصرية العلمانية والقوى الإقطاعية والرأسمالية. لم تكن الإصابة خطرة بل بقي البنا بعدها متماسك القوى كامل الوعي وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث رقم السيارة ثم نقل إلى مستشفى القصر العيني فخلع ملابسه بنفسه. لفظ البنا أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل أي بعد أربع ساعات ونصف من محاولة الاغتيال بسبب فقده للكثير من الدماء بعد أن منعت الحكومة دخول الأطباء أو معالجتهم للبنا مما أدى إلى وفاته ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين أخرىين وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة ولكن ثورة والده جعلتها تتنازل فتسمح بحمل الجثة إلى البيت مشترطة أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحاً وألا يقام عزاء. اعتقلت السلطة كل رجل حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن فخرجت الجنازة تحملها النساء إذ لم يكن هناك رجل غير والده ومكرم عبيد باشا والذي لم تعتقله السلطه لكونه مسيحيا وكانت تربطه علاقة صداقة بحسن البنا. في الأيام الأولى من قيام ثورة 23 يوليو أعادت سلطات الثورة التحقيق في ملابسات مصرع حسن البنا وتم القبض على المتهمين باغتياله وتقديمهم أمام محكمة جنيات القاهرة حيث صدرت ضدهم "أحكام ثقيلة" في أغسطس 1954م حيث قال القاضي في حيثيات الحكم: «إن قرار الاغتيال قد اتخذته الحكومة السعدية بهدف الانتقام لم يثبت تواطؤ القصر في ذلك لكن القاضي أشار إلى أن العملية تمت بمباركة البلاط الملكي، المتهم الأول أحمد حسين جاد الأشغال الشاقة المؤبدة المتهم السابع محمد محفوظ الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً المتهم الثامن الأميرلاي محمود عبد المجيد الأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً البكباشي محمد الجزار سنة مع الشغل قضاها في الحبس الاحتياطي فأفرج عنه إضافة لتعويض مادي كبير تمثل في دفع عشرة آلاف جنيه مصري كتعويض لأسرة البنا» بعد حادثة المنشية في ديسمبر 1954م صدرت قرارات بالعفو عن كل المتهمين في قضية اغتيال حسن البنا، أفرج عن القتلة بعد شهور قليلة قضوها داخل السجون.[4] وقد رثاه المجاهد المغربي عبد الكريم الخطابي وقال «يا ويح مصر والمصريين، مما سيأتيهم من قتل البنا، قتلوا وليًّا من أولياء الله، وإن لم يكن البنا وليًّا فليس لله ولي. وحدة الأمة عند البنا اهتم البنا اهتمامًا كبيرًا بالتأكيد على وحدة العالم الإسلامي، والدفاع عن فكرة الوحدة وكان يؤكد في جميع خطبه وأحاديثه على ضرورة توحيد العالم الإسلامي، وتحريره من ربقة الاستعمار، وقد أفردت صحافة الإخوان صفحات كثيرة لمناقشة قضايا العالم الإسلامي ومشاكله. ولعل ما يبرز اهتمام البنا بأحوال العالم الإسلامي وقضاياه قول الأستاذ "عمر التلمساني" في كتابه "أستاذ الجيل" أن دار الإخوان المسلمين كانت مأوى لكل المكافحين ضد الاستعمار، فكان من نزلائها "بورقيبة"، "علال الفاسي"، "أمين الحسيني"، "عليم الله صديقي" من مجاهدي الهند، "هواري بومدين" وغيرهم، وقد أدى اهتمام الإخوان بقضايا العالم الإسلامي لانتشار الجماعة في كل بلدان العالم العربي والإسلامي. دوره في مواجهة اليهود اهتم البنا وجماعته بالقضية الفلسطينية اهتمامًا خاصًا، واعتبرتها الجماعة أهم القضايا الإسلامية، مدركة بذلك الخطر اليهودي على الحضارة الإسلامية، وأبعاد المخطط الاستعماري بالتحالف مع اليهود. وقد شاركت الجماعة في تأييد القضية الفلسطينية بكافة الوسائل والطرق من خلال الإشارة الدائمة لها، وتوعية الجماهير بها في الصحف والكتيبات والخطب والمؤتمرات، والقيام بمظاهرات لنصرة القضية، وإرسال المال والمؤن والمعدات وإرسال الرجال المدربين عسكريًا مثل: "محمود لبيب" لتدريب المدنيين الفلسطينيين عسكريًا. وفي أكتوبر 1947م أصدر الإمام "حسن البنا" أوامره لشعب الإخوان ببدء الاستعداد للجهاد لتحرير فلسطين، وتوجهت الكتيبة الأولي يوم 20 أكتوبر، وشارك متطوعو الإخوان في القتال ضد الصهاينة، وخاصةً في النقب، وقدموا مساعدات هائلة للقوات المصرية المحاصرة في الفالوجا. وكان رد فعل الحكومة المصرية بإيعاز من المستعمر البريطاني في منع مشاركة الإخوان في قتال اليهود هو حل الجماعة في ديسمبر 1948م، والقبض على مجاهدي الإخوان.