في ظل حالة التخبط التي تعيشها القوى السياسية في مصر، تطفو على سطح الأحداث أزمة ثقة بين جميع الأطراف الفاعلة على المشهد السياسي، وهو أمر قد يراه البعض مجرد تنافس سياسي يحدث في كل الدول الديموقراطية، لكن مع حالة التشكيك والتخوين التي نراها ونسمعها كل يوم، تظهر حقيقة أخرى وهي أن العنف بات الظاهرة السائدة للتعبير عن الرأي في الشارع المصري. وأمام حالة انعدام الثقة والانتشار الواسع للعنف، تطفو إلى هذا المشهد مخاوف لدى عدد كبير من الإسلاميين من أن تكون التظاهرات الأخيرة والاعتداءات المتكررة على قصر الرئيس، ما هي إلا محاولة لإسقاط الرئيس "الإسلامي" تمهيدا لعودة الإسلاميين إلى السجون، كما تنادي بعض الشخصيات السياسية، وهو أمر يدفع الإسلاميين إلى الدفاع عنه بكل ما أوتوا من قوة. وهنا تبرز الأزمة الحقيقية خلف هذا المشهد العبثي وتداعياته على مستقبل الأوضاع في مصر؛ فالتنافس السياسي تحول إلى صراع "البقاء للأقوى"، والقوى السياسية بدأت تغض الطرف في أحيان كثيرة عن العنف، كما أن خوف الإسلاميين من سقوط الرئيس الإسلامي وعودتهم للسجون مرة أخرى، يدفعهم إلى النزول بكل قوتهم في التظاهرات المؤيدة للرئيس حتى ولو كان كثير منهم يعترضون على سياساته، وهو ما يعزز فرص دخولهم مستقبلا في أي مواجهة للدفاع عن "السلطة الآمنة". وانطلاقا من هذه النقطة، تلوح في الأفق الحقيقة الأخطر في مصر، وهي: ماذا سيفعل الإسلاميون إذا خسروا كرسي الرئاسة، وهل سيقبلون بأي رئيس غير إسلامي في ظل أجواء انعدام الثقة والتخوين؟!.. بالطبع، لا؛ فالأمر أصبح مسألة حياة أو موت، وبالتالي ستتنامي فرص انتهاج الإسلاميين للعنف كوسيلة دفاعية حتى لا يتعرضوا لنفس المصير القديم. ولعل مخاوف الإسلاميين تزداد رسوخا هذه الأيام في ظل محاولة البعض تكرار سيناريو سقوط الرئيس مرسي على غرار مبارك، وقد يصل تفكير البعض أحياناً إلى استنساخ ثورة 25 يناير في مواجهة شرطة ورئاسة عاجزتين عن مقاومة "العنف" وإعلام يدعم كل ما هو ضد الرئيس، لكن في الوقت نفسه هناك من يرى أن "ثورة 2013 المفبركة" لن تجد طريقها المنشود لعدة أسباب، على رأسها أن الرئيس الحالي منتخب وشرعي، وأنه من الصعب أن تغامر القوى السياسية بمختلف أطيافها وألوانها بخيار الفوضى الذي توعد به الرئيس المخلوع قبل رحيله. وهنا يفرض سؤال واحد نفسه: هل ترغب بعض القوى في إسقاط الرئيس بأي ثمن؟ .. لعل الإجابة تكمن بشكل واضح في مدى توافقها مع العنف الذي يتم ممارسته من جانب المتظاهرين "المسلحين" ضد الرئيس وجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن فرص سقوط الرئيس بهذه الطريقة ربما لا تجد أرضاً خصبة لدى عموم الشعب على مدار السنوات الثلاثة المتبقية من عمر رئاسة مرسي، وربما تكون المعركة الحقيقية بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي والاستعداد لانتخاب رئيس جديد. وتحسباً لوقوع هذه المعركة الكارثية، بات الأمر في يد المعارضة وليس في يد الرئيس وجماعته، إذا ما أرادت أن تستكمل التجربة الديمقراطية وأن تدخل في منافسة سياسية واضحة المعالم والأهداف لكي تصل إلى عموم الشعب وتتمكن من تحقيق آمال الشعب المصري في "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية"، كما نادت ثورة 25 يناير. لكن هل تملك المعارضة في مصر الأدوات اللازمة لتحقيق هذه المنافسة؟.. يتحدث البعض عن أن المعارضة ضعيفة وغير قادرة على الفوز بالأغلبية في أي انتخابات، غير أن هذا الأمر ليس صحيحا بالشكل المطلق، لأن عقد تحالفات قوية بين أطرافها سيلقى قبولا لدى الكثير من المصريين إذا صدقت النوايا في خدمة الشعب، كما أن جبهة الإنقاذ على سبيل المثال تمكنت من استمالة حزب النور "الإسلامي" خلال الفترة الماضية، وكانت هذه بمثابة مفاجأة للتيارات الإسلامية واعتبرها بعض الإسلاميين شقا للصف الإسلامي، غير أن الأمر قد يبدو من الزاوية السياسية قمة الديموقراطية وانتهاج المسار الصحيح، وذلك بعيدا عن الخوض في أهداف جبهة الإنقاذ أو حزب النور من هذا التقارب. ومن هنا، يبقى أن أزمة المعارضة في مصر هي أنها لا تعلم حجم قوتها وتركز فقط على انتقاد الرئيس وجماعة الإخوان، ولا تعلم أن هناك مسارا آخر ممهدا لتشكيل جبهات معارضة من الإسلاميين أنفسهم، ربما تكون أكثر قدرة وتأثيرا على مجريات المشهد السياسي في مصر، بدلا من محاولات إسقاط الرئيس التي قد تواجه بعقيدة جهادية، إذا ما تمت بطريقة غير شرعية.