باتت القيادة في الشرق الأوسط تنتظر من يمسك بزمامها مع ازدياد حدة الحرب السورية وتغيير الربيع العربي لديناميكيات القوة الإقليمية. في العام الماضي، كان من المفترض أن تكون تركيا هي القدوة لسائر المنطقة، لكنها لم ترق إلى المستوى المطلوب. لقد كان للانتفاضات والثورات والحروب المدنية التي غيرت وجه السياسات المحلية في العالم العربي وقع هائل على موازين القوى الاقليمية- بما فيها إيران. ورغم أن تولي مقاليد الزعامة في الشرق الأوسط قد أصبح متاحا للجميع، لم يتضح بعد من هي الدولة أو الدول التي ستبادر إلى فعل ذلك، فالمسألة غامضة ومعقدة بقدر ما هي الجهود المبذولة حاليا لتشييد أنظمة سياسية حديثة في مصر وليبيا وتونس وغيرها. إن هذه القضية تنضوي على أهمية كبيرة بالنسبة للمنطقة. تستطيع البلدان ذات المكانة المالية والدبلوماسية والعسكرية المرموقة أن توجه الأحداث في الشرق الأوسط- على أمل أن تكون نحو الأفضل وليس الأسوأ. في الخمسينات والستينات من القرن الماضي مثلا، صاغت القيادة في مصر، في ظل حكم جمال عبد الناصر، شكل السياسة الاقليمية ليتمحور حول أساطير القومية العربية، الأمر الذي أدى إلى الاقتتال العربي الداخلي والحرب الاقليمية. أما الربيع العربي فيتيح الفرصة لقوة أو مجموعة قوى كي تفتح صفحة جديدة من السلام والنماء ولربما الديمقراطية أيضا. في ربيع عام 2011، ظن بعض المراقبين أن تركيا كانت أنموذجا يجدر بدول العالم العربي التي تطمح إلى مناخ سياسي ديمقراطي واقتصاد ناجح أن تحتذي به. لا شك أن أنقرة كان في جعبتها الكثير لتقدمه. فهي تنعم بنظام ديمقراطي أقوى من أي دولة في العالم العربي وتفخر بأن اقتصادها يأتي في المرتبة السادسة عشر ضمن أقوى الاقتصادات في العالم. مع ذلك، فإن شعبية تركيا، رغم أنها لا تزال قوية، آخذة بالتراجع. وفي استطلاع رأي حديث، كشفت مؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية في تركيا عن وجود تضارب مقلق في آراء الشارع العربي تجاه الدور الاقليمي لتركيا. فمن بين 16 دولة أجري فيها استطلاع الرأي، أبدى 69 بالمائة من المشاركين انطباعا ايجابيا حول تركيا، غير أن عدد العرب الذي يتطلعون الى تركيا كأنموذج هبط الى ما ينوف عن النصف بقليل مقارنة بالعام الذي سبق. كما انخفضت نسبة الموافقين على أن تلعب تركيا دورا اقليميا الى 60 بالمائة، ومن الناحية النظرية، تعتبر هذه النتائج جيدة جدا لكنها تمثل تراجعا بمقدار 8 الى 9 نقاط مئوية في سنة واحدة فقط- وهذا شيء خطير. وقد كان الدور البارز الذي لعبته أنقرة في منطقة الشرق الأوسط قبل حدوث الثورات يرتكز على أسس عدة، منها قدرتها على أن تؤدي مهمة الوساطة المحايدة وأن تحل المشكلات العالقة. ويبدو أن كل هذا قد تبدد الآن وسط الدوامة السورية وتعقيدات التحولات العربية. لكن إذا لم تكن تركيا هي القوة الاقليمية في الشرق الأوسط، فمن يا ترى؟ كل واحدة من الدول المنافسة الآخرى- السعودية وقطر ومصر وايران وحتى اسرائيل- لديها عيوبها الخاصة التي تتضمن الافتقار إلى القوة الحقيقية والامكانات بحيث يصعب عليها ترسيخ مكانتها كقائد للمنطقة دون منازع. بل سيكون من الأصعب تشكيل تحالف من الدول كي تمسك بزمام القيادة نظرا لتضارب المصالح والخصومة الاقليمية. فليس خافيا على أحد أن القطريين والسعوديين ليسوا على وفاق، ومن غير المحتمل أن يذعن العرب للقيادة التركية حتى وان كانت على هيئة شراكة مع الدول العربية. فالقاهرة، على سبيل المثال، لا تتحمس لإقامة علاقات استراتيجية مع أنقرة. وتتجلى هذه المشكلات في فشل الأتراك والقطريين والسعوديين في تشكيل معارضة سورية أوسع نطاقا وأكثر وحدة- وهو ما يستلزم ضغطا أميركيا لتحقيقه. دون وجود قائد واضح، ستظل بلدان المنطقة تراوغ بعضها البعض لنيل أفضلية أو نفوذ أينما أمكنها ذلك حتى يتيح حدوث تغير دبلوماسي أو جغرافي ما – لعله يكون سقوط الأسد، أو تسديد ضربة للبرنامج النووي الإيراني- الفرصة لإحدى الدول كي تبرز إلى الواجهة وتتولى الزعامة.