دأب المفكرون منذ قرون على تبيين الفرق بين النقد والتشهير. ويتضح الفرق في الدول الديمقراطية بالممارسة، عبر رسم الحدود بينهما بقرارات المحاكم. ولكن لا شيء يمكنه أن يستبدل المستوى الثقافي للمجتمع في وضح الحد بينها. ففي المجتمعات التي تضعف فيها الثقافة الديمقراطية غالبا ما يتحول النقد غير القادر على المحاججة وتقديم الأدلة الى التشتم والتجريح، وبث الاتهامات الخطيرة غير المثبتة. وهذه الأخيرة تشهير. وغالبا ما يقود التحريض ضد رأي أو موقف إلى التشهير بحامله. ولذلك نقول التحريض ليس خلافا بالرأي. التشهير والشائعة غير المبنية على أدلة ممارسة مجتمعية قامت أنظمة الاستبداد بتغذيتها. فقد قامت الأخيرة بعملية "قتل شخصية" (character assassination) لخصومها بفبركة التهم والحكايات السهلة التداول بين الناس، وتقوم على ذلك أجهزة ذات خيال شيطاني، وأقلام شبه صحفية جاهلة أو منزوعة الخيال والضمير. ومؤخرا ساهم في ذلك "الأنترنت" وهو يسهل الوصول الى المعرفة ويشيعها، كما قد يكون أداة تجهيل. وغالبا ما يستخدمه الجهلة أو المغرضين كمجمع نفايات. ليس التشهير رأيا ولا نقدا، بل هو فعل غير أخلاقي، وقد يكون فعلا جنائيا اذا كان موجها لإلحاق الأذى، وإذا ألحق الأذى فعلا حتى من دون قصد أيضا. إنه جريمة أخلاقية وجنائية. التشهير هو اتهام شخص بتهم باطلة من دون إثبات ولا أدلة بهدف تجريحه والنيل منه ومن سمعته، أو من مصداقيته. أو توجيه تهم أخلاقية وسياسية من النوع الذي يمس بسمعته في مجتمعه الذي يعتبر هذه الاتهامات مشينة. الاتهام قبل تقديم الدليل هو وظيفة النيابة في محكمة في دولة تحترم نفسها. ويفترض أن النيابة لا تفعل ذلك إلا إذا توفرت لديها الأدلة التي تقدمها للمحكمة. وحتى في حينها يكون المتهم بريئا إلى أن تثبت إدانته. ومن هنا تتهم النيابة ذاتها بالتشهير وتطالب بالتعويضات حين توجه التهم بهدف النيل من سمعة إنسان، أو بسبب آراء مسبقة حوله أو للون جلده أو لانتمائه القومي او المذهبي.