بعد قطاع النقل، آلاف الأطباء يدخلون في إضراب لمدة 5 أيام بتونس    رئيس الوزراء يبحث مع وزير البترول تطورات القطاع وجهود جذب الاستثمارات    ترامب يعرض على الهند المساعدة بعد حادث تحطم الطائرة المدنية    الاتحاد الأوروبي يفرض رسوما جديدة على الواردات الزراعية من روسيا وبيلاروس    الشوط الأول.. سيراميكا يتقدم على البنك بهدف في نهائي كأس عاصمة مصر    الاتحاد الفلسطيني يتقدم بشكوى ضد حكم مباراة عمان في تصفيات كأس العالم    حبس صاحب مول شهير بطنطا بتهمة حيازته 65 ألف قرص مخدر في البحيرة    حبس 5 متهمين في مقتل جزار وإصابة نجله بالفيوم    انطلاق حفل زفاف منة القيعي ويوسف حشيش    تجدد الجدل حول اكتشاف مزعوم بشأن مدينة تحت الأهرامات.. ما الحقيقة؟    الصحة: افتتاح 24 عيادة أسنان جديدة داخل وحدات صحية وعدد من وحدات العلاج الطبيعي بالمحافظات خلال عام    لعلاج دهون الكبد- تناول هذه المشروبات على الريق    محافظ الدقهلية يشهد المؤتمر السنوي الخامس لوحدات الكلى بالمنصورة..صور    "الشؤون الإسلامية" تكثّف جهودها التوعوية في مسجد التنعيم تزامنًا مع توافد المعتمرين    الجيش الإسرائيلي يقول إنه حيد مقاوما فلسطينيا أطلق النار على نقطة تفتيش    رسميًا.. جالاتا سراي التركي يعلن التعاقد مع ساني    هيئة قصور الثقافة تكرم لاميس الشرنوبي رئيس إقليم القاهرة لبلوغها السن القانوني للتقاعد    بعد تعرضهما لوعكة صحية.. أحمد زاهر يوجه رسالة مؤثرة لابنته ملك ونجل تامر حسني    دعمهم لا يُنسى.. 3 أبراج لديها قدرة خارقة على مواساة الآخرين    السفير الأمريكى فى إسرائيل يعلن انحيازه لبن جفير وسموتريتش بعد فرض عقوبات عليهما    «القومي للإعاقة» يتقدم ببلاغ للنائب العام بشأن واقعة زواج عريس متلازمة داون    ضبط كيانات مخالفة لإنتاج وتوزيع الأدوية البيطرية مجهولة المصدر بالمنوفية    متحور كورونا الجديد «NB.1.8.1».. تحت المراقبة العالمية    "أكسيوس": نتنياهو طلب من الولايات المتحدة التوسط في المفاوضات الإسرائيلية - السورية    غودار وفلسطين.. حين عاد التجريبى الأكبر فى تاريخ السينما إلى «القضية» بعد صمت طويل    القصة الكاملة لسرقة الدكتورة نوال الدجوي.. من البلاغ لحفظ التحقيقات    شروط سحب مبلغ جدية حجز شقق (سكن لكل المصريين 5) (التفاصيل كاملة)    عرض مالي ضخم يقرب سباليتي من تدريب النصر    أشرف صبحي: نادي سيتي كلوب إضافة نوعية لخريطة المنشآت الرياضية بدمياط    إنارة رافد جمصة على طاولة التنفيذ بتنسيق مكثف بين الجهات المعنية    وزير الاستثمار: الدولة تولي اهتمامًا كبيرا بتطوير قطاع التأمين    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    الأحد 22 يونيو.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن المرحلة الثامنة التكميلية بالعبور الجديدة    ضمن المسرح التوعوي.. قصور الثقافة تختتم عرض «أرض الأمل» بسوهاج    وفد عمل مصر الثلاثي يُشارك في منتدى «التحالف العالمي للعدالة الإجتماعية»    وزير الري: مصر تقوم بإدارة مواردها المائية بحكمة وكفاءة عالية    قافلة جامعة المنوفية توقع الكشف الطبي على 440 من أهالي «ميت أم صالح»    محافظ المنيا: إزالة 215 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة والبناء المخالف    "دخل حسابي 1700 يورو؟".. أحمد حمدي يثير الجدل بمنشور جديد    ريال مدريد يحسم صفقة الأرجنتيني فرانكو ماستانتونو حتى 2031    أهلي جدة ينتظر موقف ميسي    وزير البترول: مشروع إنتاج حامض الفوسفوريك تحرك هام لتعزيز الصناعات التحويلية    حجز والدي عروس الشرقية على ذمة التحريات في واقعة زفاف عريس متلازمة دوان    عبد الخالق فريد مديرًا لمهرجان بورسعيد السينمائي الدولي    مصر تعرب عن خالص تعازيها لجمهورية الهند في ضحايا تحطم طائرة غرب البلاد    حقوق الإنسان بمجلس النواب تستضيف رئيس الطائفة الإنجيلية وأعضاء الحوار المصري الألماني    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    رسميًا.. رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة تعيين 20 ألف معلم مساعد للغة الإنجليزية    انخفاض تكلفة التأمين على الديون السيادية لمصر لأدنى مستوى في 3 سنوات    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة ... والمدينة
نشر في التغيير يوم 17 - 11 - 2012

تأتي ذكري الهجرة مع مطلع كل عام هجري جديد لتحمل لنا معاني جديدة لم ندركها بعد لأن أحوالنا تختلف فنقرأ من جديد سيرة المصطفي ونكتب عنها بوعي العقل وحب القلب. أتت الذكري هذا العام ونحن نواصل النضال اليومي في مواجهة المدينة، ونعايش في قلوبنا ونستلهم نموذج يثرب المدينة.
لم تكن هجرة الرسول- صلي الله عليه وسلم- فراراً بل قرار، وخرج وهو يناجي مكة أحب أرض الله إليه، و سبقتها بيعة أهل يثرب له ودعوته المرة بعد المرة أن يهاجر إليهم، وكان القرار السياسي، والمسير الإنساني، والتفاعل مع المكان والكون، وغار وصحبة، ودليل واحتياط، ثم وفد النبي علي مجتمع يصبو أن يكون مدينة فاضلة كما وصف الفارابي، أملاً في المساهمة في بناء معمورة فاضلة.
والنظر في خصائص المجتمع الذي هاجر إليه الرسول يعطينا دروساً كثيرة في كنه المدينة التي هاجر إليها الرسول ليتخذها منطلقاً لدعوة تخاطب العالمين. كان ينبغي وهو الذي ترك وراءه مكة التي تآمرت عليه قبائلها أن يهاجر لمجتمع متجانس لا يواجه فيه تعددية تقيد خيارات أو تفرض توازنات، مجتمع متحد علي رؤية كي يستقوي به ويسبك بالعقيدة نسيجه سبكاً، لكن يثرب لم تكن كذلك، بل كانت مجتمعاً تعددياً، تتنوع فيه الأعراق والأديان، وجاء دستور المدينة ليعلمنا أن الأمم لا تقوم بالضرورة علي وحدة رؤية بل علي الانتظام في بنيان والالتفاف حول عقد اجتماعي يكونون فيه شركاء في وطن، وحين تخرق طائفة الميثاق تكون قد نقضت العقد، وتتحرك عجلة التغيير والإصلاح، أو المواجهة والحسم.
نموذج المجتمع ذاته نموذج فريد، كانت الهجرة لمجتمع يثرب سعياً لبناء مجتمع أخلاقي بالأساس وليس بناء إمبراطورية، مجتمع أخلاقي يكون نواة لنشر الدين بتفرد من يحملونه في صفاتهم ، انظر كيف وصف القرآن أهل المدينة بأنهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في أنفسهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة هؤلاء الذين استقبلوا المهاجرين باقتسام الأموال والبيوت ، وبحب صاف وافر ويقين.
هاجر الرسول لمجتمع يحترم النساء، فدعم نساء المدينة وكان يكرر الدعاء لهن، وأفسح المجال لتفاعل اجتماعي تمكنت نساء المدينة فيه من تغيير العقليات نحو مزيد من تفعيل دور المرأة، وضربت نساء الأنصار المثل الأعلي في صدق العقيدة والوفاء بالبيعة وصولا للمشاركة في الجهاد.
أعاد الرسول (ص) تأسيس المدينة علي بناء اجتماعي تكافلي ، ومركزية لمساحة المسجد، لا كبقعة مقدسة، بل كمجال عام يقابل فيه الوفود من خلفيات وأديان، ويتحول لمكان يلعب في الحبشة، وتلتقي الجماعة لمناقشة أمورها، وتتعلم النساء.
المدينة هي مولود الهجرة، التفحص في ملامحها يبين مقصود الهجرة وغايتها، والتصور الحاكم الذي أرادت الهجرة أن تحققه. لا ينبغي أن نتذكر فقط لماذا هاجر الرسول؟ بل لأي مدينة هاجر وأي مجتمع أسس وربى.
اليوم نعيش في مدن تأخذ وتعطي، وتشوه بنيان الإنسان الأخلاقي، وتحرمه من شبكته الاجتماعية، فكيف يمكن أن نأخذ من درس الهجرة درس البناء، لا الترك والهجر، وحكمة السعي لرباط اجتماعي وعقد سياسي؟
الهجرة كانت من مدينة تحكمها عقلية القبيلة إلي تأسيس تمدُّن يحكمه دستور وتنظم حياته عقيدة تقوم علي التقوي، لا علي القمع، علي تفعيل حكمة الحدود، لا الهوس بإقامة الحد ذاته، لذا كان دفع العقوبة بالشبهة وبالستر، فالأخلاق قبل القانون، والكرامة والخصوصية قبل الحكم علي الناس وتشويه السمعة. مجتمع يحفظ الناس فيه ألسنتهم لا يطلقونها علي صفحات الجرائد والفضائيات تخوض في أعراض النساء وصولا للطعن في أنساب الأمم، ويحفظ الناس فيه روابط الرحم، وليس مجتمعاً يتنافسون فيه علي المال حتي يقيل بعضهم بعضاً، ويرعي فيه الحاكم الناس والحيوانات والحجر وليس يحكمه فرعون قلبه حجر، مجتمع يستوعب اختلاف الدين ويحمي أماكن الرهبنة، لا مجتمع يفزعه التنوع ويشغله القضاء علي الاختلاف الذي هو حكمة الله من الخلق، وهو الذي يحكم بينهم يوم القيامة.
دروس الهجرة هي دروس التمدن الإسلامي.
اللهم صلِّ علي محمد وآله وأصحابه، وارزقنا هجرة إليك باتباع سنته ، لنتمم مكارم الأخلاق ونكون أهل الرحمة، حتي نصير أهلاً للرحمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.