أسعار الذهب في مصر اليوم السبت 14 يونيو 2025    جيش الاحتلال: اعترضنا عدة طائرات مسيرة إيرانية في منطقة البحر الميت وجبل الخليل    مرتجي يتسلم شهادة مشاركة الأهلي للمرة العاشرة في مونديال الأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي في افتتاح كأس العالم للأندية    الأهلي يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة إنتر ميامي في كأس العالم للأندية    الأهلي يواجه إنتر ميامي بزيه الأحمر التقليدي في كأس العالم للأندية    صباحك أوروبي.. قيمة صفقة فيرتز.. عودة بوجبا.. وصفقات ريال مدريد    إعادة الحركة المرورية إثر انقلاب سيارة تريلا بطريق مصر إسكندرية الزراعي بالقليوبية    موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 محافظة السويس الترم الثاني    شديد الحرارة.. الأرصاد تكشف عن حالة الطقس حتى الخميس 19 يونيو    اليوم.. محاكمة 6 متهمين بقضية خلية العجوزة    نقيب الفنانين العراقيين يطمئن على إلهام شاهين وهالة سرحان ببغداد    إعلام إيرانى: ضرباتنا استهدفت أكثر من 150 موقعا فى إسرائيل بينها قواعد جوية    قصور الثقافة تعرض "طعم الخوف" على مسرح مدينة بني مزار الأحد المقبل    فريق طبي بمعهد القلب ينجح في إجراء قسطرة لرضيع عمره 5 أيام    غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    60 دقيقة تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 14 يونيو 2025    ازدحام غير مسبوق في سماء السعودية    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    توجيهات رئاسية مُستمرة وجهود حكومية مُتواصلة.. مصر مركز إقليمي لصناعة الدواء    أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 14-6-2025.. انخفاض كبير فوق 600 جنيه    أسعار الفراخ اليوم السبت 14-6-2025 بعد الانخفاض الجديد.. وبورصة الدواجن الرئيسية اليوم    «معلومات الوزراء»: 2025 تشهد تباطؤًا واسعًا فى النمو الاقتصادى العالمى    وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات قوية في شرق طهران    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إسرائيل دمرت الجزء الموجود فوق سطح الأرض من منشأة نووية إيرانية رئيسية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    كوكا: من الصعب إيقاف ميسي.. ولن ألعب في مصر لغير الأهلي    فرنسا تحذر مواطنيها من السفر إلى الشرق الأوسط    إنفانتينو: بطولة كأس العالم للأندية ستكون لحظة تاريخية فى كرة القدم    اعرف رد محافظ الإسكندرية على جزار يبيع كيلو اللحمة ب700 جنيه.. فيديو وصور    الدبيكي: إعتماد إتفاقية «المخاطر البيولوجية» إنتصار تاريخي لحماية العمال    مصرع فتاة سقطت من الطابق السادس بسوهاج    قبل وفاته مع «حذيفة».. «محمود» يروي لحظات الرعب والانفجار ب خط غاز طريق الواحات: «عينيا اسودّت والعربية ولّعت»    ضبط عاطل وراء إشعال النار بشقة والده في الطالبية    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    هل تتأثر قناة السويس بالصراع الإسرائيلي الإيراني؟.. الحكومة ترد    حدث منتصف الليل| خطة الحكومة لتأمين الغاز والكهرباء.. وهبوط 5 رحلات اضطراريا بمطار شرم الشيخ    مراسل برنامج الحكاية: فوجئنا بوجود أجانب على كارتة الاسماعيلية    تامر عاشور يظهر بعكاز فى حفل الكويت.. صور    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    الكويت تدعو مواطنيها فى مناطق التوتر بتوخى الحذر والمغادرة حال سماح الظروف    احذرها.. 4 أطعمة تدمر نومك في الليل    «تضامن الدقهلية» تطلق قافلة عمار الخير لتقديم العلاج بالمجان    7 خطوات أساسية من المنزل لخفض ضغط الدم المرتفع    «الأهلي في حتة عاشرة».. محمد الغزاوي يرد على المنتقدين    مصرع عاملين وإصابة 12 آخرين في انقلاب ميكروباص بالعياط    بعد نصف قرن على رحيلها.. صوت أم كلثوم يفتتح تتر مسلسل «فات الميعاد»    4 أبراج يتسمون ب «جاذبيتهم الطاغية»: واثقون من أنفسهم ويحبون الهيمنة    طوارئ نووية محتملة.. السعودية توضح: لا مواد مشعة في مياه المملكة    إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والمدارس في مصر رسميًا (الموعد والتفاصيل)    نائب رئيس جامعة القاهرة يتفقد امتحانات الفرقة الأولى بطب قصر العيني (صور)    خطيب المسجد النبوي: الرحمة صفة تختص بالله يرحم بها البر والفاجر والمؤمن والكافر    مطار شرم الشيخ يستقبل رحلات محوّلة من الأردن بعد إغلاق مجالات جوية مجاورة    خطباء المساجد بشمال سيناء يدعون للوقوف صفا واحدا خلف القيادة السياسية    بعثة حج الجمعيات الأهلية تنظم زيارات الروضة الشريفة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة النبوية نقلة حضارية شاملة
نشر في الفجر يوم 20 - 04 - 2012

أول ما تحرك رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بداية الأمر في ضوء إقرأ وقم فأنذر كان قد تحرك على صعد ثلاث :
صعيد الإنسان،
وصعيد المجتمع والدولة،
وصعيد الحضارة،
فكانت المرحلة المكية من الدعوة الإسلامية هي التركيز على بناء الإنسان الرسالي النوعي الجديد الذي عليه أن يحمل أعباء الرسالة الجديدة للعالم أجمع بكل ما تحمله من أبعاد متعددة مراعية مرحلة النضج العقلي والحضاري التي بلغتها البشرية وما ستبلغه في المستقبل القريب أو البعيد.
الهجرة لحظة ميلاد الزمن الإسلامي
عن ميمون بن مهران قال رفع إلى عمر بن الخطاب صك محله شعبان فقال عمر أي شعبان هذا الذي هو آت أو هو الذي نحن فيه ثم قال لأصحاب محمد صلى الله تعالى عليه و سلم ضعوا للناس تاريخا فقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الروم فقيل إنهم يكتبون من عهد ذي القرنين وهذا المطلوب وقال بعضهم اكتبوا على تاريخ الفرس فقيل إن الفرس كلما كان ملك أرخ من قِبله فاجتمع رأيهم أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم بالمدينة فوجدوه عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم .
لقد تم إدرك الهوية الحضارية الجديدة من طرف الصحابة كلهم الذين وافقوا والذين اعترضوا على أن الزمن ليس ساعات وأيام حيادية تمضي هكذا وإنما هي وعاء تنعكس فيه المنجزات الثقافية والحضارية التي يصبغ بها الإنسان صفحات التاريخ ،بل وهو التجسيد الحقيقي لما يقوم به الإنسان سواء كان ذلك تقليدا أو إبداعا ، ألا ترى معي أخي الكريم أن الناس إلى اليوم وهم في صراع على تحقيب وإعادة تحقيب ما مضى من السنين والقرون فنحن المسلمين عندما نتكلم عن العصور الزاهرة لحضارتنا نجد الغرب يسميها القرون الوسطى المظلمة ، وكثيرا ما نردد هذه العبارة بدون وعي فكان صادقا وكنا كاذبين، والسبب في ذلك راجع إلى كوننا نتبنى رؤيته الكونية للزمان والمكان فإذا قال الشرق الأوسط رددنا قوله وحتى الذي يسكن الشام يقولها عن نفسه وكأنه يتكلم من ابريطانيا أو أمريكا والماليزيون بلغتهم يقولون آسيا بارت أي آسيا الغربية ولكن عندما يترجمونها إلى الإنجليزية يقول midle-east وحتى العرب أصبحوا يقولون فلسطين وبالإنجليزية يقولون israel و غيرها من مظاهر انشطار الوعي الذي يعقبه الانشطار العاطفي والفكري وهكذا نصوم ونعيّد ونحج ونتسلم رواتبنا وفقا للتقويم الغربي المسيحي ولا نتذكر الشهور القمرية التي جعلها الله عز وجل محالاّ لكثير من الأحكام الشرعية إلا في المناسبات من أجل أن يشتد العراك وتزداد شقة الخلاف بيننا حتى نتمنى أنها لم تكن، فبداية التاريخ الهجري يمكن أن نقول عنها باختصار أنها بداية الوعي الإسلامي بأهمية الزمن في تشكيل النوذج المتميز للحضارة الإسلامية فكان حريا بنا أن نقف عند هذه المناسبة الجليلة.
الهجرة هي ميلاد العمران الإسلامي البديل
الزمن سنة من سنن الله عز و جل في هذا الكون وهو لا يخرج عن قانون التسخير الذي حبا الله به الإنسان وجعل البشر أمامه سواسية في الاستفادة منه وعدمها وهو من عطاءات الله عز وجل ﴿كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا﴾ وهو قدر من الأقدار نفر إليه أو منه وبالتالي علينا أن ننظر إلى اللحظات الأولى لهذا الميلاد لنتعرف على أبعاد هذه النقلة الحضارية التي ولدت مع هذا الحدث الجديد أقصد بداية التأريخ لحركة الإسلام الحضارية وبداية التشكل والبناء الحضاري ودخول المسلمين حلبة التاريخ وقد وجدنا أن هناك أبعادا متعددة منها :
1. الهجرة والنقلة المعرفية
يقول محمد إقبال في كتابه تجديد التفكير الديني في الإسلام ختم النبوة معناه ميلاد العقل الاستدلالي وهكذا يضع الإسلام العقل البشري على طريق الحل النهائي للمشكلات الوجودية والحضارية معا التي كان يعانيها الإنسان من قبل و يحدد موقعه الدقيق من عالمي الغيب والشهادة ويضعه في شروط ذهبية رائعة ليقوم بدوره الذي من أجله وجد بوصفه خليفة في الأرض، فأول مرة في تاريخ البشرية يوضع العقل على طريق المنهج وعلى درب الاستدلال والعلم فليس هناك من دعوى إلا ويجب إقامة الدليل عليها حتى قال ابن تيمية الرجل بالدليل ومن ليس له دليل فقد ضل السبيل،لقد أبدع الإنسان المعاصر في العلوم الكونية أيما إبداع ولكن نراه اليوم يزداد معاناة بسبب فوضى وضبابية ميتافيزيقا هذه العلوم حتى تمنى صاحبا كتاب العلم في منظوره الجديد من العلماء أن يرجعوا إلى مرحلة ما قبل العلم للخروج من المشكلات التي أفرزها العلم والتي تفوق مشكلات ما قبل ظهوره وبالمقابل رغم أن الوحي حرر العقل المسلم من الخرافات والأهواء في ممارساته المعرفية فكان المسلمون أول من فصل علم الكيمياء مثلا عن السحر والطلاسم وكذلك أول من فصل علم الفلك عن التنجيم بسبب الروح الاستدلالية القوية والنزعة الموضوعية التي غرسها فيهم القرآن ،ولكن للأسف الشديد ذلك لم يدم طويلا وكذلك تم إهمال العلوم المتعلقة بالإنسان والاهتمام المبالغ فيه بالعلوم المتعلقة بالغيب كالألوهية وإضاعة جهود العقل فيها رغم أن الوحي قد كفانا ذلك إلى أن أذنت الأقدار بأفول شمس الإبداع الحضاري لدى المسلمين وسقطوا في عدمية قاتلة كتلك التي كان عليها أهل الجاهلية قبل مجيء الإسلام، والغربيون سقطوا في عدمية ما قبل العلم فكيف يمكن أن نفكر اليوم في التفوق العلمي وكذلك إعادة ربط هذا العلم بأهداف ومقاصد لصالح أمتنا والإنسانية جمعاء؟ إن نموذج المجتمع في المدينة الذي تأسس بعد الهجرة النبوية ليضعنا على الطريق.
2. الهجرة والنقلة الأخلاقية
لقد بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم ليتمم مكارم الأخلاق ولم يأت ليعمل قطيعة حدية وصارمة مع ماكانت عليه العرب زمن جاهليتهم في هذا المجال لأن البيئة التي كانوا فيها كانت تتوفر على قدر كبير من النقاء الفطري والخلقي بسبب أنهم لم يجربوا فلسفة من قبل تلوث عقولهم وإنما الذي كان هو بقايا الحنيفية التي كان يكتنفها كثير من الغموض حتى بدأت أنفار من قريش تجلب أصناما من أطراف الجزيرة حينا ويعتنق بعضها المسيحية أو اليهودية حينا آخر ،ولئن كان البيت مصدر الأمن من الجوع والخوف ومحور الاجتماع إلا أن هذا لم يكن كافيا ومع مجيء الدين الجديد مع النبي الجديد لم يستطع أهل هذه البلدة أن يحولوا الإسلام إلى نموذج اجتماعي وبذلك كانت الهجرة ،فكيف كانت الهجرة نقلة في مجال الأخلاق؟ ورد في كثير من الآثار أن رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم عد الهجرة من الواجبات والتراجع عنها يعد من الكبائر ومن تلك الآثار ما أورده الطبري حيث قال: حدثني تميم بن المنتصر قال ثنا يزيد قال أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة وعلي يخطب الناس على المنبر فقال: يا أيها الناس إن الكبائر سبع .
فأصاخ الناس فأعادها ثلاث مرات ثم قال : ألا تسألوني عنها .
قالوا يا أمير المؤمنين: ما هي ?
قال : الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم وأكل الربا والفرار يوم الزحف والتعرب بعد الهجرة فقلت لأبي يا أبت التعرب بعد الهجرة كيف لحق ههنا ?
فقال : يا بني وما أعظم من أن يهاجر الرجل حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيا كما كان وفي رواية والمرتد أعرابيا بعد هجرته لقوله إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم (محمد/25) ، وحتى سياق الآيات بعد هذه يوحي بأن ذلك من خصال المنافقين فلماذا هذا التشديد في أمر الهجرة وجعلها من الواجبات ولماذا الوعيد لمن يتراجع بعد هجرته؟ الأمر –كما يبدو لي-يرجع إلى أن الإسلام جاء بنظام قيمي اجتماعي وتبليغه يجب أن يتم في ظرف قياسي جدا ولو ترك العرب البدو وما هم عليه من التشتت في البوادي لما أمكنهم أن يحولوا هذه القيم إلى نظام اجتماعي حي فيه من التعقد ما يجعله نموذجا لما بعده من الناس وما حوله من المجتمعات والحضارات ولذلك انتبه الإمام مالك بعبقريته التجريدية إلى جعل عمل أهل المدينة من أدلته التي يقدمها على أخبار الآحاد، صحيح أن الخبر قد يحمل معه قيمة أو حكما ولكن العمل هو نموذج يحمل في طياته شبكة من القيم المترابطة فيما بينها وهذا الذي حمل الإمام مالك أن يختصر الموطأ من أكثر من30 مجلدا إلى مجلد واحد حتى عاب عنه ابن عبد البر ذلك، لأن أمر القيم ليس في كونها غير موجودة ولكن في كيفية تطبيقها فكل البشر يعرفون العدل والحرية والإحسان بل وكل يدعي أن ما يفكر فيه هو أن يجعل البشر يسعدون بهذه القيم حتى إذا جئنا إلى الواقع نجد الأزمات والمعانات والمآسي فكان من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبلغ وليس مجرد تبليغ ولكن بلاغا مبينا أي متحققا ومجسدا في الواقع يعيشه الناس،واستكمالا لحلقات البيان هو أن تكون هناك المعايشة الواقعية والطبيق العملي بل وليس الأمر كذلك فقط وإنما جرد الهجرة في المكان وجردها في الزمان فقال صلى الله تعالى عليه و سلم لا تعرب بعد الهجرة ولا هجرة بعد الفتح ،فأعطى رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم معنى مطلقا للهجرة من مكان إلى مكان لتصبح الهجرة من حال إلى حال في أي مكان وأي زمان وهذا ما سار عليه علماء الأمة في تقرير مسائل العقيدة تربويا فقد كتب ابن تيمية كتاب الحسنة والسيئة وجعل من هذا قاعدة تتبع في كل سلوك وتصرف فمن اكتسب سيئة أتبعها حسنة تمحها كما في قوله صلى الله تعالى عليه و سلم وأتبع السيئة الحسنة تمحها وكذلك اتباع قدر الجوع بالشبع وذلك بالأكل ومنه أيضا اتباع قدر التخلف بالتحضر وقدر الجهل بالعلم ولا يزال الإنسان مهاجرا ما اتبع هذا القانون وما زال الإنسان مرتدا في التخلف ومتعربا ما انتكس في المعاصي والتقصير والجهل والأمية.
3. الهجرة نقلة اجتماعية
لقد هاجر رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلم إلى يثرب وسماها المدينة المنورة وأول ملاحظة يمكننا أن نلاحظها من زاوية اجتماعية أن المدخل الفردي الكمي في الدعوة والتربية قد ولى زمانه وفسح المجال للمدخل الجماعي النوعي فبعد أن كان المسلمون يمارسون صلاتهم مستخفين وفرادى أصبحوا يمارسونها في مؤسسة خاصة بذلك هي المسجد وبشكل علني وجماعي وبعد أن كانوا يعيشون فرادى منعزلين عن التأثير في مجريات الواقع من تجارة وزراعة وغيرها فها هم في المدينة يمارسون ذلك على أوسع نطاق في ضوء توجيهات الوحي والمطلوب منهم طلبا جازما أن يحققوا الكفاية للمجتمع الناشيء بل وهناك حرم التعامل بالربا والغش في البيع والتطفيف في الميزان وغيرها من الممنوعات في المجال الاقتصادي كما حرم كل أنواع الزواج التي تبيحها العرب في جاهليتها ولم يبق إلا زواج اليوم هذا في المجال الاجتماعي وآخى بين المهاجرين والأنصار وانتصب الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم قاضيا بين الناس في نزاعاتهم ومرشدا لهم في تصرفاتهم وقدوة لهم في سلوكهم ومرجعا لهم في علومهم وقائدا لهم في شؤون سياستهم وغيرها من القضايا التي تشكل بمجموعها نظاما اجتماعيا سمي بالمجتمع المديني أخذت فيه كل قيمة خلقية وكل قاعدة قانونية سيرها ومسارها وموقعها في حياة الناس فلما اكتمل الدين ليس فقط في الكتاب بوصفه وحيا وإنما في الواقع أيضا كنموذج للحياة الطيبة وكمنهاج للحضارة فيما بعد وذلك بفضل بيان الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم ولهذه الأسباب كان الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم متشددا في أمر الهجرة في بداية الأمر حتى يكون كل فرد من المسلمين لبنة صالحة في هذا البناء والنموذج المجتمعي الجديد الفريد.
4. الرأسمال الزمني وكيف نفكر فيه
كانت أكبر مشكلة تواجه العرب قبل الإسلام هي مشكلة التعامل مع الزمن فقد كانوا دهريين بمعنى الكلمة ترى ذلك في شعر كثير من فطاحلة شعرائهم فهذا تأبط شرا يقول:
بزني الدهر وكان غشوما
بأبي جاره وما يذل
وقد ذكر القرآن الكريم نموذجا من أقوالهم واعتقادهم في الزمن وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر (الجاثية/23).
وينسبون إلى الدهر كل ما يسوؤهم كقولهم صروف الدهر وبنات الدهر وغيرها حتى أتى الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم فقال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر والمقصود بهذا الحديث أن الذي تسبه العرب في جاهليتها وتنسب إليه ما يلحقهم من الشر إنما هو الله الذي قدر لهم ذلك وهو الذي خلق الدهر،ولكن هذا لا يعني أن الزمن قد تم تحديد ماهيته من طرف أي من المتخصصين في أي مجال من المجالات العلمية وأذكر يوما أن الدكتور جمال البرزنجي المدير التنفيذي للمعهد العالمي ذكر أن الجمعية العالمية لدراسات الزمن في أمريكا اتصل بهم وطلب منهم أن يفيدهم ببعض ما يقوله الإسلام عن الزمن أو ما هو الزمن في الإسلام؟ ولكن قبل أن أسمع الجواب انصرفت لطارىء وبقي السؤال يشغلني مدة طويلة حتى عثرت على كتاب في هذا الشأن وعنوانه الحروب على الزمن time wars وقد قدم لهذا الكتاب مؤسس الجمعية السابقة الذكر ولكن صاحب الكتاب لم يدخل في جدل الفلاسفة بخصوص هذا الأمر وإنما فضل أن يتناوله من زوايا الثقافة والانتروبولوجيا وسياسات إدارة الزمن ليخلص أن التفوق الثقافي والحضاري يرجع بالدرجة الأولى إلى استثمار الزمن في الإنجاز معتبرا إياه كعكة في مأدبة للجائعين وعلى هذا الأساس كان إقبال في محاولاته تعريف الزمن وتحديده ودخوله في مساجلات مع الفلاسفة الغربيين في ذلك تضييع للوقت نفسه،وقد نبهنا القرآن الكريم إلى أنه وحدات نسبية بالنسبة للإنسان بينما عنده كيوم واحد فيذكر مثلا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفي آية أخرى في يوم كان مقداره ألف سنة ولا اقسم بيوم القيامة وغيرها واعطانا اسما آخر للزمن القابل للاستخدام والاستثمار وهو الوقت وجعل لنا مقاييس لقياسه وضبطه فقال عن القمر وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب (يونس/10)، وقال في الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا والمطلوب منا اليوم هو توقيت كل أنشطتنا وتصرفاتنا وتحركنا فكل من لم يدخل الزمن في مشاريعه واستراتيجياته سيجد نفسه دائما يراوح مكانه بل لا بد علينا نقتنص اللحظة التاريخية لعمل إنجاز ما كما قال استاذنا الشيخ الطيب برغوث في إحدى محاضراته بهذا العنوان .
فنحن اليوم في مرحلة من الحضارة تجاوز الغرب المتقدم الحساب بالساعات والدقائق والثواني بسبب النقلة التكنولوجية عصر البايت الذي بدأ الصراع فيه على النانوسكند أي الجزء المليار من الثانية.
وأهم درس نستخلصه من هذه الذكرى الشريف هو الدعوة إلى النظر في منهج الرسول صلى الله تعالى عليه و سلم في استثمار إنشاء الزمن الحضاري الإسلامي وكيف استثمر الزمن بشكل إعجازي فقد أسس المجتمع والدولة والحضارة في 23 سنة فقط بينما نجد حركات إسلامية يتجاوز عمرها السبعين سنة وهي لم تتجاوز عقدها الداخلية فضلا عن أن تكون جزء من الحل الإسلامي الذي تدعيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.