إذا توقع أحد أن أميركا في عهد أوباما ستكون أكثر موضوعية ونزاهة من إدارة بوش، فلديه بعض الحجّة في هذا التوقع لما أظهره أوباما في خُطبه الانتخابية، ثم بعد انتخابه رئيساً للولايات المتحدّة من حماسة للشفافية، ومراعاة لمصالح الدول الأخرى واحترام لإرادة الرأي العام فيها. علماً أن كثيرين ذهبوا بعيداً في توقع حدوث تغيير سياسي في عهد أوباما على المستوى الدولي يختلف عن عهد بوش سيئ الصيت والسمعة. ولكي يكون مختلفاً من وجهة نظر هؤلاء فأوباما سيكون على درجة أكثر توازناً في مراعاة مصالح الدول الأخرى في مقابل ما أظهرته إدارة بوش من غطرسة وعنجهية واستهتار بمصالح الدول الأخرى. وقد وصل الأمر بهؤلاء أن نسوا أن دولة إمبريالية كبرى تعتبر نفسها الأقوى والأغنى في العالم، والأجدر بقيادته، طوعاً أو كرهاً، لا تستطيع أن تكون عادلة ولا شبه عادلة في علاقاتها بالدول الأخرى، ولاسيما المستضعفة منها. لأن ذلك يتناقض مع طبيعتها الهيمنية الإمبريالية، وما تمتلكه من قوّة عسكرية. إن ما عبّرت عنه إدارة بوش لم يختلف جوهرياً عما عبّرت عنه كل الإدارات الأميركية بلا استثناء، منذ أن نالت أميركا استقلالها ووجدت ولاياتها، وبدأت تنطلق للسيطرة الخارجية. وقد راحت تلك السيطرة تتسع كلما ازداد منافسوها من الدول الاستعمارية-الإمبريالية ضعفاً، وازدادت هي قوّة عسكرية واقتصادية. صحيح أن خطاب أوباما بعد أن اعتلى كرسيّ الرئاسة الأميركية كان ليّناً مرناً حتى بدا جذاباً فيما كان السبب وراء ذلك ما وجد الولاياتالمتحدة عليه من تدهور اقتصادي عالمي وفشل عسكري في الجبهات الحامية التي فتحتها إدارة بوش. فالليونة والمرونة هنا كانتا تخبئان شراسة عسكرية قادمة بمجرّد أن يبدأ الاقتصاد بالتعافي. وتبدأ سياسة التغيير المسموم بتحسين سمعتها وتعزز تحالفاتها وشق صفوف خصومها. ويكفي ملاحظة التصعيد العسكري الهائل في أفغانستان وفتح جبهة حرب في باكستان. وهكذا سرعان ما بدأت التقديرات الخاطئة حول ما يحمله عهد أوباما من تغيير سياسي في علاقاتها الدولية بالتبدّد مع كل خطوة قامت بها في الموضوع الفلسطيني والعراقي والأفغاني والباكستاني. وما زال مسلسل الأحداث مستمراً في تبديد كل تلك التقديرات، وإن كان من تورّط فيها ما زال يتعلق بحبال الهواء، ويصرّ على تبني منهجية «عنزة ولو طارت». أما في الموضوع الأول المتعلق بالشفافية وحقوق الإنسان فكان من المفترض أن يدوم الوهم حوله أمداً أطول قبل أن يدخل في التبدّد ليلحق بالموضوع السياسي-العسكري الدولي. ولكن الأحداث الانتخابية أو المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان داهمت إدارة أوباما لتكشف التقديرات التي توقعت منه الشفافية والدفاع عن حقوق الإنسان واحترام إرادة الناخبين على المستوى الدولي. بدأت الفضيحة في الموقف من الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب في هندوراس حيث أُعلن من طرف اللسان أن إدارة أوباما لا تؤيدّه ولا تقف معه وتطالب بعودة الرئيس الشرعي فيما كان التطبيق كله باتجاه حماية الانقلاب وإحباط كل محاولة لعودة الرئيس الشرعي ناهيك عن معارضة إسقاط الانقلابيين ومقاطعتهم. ثم جرت انتخابات الرئاسة في إيران، وإذا بمواقف إدارة أوباما تصبّ الزيت لحرق نتائجها لأنها جاءت على غير ما تريد واتهمتها بالتزوير من دون أن تقدّم دليلاً واحداً، أو تشير إلى دليل واحد يعزز هذا الاتهام، غير الاستناد إلى ما يدّعيه المنافسان اللذان خسرا الرهان الانتخابي. وعندما جاء دور الانتخابات الرئاسية في أفغانستان سارع المبعوث الأميركي الخاص إلى القول إنه «ما من انتخابات كاملة». وذلك تمهيداً لتمرير انتخابات تحت الاحتلال (أعلى درجات التزوير) إلى جانب ما سيظهر من تلاعب وتدخلات وتزوير في الفرز وإعلان النتائج. وهذا ما حصل الآن في التغطية على انتخابات مزوّرة بلا جدال إلى جانب عزلتها عن أغلبية الشعب الذي قاطعها أو في الأقل لم يشارك فيها. والأعجب أن أصواتاً رسمية خرجت من الولاياتالمتحدة وأوروبا تدعّي أن انتخابات أفغانستان نجحت من حيث المشاركة فيها بالرغم مما نقلته الأقنية الفضائية من صور تظهر عدداً من مراكز الاقتراع خالية تقريباً. هذا يعني أن أميركا في عهد أوباما ستظل ضمن التقليد الأميركي نفسه من حيث ازدواجية المعايير والمواقف بالنسبة إلى القضيّة الواحدة وفقاً لانحيازات مسبقة، وأن موضوع مراعاة إرادة الناخبين مجرّد شعار وهمي تسمعه في الخطاب ولا تراه في الممارسة. أما في الموضوع الأكثر حساسية وهو الموقف من الانتخابات التي شهدها المؤتمر السادس لحركة فتح كما التي ستشهدها الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة، فإن إدارة أوباما تقف على رأس القوى الخارجية التي راحت تتستّر عما عرفته العملية الانتخابية في مؤتمر فتح من فضائح في التجاوزات والتلاعب والفرز وإعلان النتائج. وهو ما لا يستطيع أحد أن ينكره أو يدافع عنه إلاّ بصوت أبحّ، أو بعبارات ملتوية تُقرّ بحدوث «أخطاء وتجاوزات» ولكن «الانتخابات عموماً نزيهة» وهو ما سنشهده في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة قطعاً. وذلك اعتماداً على التجربة التي تجلت في انتخابات المؤتمر السادس لفتح، وانقلاب هندوراس وانتخابات إيرانوأفغانستان. يبدو أن المرحلة القادمة ستشهد تطوراً لفن أو علم اسمه التلاعب والتزوير في الانتخابات، أو التشاطر في التعتيم على أيّة انتخابات نزيهة لا تأتي نتائجها كما تحب إدارة أوباما والتي ستكون أسوأ من إدارة بوش التي أفلتت من تحتها عدّة انتخابات على غير ما كانت تشتهي سفنها، مثلاً في عدد من بلدان أميركا اللاتينية، أو في الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006 أو في إيران نفسها 2004. ولهذا انتظروا تطويراً أعلى في فن التزوير في انتخابات بلدان العالم الثالث كما في فن الإساءة إلى أيّة انتخابات نزيهة، بما في ذلك التدّخل المكشوف وتهديد الناخب بمقاطعة النتائج والحصار إذا لم ينتخب بالاتجاه الذي تريده إدارة أوباما.