«عرفة» مواطن مصرى صالح من محافظة الغربية دأب علي سؤالي عن الأمور التي تستغلق عليه في واقعنا اليومي. استوقفني عرفة يوما مبادرا: «هو يعنى إيه علمانية ؟». وكان سبب سؤاله أنه حضر خناقة فى الشارع نشبت بين طرفين عن طبيعة الدولة المصرية، وما ينبغي أن تكون عليه. عدت ب«عرفة» إلى أصل العلمانية في أوروبا والتى جاءت لإنهاء هيمنة بابوات الكنيسة على مقدرات الناس، فكانت بمثابة إعادة الأمور إلى نصابها بأن يحكم المجتمعات الأكفأ والأقدر على القيام بذلك. ولم تكن بغرض معاداة الدين أو إقصائه عن المجتمع أو هوية الشعوب. و أخبرته أيضا أن بعض الدول الأوروبية كفرنسا مثلا هى من إختارت أن تتطرف فى علمانيتها حتى صارت فى حالة تضاد مع الدين .. أخبرته أيضاً أن إسلامنا السني ليس فيه «ولاية فقيه» التي هي المكافئ لحكم البابوات. وأن «الواجب في كل ولاية 'الأصلح' بحسبها» كما يقول ابن تيمية «ففي الإمارة يقدم 'القوي' ولو فيه 'فجور' فقوته للرعية وفسقه على نفسه». وهذا قطعا لا يسمى تغييب لمعيار الدين والتقوى عن الإمارة. رسالتي التي ختمت بها كلامي ل«عرفة» هي أنه حين يجد خناقة من هذا النوع على طبيعة الدولة .. يسأل المختلفين على مفهومهم لما يتخانقوا عليه .. فسيكتشف إما أنهم لا يعرفون تعريف ما يختلفون عليه.. أو أنهم في الغالب يصفون أهدافا قريبة لكن بمسميات مختلفة! فكأنهم يختلفون على اسم الوسيلة التي تنقلهم إلى نفس الوجهة .. فيتصورون أن الوجهة ذاتها قد تغيرت. في الحالة المصرية، إذا ما نحينا الشطط، فنحن نتحدث في الغالب عن وسيلة واحدة، نأمل أن تنقلنا نحو المستقبل. اختلفنا على تسميتها .. بعضنا يسميها حافلة .. وآخر يسميها مركبة .. وثالث يسميها حلزونة .. فشغلتنا التسمية عن الحركة للمستقبل. سألته «وصلت يا عرفة؟» .. أومأ عرفة برأسه راضيا .. أتمنى أن تكون قد وصلت فعلا.